بين الحزب والدولة اللبنانية-رئيس التحرير

image_pdfimage_print

(سعاده، من بيان أول مارس سنة 1937 بعد أحداث بكفيا.)

يبدو وضع الحزب السوري القومي الاجتماعي، للمراقب المدقق، نسخة طبق الأصل عن وضع الدولة اللبنانية، بحيث إذا استبدلنا كلمة “الشعب” في العبارة أعلاه، بكلمة “القوميين” أو “الحزب”، لوضحت الصورة وبدا التطابق واضحا. ولعل أصعب ما مر على القوميين في الأيام القليلة الماضية كان تداول صور علم حزبهم مع علم بقية الأحزاب الطائفية والمذهبية التي تنهش قياداتها البلد، أو مشهد فئة من المتظاهرين، ولعلهم كانوا من القوميين، يهتفون أن أحد كبار مسؤولي حزبهم هو “حرامي.”

وتتجلى الصعوبة حين يدرك المرء أن الحزب تأسس بسبب نظرة إلى الحياة قوامها العمل لحياة أجود في عالم أجمل وقيم أعلى. ولشعب ناهض مستعيد لحيويته، متحرر من قيود الطائفية والفساد، في دولة مستقلة ذات سيادة على وطنها وموارده، متحررة من نفوذ الإرادات الأجنبية، وعاملة في سبيل الخير العام في العالم العربي والعالم قاطبة.

أما معظم الأحزاب التي ظهرت أعلامها في الصورة، فقد تأسست لغرض منع الحزب السوري القومي الاجتماعي من تحقيق ما ورد سابقا، والذي هو جوهر نظرته وغايته.

الإشكالية التي يراها القوميون المخلصون هي أنه عوضا من أن يقود حزبهم عملية تغيير جذرية في المجتمع تقضي على العوامل التي تمتص حيوية الأمة، وقع فريسة عملية تغيير جذرية نقلته إلى موقع الفساد الذي تأسس ليقضي عليه، فامتُصت حيويته وأصبح في حال من الشرذمة والتبدد تكادان تقضيان عليه.

وكما أن الخروج من أزمة لبنان ليست بالأمر السهل، فإن الخروج من أزمة الحزب ليس سهلا كذلك. والسبب في الحالتين هو الخوف من الفراغ، وقوة الفساد واستعداد عدد لا بأس به من الناس للدفاع عنه، والعوامل الخارجية المؤثرة. لنبدأ من تلك الأخيرة.

نحن لا نصدق لحظة أن “المانحين” للدولة اللبنانية يريدون منها إصلاح النظام. أبدا. إن هذا النظام اللبناني هو وليد الإرادات الأجنبية وربيبها ولا مصلحة لها في تغييره أو تغيير رموزه. هذه الإرادات الأجنبية لا تمنح شيئا. إنها تقرض لبنان – تحت ستار إعادة إعماره – مليارات الدولارات، مدركة أن هذه المليارات سوف تتقاسمها عصابات الطوائف دون أن يذهب قرش منها إلى الشعب. وهي تقرض هذه الأموال مدركة أن الشعب اللبناني سوف يدفعها من عرقه وعرق أبنائه إلى أحفاد أحفاده. لا، لا مصلحة أبدا لهذه الإرادات في التغيير في لبنان بل نحن نراها تدافع عن النظام، وسوف تستشرس أكثر كلما ازدادت وطأة ضغط الشارع.

كذلك لا نصدق لحظة أن القوى التي تدعم قيادات الحزب اليوم تدعمه محبة به أو بمبادئه أو نظرته، أو أنها مستعدة لدعم أي حراك يواجه التنظيمات التي تحمل اسم الحزب. إنها تستخدمه لمصالحها، كما تراها هي، عبر قيادة يتحكم بها من تعينه هذه القوى ممرا إلزاميا لمساعدات مالية، يستفيد هو وحاشيته من معظمها، ويبقى للحزب ما يكفي لبقائه في غرفة العناية الفائقة. إن هذه القوى لا تريد الحزب موحدا قويا. إنها تريده شراذم وتنظيمات ورؤساء يخدمون مصالحها.

إن قوة الفساد هي استعباده لآلاف المواطنين في لقمة عيشهم، وتحريكهم، ساعة يشاء لحماية مكتسباته. إنهم كأولاء الجنوبيون من أبناء شعبنا تحت الاحتلال الإسرائيلي، لا يجدون عملا لهم سوى بناء المنازل لمستعمرين جدد على الأرض، أرضهم، التي نهبها منهم المحتل بالقوة.

أما الفراغ، فالخوف منه قتّال أيضا. الفراغ في المؤسسات ربما يقود إلى الحروب الداخلية يقول لك أرباب الدولة اللبنانية، وكذلك أرباب الحزب. المفارقة ان الحروب في لبنان كانت دائما في ظل الدولة، والتصفيات داخل الحزب تمت إبان وجود “المؤسسات”. لا ليس الفراغ ما يخيف، بل التهويل به هو الذي يخيف.

وبعد، إنه لأمر جيد أن المتظاهرين ما زالوا في الطرقات. لا يجب ان يكون هناك عودة قبل تحقيق أول المطالب: إلقاء القبض على كبار المافيا وجلبهم أمام القضاء لاسترداد الأموال المسروقة منهم. هذا ليس سهلا، وهؤلاء أقوياء ولديهم أزلامهم. ولكن ما قبل نزول الناس إلى الشارع لا يجب ان يكون كما بعده.

كذلك الأمر في الحزب. لقد اسقطت المظاهرات آخر أوراق التين وكشفت عن المسافة بين القوميين وقيادتهم، خاصة في مركز الروشة. القوميون في الشارع، أما قيادتهم فمؤيدة للنظام ومدافعة عنه. وما زال هناك من يقول، “ثمة انتخابات قادمة دعوها تحسم النقاش.” إن القائلين بمثل هذا القول مثلهم مثل الذي يدعو اللبنانيين اليوم للانتخاب وفق القانون الانتخابي القائم وتوقع نتائج مغايرة عما هو حاصل اليوم.

لقد استيقظ الشعب في لبنان. هل يستيقظ الشعب في الحزب؟ هذا هو السؤال.


في هذا العدد<< المؤسسات الحزبية: أغاية هي أم وسيلة؟هذا العدد >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
4 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
ايلي عون
ايلي عون
5 سنوات

احد اهم الفوارق بين الحراكين الشعبي والحزبي هو ان الأول قرر المواجهة مع الدولة وأعلن استمراره في التظاهر حتى تحقيق مطالبه أما الثاني(الحزبي) فقد اعتكف مناضلا في ساحات لا تؤلم السلطة ولا تضغط عليها -بل تريحها- معتبرا ان ” الاصلاح من الداخل مستحيل “. قد يصل الأول، في عامل الوقت، الى مبتغاه أما الثاني فيزداد ابتعاده عن تحقيق اي تغيير.

ايلي عون
ايلي عون
Reply to  ايلي عون
5 سنوات

المقالة اعلاه قيمه جدا لا شك ومفيده وليس لدي اعتراض على محتواها، الا أنها تؤشر الى منحى قد يصبح خطيرا. القياده الحزبيه كونها متسلطة منذ اربعة عقود وكونها عبثت بالدستور واستنسخت نفسها بأساليب متعددة هي في انحراف عقائدي ولا شك. الا اننا حين نشرع في التركيز على انحرافها العقائدي بمقالات من الخارج فانما نحن نؤسس لانشقاق او نهيئ لرحم يحتضن الانشقاق. النتيجة سلطة حزبية منحرفة، ولكن باقية، وانشقاق ليس بحزب ولا يستطيع ان يكون بديلا عن الحزب وقوميون ومواطنون مبتعدون عن هذا وذاك.

Samer
Samer
5 سنوات

تحيا سوريه، رايي اننا يجب علينا ان نسال انفسنا كقوميين بعض الاسءله، و نجيب عليها بصدق. 1- هل نحن فعلا موءمنون ان هذا الفكر هو الحل، او اننا تعودنا ان نتكلم عن الحزب و الفكر؟ 2- هل نبحت عن حلول، و مستعدين العمل علي حلول، او فقط نقدر ان نشخص الامراض؟ 3- هل مستعدين ان نتنازل قليلا عن نزعتنا و غرورنا الفردي في سبيل النجاح في اي مشروع؟ 4- اذا كان هدفنا هو انتصار الامه، نحتاج الي قياده تجمع كل الامكانيات، و تحفزها للعمل. اذا كان انطون سعاده منفردا، قدر ان يصنع كل هذا التغيير فينا، فنحن كمجموعه من تلامذته،… قراءة المزيد ..

ايلي عون
ايلي عون
5 سنوات

المؤسسات شرط ضروري، ولو غير كاف، للغاية. لهذا اعتبرها سعاده ” اعظم اعمالي بعد تأسيس ألعقيده..”.