LOADING

Type to search

أميركا على الهامش.. والصين في المركز!

العالم موضوع العدد

أميركا على الهامش.. والصين في المركز!

شوكت أبو فخر
Share

خمسة أيام من المفاوضات السعودية الايرانية، بعيداً عن الأضواء وبرعاية صينية، كانت كفيلة بخروج الدخان الأبيض من بكين، ايذانا باتفاق الرياض وطهران في بيان مشترك، لحل المشاكل العالقة بين البلدين منذ أكثر من ثماني سنوات، وعودة العلاقات، وفتح السفارات، بل مقدمة لحدوث الإنفراجات التي قد تترتب على هذا الحدث إقليمياً.

يحسب لبكين تسجيلها هذا الاختراق، بين بلدين بينهما ما صنع الحداد، على مدار أكثر من ثماني سنوات، وفي منطقة تعصف بها المشكلات والحروب وحملات الشيطنة، ومحسوبة تاريخياً على الولايات المتحدة.

الحدث يؤكد بداية تعاظم النفوذ العالمي للصين، فهذه الرعاية للاتفاق تعطي الفرصة للصين لإثبات أنها باتت لاعباً سياسياً دولياً كبيراً في العالم، مثلما تلعب دوراً سياسياً هاماً في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الأمر بالطبع لا يسر – إن لم نقل يُغضب – واشنطن.

إن أهم بند في البيان السياسي الثلاثي، هو تأكيد الدولتين، أي إيران والسعودية، على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها. ومسألة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول هي من أبرز نقاط الخلاف بين العاصمتين، وهذا ينطبق على اليمن، العراق، سوريا ولبنان. والامر الآخر الهام في البيان الثلاثي هو الإعلان عن موافقة السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما في مهلة لا تزيد عن الشهرين. وما يؤكد الغضب الأميركي من الاتفاق المذكور، هو الموقف الذي عبّر عنه الناطق باسم مجلس الامن القومي جون كيربي حين شكّك بالتزام طهران بالاتفاق وقال: “نحن نُرحب” بالاتفاق الدبلوماسي، مضيفاً “لكن ينبغي رؤية ما إذا كانت إيران ستفي بالتزاماتها”. ولا شك أن “إسرائيل” هي الغاضب الأكبر من الاتفاق. 
وعندما نقول اتفاق السعودية وإيران فهذا يعني، اتفاق قطبين بارزين في منطقة لكل منهما فيها حلفاء ومناطق نفوذ .الأمر الذي يعني نزع صواعق متعددة من ساحات ملتهبة، ولعل البداية والاختبار السريع لنجاح هذا الاتفاق سيكون في الساحة اليمنية، التي تعيش هذه الايام بركة هذا الاتفاق والتواصل السعودي مع الحوثيين بمباركة ايرانية معلنة.

ويوحي حرص السعودية على مشاركة الصين ورعايتها للاتفاق بأنها تريد ان تتكئ على غير الجنب الأمريكي وإدارة الرئيس جو بايدن، وهو تطور اعترف به جيفري فيلتمان، المسؤول الكبير السابق في الولايات المتحدة والأمم المتحدة، بقوله بأنّ دور الصين في الاتفاقية هو الجانب الأكثر أهمية في المشهد. وأضاف فيلتمان، الباحث في معهد “بروكنغز”، أنّه “سيتم تفسير ذلك، وربما هذا هو الصحيح، على أنّه صفعة لإدارة بايدن. وفي هذا الصدد، أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أنّ نموذج الصين للدبلوماسية الجديدة حقق فوزاً بالصفقة الإيرانية السعودية، معتبرةً أنّ مبادرة بكين تمثّل نموذجاً جديداً لإدارة العلاقات الدولية. ولفتت الصحيفة إلى أنّ زيادة نفوذ الصين في الشرق الأوسط دليلٌ ملموس على أنّ بكين مستعدة للاستفادة من نفوذها في النزاعات الخارجية، مشيرةً إلى أنّ الصين اقتربت من الشرق الأوسط الغني بالنفط حيث ظهرت في المرتبة الأولى في العالم كمستورد للطاقة، لكن دورها الآن أكبر بكثير.

بدوره، أكد موقع “فوكس” أنّ النفوذ الأميركي يتآكل منذ عقود من التجاوز المدمر لسنوات ما بعد 11 أيلول/سبتمبر إلى دبلوماسية السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب.
أما صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فرأت أنّ الاتفاق الذي تم التفاوض عليه في بكين أظهر إعادة ترتيب مؤقتة على الأقل للتحالفات والخصومات المعتادة، مع ترك واشنطن على الهامش.

وبحسب الصحيفة، فإنّ الأميركيين، الذين كانوا الفاعلين المركزيين في الشرق الأوسط على مدى القرن الماضي، يجدون أنفسهم الآن “على الهامش” في لحظة تغيير كبير.
لقد حوّل الصينيون أنفسهم فجأةً إلى لاعب قوة جديد، في حين يتساءل الإسرائيليون الآن عن موقعهم، بعدما كانوا يغازلون السعوديين ضد طهران، وفق نيويورك تايمز.
ويبدو أنّ الرسالة التي ترسلها بكين هي أنّه في حين أنّ الولايات المتحدة هي القوة العسكرية المهيمنة في الخليج، فإنّ للصين حضوراً دبلوماسياً قوياً. الى جانب ما ذكر فإنه مع الاتفاق الايراني السعودي تكون بكين قد خطت خطوة سياسية كبرى في منطقة نفوذ اميركية اساسية تحتوي منابع النفط وهي بذلك تقتحم عقر دار النفوذ الطاقوي الأميركي. كما فتح الاتفاق الباب واسعاً أمام بدء العد العكسي لوضع حد لحملة الشيطنة الاكبر في تاريخ الاعلام والسياسة، فقد ظهرت إيران في مشهد توقيع الاتفاق دولة عادية وقف ممثلها مع ممثلي السعودية والصين. قبل هذه الصورة وهذا البيان، كانت ايران دولة شريرة ارهابية مارقة تتصدر نشرات الاخبار وتُتهم بخرق حقوق الانسان وحقوق المرأة وتصدير المسيرات والصواريخ والاقتراب من العتبة النووية وبامتلاكها مشروعاً امبراطورياً توسعياً.. إلخ.

 على اية حال، الولايات المتحدة صاحبة الشأن الكبير في الخليج، باتت مع الاتفاق الايراني السعودي، مجرد دولة تُعلق على حدث لطالما كانت تصنع مثله. وأكثر ما يُقلق الولايات المتحدة، كما أعلن جون كيربي، هو مصير اتفاقات ابراهام.

نقطة اخرى جديرة بالاهتمام من فحوى الاتفاق المذكور، وهي أنه اشاع أملاً حقيقياً بالخروج من حالة الاستعصاء التي تمر بها مشاكل المنطقة وما اكثرها بدءاً من اليمن الى سوريا والعراق ولبنان وربما في مرحلة لاحقة فلسطين فمن الان فصاعداً، نتوقع قريبا عودة تداول عبارة “عملية السلام في الشرق الاوسط” عبارة غابت عنا منذ زمن ونسيناها.

يذكر أن أطراف الاتفاق الثلاثة ترتبط بعلاقات اقتصادية متينة. ويبلغ حجم التجارة بين الصين والسعودية ٨٨ مليار دولار سنوياً، كما ان الصين وإيران وقعتا اتفاقا بقيمة ٤٠٠ مليار دولار لمدة ٢٥ سنة فيما تشكل السعودية المصدر الاول للنفط في الصين بمعدل ١.٧٥ مليون برميل يوميا وتصدر إيران للصين ١.٢٥ مليون برميل ايضا. يشكل هذا قاعدة مصالح متينة للاتفاق الذي سيأخذ طريقه للتنفيذ.

بعد نجاح الصين في ترميم العلاقات بين السعودية وإيران، ستتركز الحسابات الجيوسياسية الأميركية على أوكرانيا، لمنع المبادرة الصينية لإنهاء تلك الحرب من مصادفة أي حظ بالنجاح، لأن واشنطن لن ترضى ان تأكل الكف مرة ثانية، وتقول إنها تفاجأت به، بينما تكون أطراف اتفاق بكين تتنفس الصعداء فالسعودية سوف ترتاح من مستنقع اليمن وتعود لدورها في مجلس التعاون، وايران سوف تتحرر قليلا من الحصار ويقوى صوتها في مفاوضات النووي وتبازر في ساحات اقليمية اخرى في حين تكون بكين الراعية وصاحبة المبادرات تسعى من جديد لتأكيد حضورها الدولي ولديها الكثير.

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

1 Comment

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.