السياسي الجشع هو نفسه- فادي خوري

image_pdfimage_print

مع صدور هذا العدد من “الفينيق” يكون قد مر ما يزيد على العشرة أيام من بدء التظاهرات الشعبية التي شهدها العديد من المدن الرئيسية في لبنان. وبغض النظر عن العوامل التي أدت إلى اشتعال الشرارة الأولى للتظاهرات الاحتجاجية، كتخطيط خارجي استغلً الحرائق المفتعلة والإعلان عن ضريبة الواتسآب – عاملان تزامنا إلى حد ما مع إعلان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بـ”الطلعة إلى سورية”، ثمّة حقيقة لا بد من الاعتراف بها وهي أن المتظاهرين الذين تصرّفوا بشكل عفوي ونزلوا إلى الشارع جاء تحركهم نتيجة سنوات قاسية كانت مليئة بتجاوزات عديدة ارتكبها أرباب السياسة اللبنانية، وهي بدورها نتاج النظام اللبناني الطائفي والمذهبي وليد الاحتلالات التي رزحت الأمة السورية تحتها لقرون من الزمن.


بالرغم من بعض السلبيات التي شهدتها المظاهرات، وتحديداً غياب التنظيم وتوحيد قيادة الحراك، وهذا من طبيعة الحال كون التظاهرات انطلقت بشكل عفوي، إلاّ أن إيجابيات عدة طغت على مشهدية الساحات والتجمعات وتمظهرت على شكلٍ توحّدَ فيه المواطنون تَوَحُّداً تجاوز الطائفة والمذهب والانتماءات السياسية، ولو بشكل مؤقّت، نأمل في أن يستمر.

من أهم الانعكاسات الإيجابية التي لحظها المتظاهرون والمراقبون، والتي استطاعت الاحتجاجات إبرازها عبر شاشات التلفزة وغيرها من الأوساط، هي بشاعة صورة السياسي اللبناني الجشع المتربّع في مكتبه أو قصره أو إحدى فيلّاته أو في يخته، أو وهو يستعين بطوّافات الجيش لنقله وأفراد عائلته إلى مطار بيروت فباريس أو لندن، لتعذّر وصولهم إلى محلات الـ ABC للتسوق أو إلى نادي الرياضة لممارسة تمارينهم المفضّلة، بسبب قطع الطرق من قِبَل المتظاهرين – هذا حدث بالفعل. حدث كل هذا في حين ارتفعت أصوات المعتصمين ضد غلاء المعيشة في ظل غياب رغيف الخبز عن طفل جائع، أو ندرة جرعة الدواء لمعالجة مريض مُقعد.

صورة هذا السياسي اللبناني الجشع – حُوتُ المال، كما وصفته إحدى يافطات المحتجّين، لن تغيب عن مخيلتي ولا عن مخيلة الملايين، في لبنان وحده.

هذا السياسي الجشع، باني القصور والفيلّات، الذي، ولئن صودف وضاعت منه فرصة لجمع المال غير المشروع، تقفز زوجته إلى الواجهة لتقتنصها باسم جمعية خيرية من نسج الخيال، فتغيب مجددا لقمة الخبز من أمام طفل يتضور جوعاً.

صورة السياسي اللبناني الجشع هي صورة رجل سمين، عَيْناهُ تائهتان في مجهول لا قعر له، يحاول عاجزاً، بقدراته العقلية المحدودة، أن يعي أو أن يفهم كيف وصل إلى هذا المنصب وإلى هذا الكم الهائل من الثراء وهو عديم المعرفة والثقافة والعلوم والقدرة على التحليل وإدراك الظواهر من حوله، فيبتسم ابتسامة هزلية سمجة وهو ينظر إلى مرافقيه والمنحنين أمامه. ومن ثمّ يحاول أن يقوّم ربطة عنقه الغليظة فتتدلّى لحيته حائلاً دون إتمام المهمة. يحاول أن يربط ولو زراً واحداً من أزرار جاكيتته ولكن كرشه الذي يحجب قدميه عن أنظاره يصرخ “غير ممكن”.

هذه هي الصورة التي تتراءى لأبناء شعبنا في لبنان عن أصحاب القرارات السياسية في دولة كيانهم الهزيل؛ أصحاب نزعات فردية تجاوزوا بتصرفاتهم كل ما هو محق وخيِّر وجميل. السياسة عندهم ليست فنّاً أو علماً يخدم القضايا المجتمعية بل مطيّة يركبونها لمضاعفة أرصدتهم وأحجام لحاهم وأعناقهم وبطونهم.

نسلّم جدلاً أن أمام دولة الكيان اللبناني ومواطنيها الكثير للوصول إلى درجة الوعي القومي المطلوبة، لكن ثمّة أموراً كثيرة باتت واضحة عند اللبنانيين، من ناحية التمييز بين القادة الشرفاء وحيتان المال. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا استطاع الشعب في لبنان الذي أغرقوه منذ أكثر من مائة عام في طائفيته ومذهبيته وولاءاته العمياء وتعصبه دينياً وسياسياً وعائلياً وعشائرياً، استطاع أن يصل إلى هذه الدرجة المتواضعة من الوعي تمخّض عنها هذا الانفجار والتحرك، لماذا نرى هذه العوامل محجوبةً أو غير موجودة عند السوريين القوميين الاجتماعيين بالنسبة لمن خطف حزبهم ومؤسساته على مر العقود الماضية، رغم أن الجميع يعي أن هذا الحزب يعاني من أزمات قيادية وفساد وتشتت، وهم المؤمنون بشرعنة العقل في الفكر والنهج وبأن مبادئهم هي المَعْبَرُ الوحيد للأمة إلى الخلاص؟

من المؤسف أن يسبق اللبنانيون القوميين الاجتماعيين في تشخيص العلة ومحاولة تقديم الدواء لمشاكل عانوا منها خلال نفس الفترة الزمنية، أي منذ بواكير التسعينيات الماضية؟ أولا يمر القوميون بأزمات في قياداتهم ومسؤوليهم وتشتتهم على أسس ولاءات لأشخاص؟ أولا يعانون من تمسك المسؤولين بالسلطة لسنوات في عملية احتكار للكراسي والوظائف؟

لنرى معاً إلى مزيد من المقاربات والمقارنات بين ما يعاني منه المواطن اللبناني مع دولته من جهة وما يواجه القوميين من جهة أخرى:

أولاً، ما أن نزل اللبنانيون بشكل عفوي إلى الشارع، باعتبار أنهم ينادون بالإصلاح ويطالبون بإيقاف الهدر واستعادة الأموال التي نهبها السياسيون، حتى تطايرت من حولهم الاتهامات بأنهم مشبوهون وأنهم يسعون لتحقيق أجندات غريبة.

في المقابل، كلّما طالب القوميون بإحداث إصلاح ترتفع الاتهامات بوجههم بأنهم يسعون إلى شق الحزب بإيعاز من جهات خارجية.

ثانياً، بالرغم من أن المعتصمين رفعوا العلم اللبناني، أي أن أنهم رفعوا شعاراً رأوا فيه عنصراً موحِّداً لهم، أصرّت بعض الجهات المتضررة بالاندساس بين المتظاهرين لترفع أعلام أحزاب وفئات سياسية مدعومين من متزعمين لا يخدم التغيير أجنداتهم ومصالحهم.

وفي المقابل، حين يقوم أحد القوميين بإظهار مثالب وشوائب التنظيمات إنطلاقاً ممّا يوحِّدُ القوميين، أي عقيدتهم ومبادئهم وغاية حزبهم، يواجهه أزلام المتزعمين مدافعين عن الأشخاص، الأحياء منهم والأموات.

أين القوميون اليوم ممّا حثّهم عليه سعاده حين قال في خطابه في الأول من حزيران عام 1935 “
“تحت طبقة الثرثرة والصياح المنتشرة فوق هذه الأمة، يقوم السوريون القوميون الاجتماعيون بعملهم بهدوء واطمئنان، وتمتد روح الحزب السوري القومي الاجتماعي في جسم الأمة وتنظم جماعاتها”؟

هل يرَوْنَ من أمسكوا – بشكل غير شرعي وغير دستوري – بقرار الحزب، السياسي والتنظيمي، أنهم يعملون، تحت طبقات الثرثرة والصياح والفوضى الضاربة في كل كيان من كيانات الأمة، بهدوء واطمئنان؟ هل يقومون بتنظيم جماعات الأمة؟ دعك من الأمة بكياناتها السياسية وانقساماتها المذهبية والعرقية وغيرها، هل يقومون بتنظيم “جماعات” الحزب السوري القومي الاجتماعي؟

في غياب السلطة الحكيمة وانشغال السلطات القائمة في تقرير التموضع السياسي ضمن التركيبة السياسية الكيانية لحفظ مراكزها وثرواتها، لا بد للقوميين الشرفاء أن يتنادوا فيما بينهم، واليوم أكثر من أي وقت مضى، وتحت طبقات الصراخ، كي يوحّدوا كلمتهم، إنطلاقاً من عقيدتهم الصلبة وغاية حزبهم السامية، وبمعزل عن التنظيمات المنتحلة اسم حزبهم وبمنأى عنها، ويعلنوا حالة التغيير فيكون لحزبهم الصوت القوي القادر على اختراق الفوضى التي تعمّ أرجاء الوطن، صادحاً بفكر سعاده القائل بأن “لبنان يحيا بالإخاء القومي ويفنى بالطائفية”، وبأن في السوريين قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ. وأننا إذ ننظر إلى ما نشهده اليوم، يزداد إيماننا بهذه الحقيقة، كما تزداد عزيمتنا لإعادة حزب سعاده العظيم إلى مساره القويم.

في هذا العدد<< محرم عليكم- قيس جرجس (نقلا عن فيسبوك)لنسلم جدلا- د. ميلاد السبعلي (نقلا عن فايسبوك)… >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments