ندوة د. موفق محادين عن المؤتمر السوري العام – جزئية الانقسام والحاجة للآخر
تمهيد
عرضت الفينيق سابقاٌ مقالين حول الانتعاش الثقافي الذي بدأ بالانتشار بين السوريين القوميين الاجتماعيين خلال العام 2020، فكان المقال الأول والذي حمل عنوان “المشهد الثقافي“، والثاني والذي حمل عنوان “الندوة الثقافية/إعادة البناء – تقرير فصلي“، وقد شكلت الندوة الثقافية لمجموعة إعادة البناء نبعاً ثقافياً للقوميين الاجتماعيين المتعطشين لها، ولعل أكبر دليلٍ على ما تركته الندوة الثقافية من كبير الأثر لدى متابعيها يتجلى في الأعداد المتابعة لها والتي وصلت إلى الثمانين وما يزيد قليلاً. وقد انطلقت الأربعاء الماضي أولى محاضرات الندوة الثقافية لبرنامج ربيع 2021، وامتازت بميزتين: أولاهما أن المحاضر من مؤيدي الفكر السوري القومي الاجتماعي الأستاذ موفق محادين من الكيان الأردني، وثانيهما أن مادة المحاضرة نفسها طرحت راهنية المؤتمر السوري الأول والتي تجدونها عبر روابط اليوتيوب التالية: الجزء الأول، الجزء الثاني.
حول هذه المحاضرة وما تركته لدى المتابعين، كتبت المواطنة مي هديب من الكيان الأردني ما يلي:
منذ أيام كانت ندوة إعادة البناء عنوانها “نحو استعادة راهنة لرسالة المؤتمر السوري العام” وتحدث بها د. موفق محادين، وكانت المداخلة الأهم عبر د. حياة الحويك عطية. كاانت دعوة د. موفق هي باستعادة نموذج المؤتمر السوري العام، بل وعقده للمرة الثانية في تاريخ أمتنا.
راهنية هذا المؤتمر تقع في ضرورته بداية، ثم جاهزية البلاد السورية لمثل هذا الطرح، وخاصة بالقبول العام لشعار المؤتمر “ليس ثمة انفصال للجزء الجنوبي من سورية والمعروف باسم فلسطين، ولا للمنطقة الساحلية الغربية والتي تشمل لبنان عن البلاد السورية.” المداخلة المهمة والتي تفسر تفاعل المواطن الأردني مع القضايا الكبرى، وغيابه العام وليس الكلي عن القضايا الجزئية، تمثلت في قول د. حياة الحويك، وتأكيد د. موفق محادين، “بوصف المواطن الأردني لا يشعر باكتماله بأي حال، أو عدم حاجته للآخر.”
فالمواطن الأردني بكل تراكيبه مرتبط ذهنياً بعمقه الجغرافي، وما خصوصيته إلا جزء من عموميته، وقد تجلت هذه الصورة في الحرب الكونية على سوريا. فبرغم تباين الموقف بين مع وضد، فقد كانت الساحة الأردنية على المستوى الشعبي هي الساحة الوحيدة التي قسمت الشارع بشكل حاد بين معسكرين لا ثالث لهما. غير أنك، في كلا التقسيمين، تجد التجاذبات وقد انعكست على القضايا الجزئية “المحلية”، وما تسامح به أطراف الصراع خارج الساحة الأردنية، لم يتم التسامح معه حتى تاريخ تصاعد الأزمة الداخلية، والتي تصاعدت بصورة درامية مع ذكرى هبّة نيسان، تلك الهبّة التي ذوبت الخاص بالعام، وأفضت إلى تحولات غير مسبوقة في المجتمع السياسي ولو تم الانقضاض عليها لاحقاً.
وعودة إلى جزئية الانقسام، ففي كلا الحالتين “مع و ضد” كانت التركيبتين تنحازان جبراً للتنوع الأيدولوجي، وخاصة في المعسكر الذي رفع شعار “دعم سوريا”. فهو أضاف ضرورة الفهم السياسي مسبقاً على الأيدولوجيا، وماحياً لكل الإرث السابق مع الدولة السورية، مشكلاً نواة مهمة لإضافة كافة الأيدولوجيات في سياق الواقعية السياسية باستكمال شعار دعم سوريا بجملة “ونهج المُقاومة”.
ولعلنا هنا ننوه إلى أن ضرورة الشعور بالنقص دون باقي الأضلاع هو شعور يعبر عن الضرورات، والحتمية في نهاية الأفق، فنستعيد بشكل جازم على أن الدعوة إلى هبّات نيسانية مجدداً لن تأتي بجديد. فالنهج هو ذاته وقائم منذ حكومة الرفاعي 1989، ومستمر لغاية الآن، فالأردني بالضرورة يعرف مسبقاً أن بحبوحته القائمة على حساب الدولة انتهت منذ 32 عاما، وأن رفعته تقوم على استبدال نهج الاقتصاد الخدمي، بالاقتصاد الإنتاجي العام، متكاملاً مع عمقه الجغرافي، سوريا والعراق على وجه الخصوص. ويعرف مسبقاً أن المشروع الصهيوني يهدده يومياً في قطاعات مختلفة، في الماء، والغاز، والزراعة، والدواء. لذلك ولأجل الجزئيات التي ذكرت، فضرورة الالتفاف الثقافي كجزء من حالة إعادة تعيين المفاهيم، بما يشمل ذلك الفئوية والنفعية المتزاوجة مع هذه الفئوية، بوصفها حالة تمترس للتبعية، وضمناً إعلان فشل الدولة القُطرية واتهام هذه المفاهيم، هو مقدمة لاستعادة المثقف في مكانه، وعدم عزله، وما استعادته إلا جزءاً يكتمل في يوميات الصراع العالمي في المنطقة.