مات سعاده؟ … كان هذا خبراً بسيطاً -هنري حاماتي
نُقلت هذه المقالة عن مجلة “النهضة” التي كان يصدرها السوريون القوميون الاجتماعيون في العاصمة الكندية أوتاوا أواخر السبعينيات من القرن الماضي. نُشرت في عدد 24 الذي صدر في الثامن من تموز عام 1977 . ما تود “الفينيق” لفت النظر إليه هو أن يعاين القارئ الموازاة بين المادة أدناه من جهة، ومن جهة مقابلة ما يحصل اليوم مع النظام في الجمهورية العربية السورية من قِبَلِ الدول العربية “الحليفة”، وبالتحديد ابتداءً من العام 2010 حتى يومنا هذا.
____________________________
في السابع من تموز عام 1949، دخل سعاده القصر الجمهوري في دمشق لالتقاء رئيس جمهورية الشام حسب موعد مضروب، فوجد نفسه في حضرة رئيس الجمهورية وعدد من الشرطة اللبنانية، الذين اعتقلوه وساقوه إلى بيروت.
كان رئيس جمهورية الشام، حسني الزعيم، قد تعهّد دعم الثورة السورية القومية الاجتماعية التي قادها سعاده بنفسه ضد النظام الإقطاعي الطائفي الخائن في لبنان، غير أنه غدر بالثورة بأسلوب الغدر الشارعي الوضيع، وغدر بقائدها وسلّمه إلى السلطات اللبنانية التي حاكمته ونفّذت فيه حكم الإعدام في مدى أربع وعشرين ساعة فقط من تسلّمه.
كانت تلك المحاولة القومية الأولى لإسقاط الأنظمة والكيانات، وللوحدة.
كانت تلك تجربة قاسية لنا، اختبرنا فيها أن ألدَّ أعداء الثورة هم حلفاؤها إذا انقلبوا.
كانت التجربة خبراً: 8 تموز 1949 – سيق سعاده إلى خشبة الإعدام وأُطلق في صدره الرصاص، وفي دماغه رصاصة، فمات.
وكان الخبر بسيطاً، استتبع ردود فعلٍ بسيطة في دمشق وبيروت وعمّان، سقط خلالها عدد من الخونة الصغار الذين غدروا بانتفاضات شعبنا، على أرض فلسطين وداخل هياكل الخيانة في أنظمة التجزئة: حسني الزعيم، محسن البرازي، رياض الصلح، الملك عبدالله…
وما زال الخبر بسيطاً حتى الآن.
الحقيقة أن دور حسني الزعيم لم يكن دور رجلٍ غدر برجل، في مناخ كسب سياسي ومالي، بل دور نظام حمى نظاماً في مناخ تآمر عربي أجنبي.
فلقد بقي النظام الشامي بعد تصفية حسني الزعيم ورئيس وزرائه، وخلال كل التطورات العسكرية والسياسية داخل الشام، بما فيها أحداث 1958، حامياً للنظام اللبناني وسنداً للإقطاع اللبناني.
حتى عبد الناصر، الذي تعاون مع الإقطاع الطائفي في لبنان، انتهى إلى دور حماية النظام اللبناني وترسيخ دعائمه.
وبعد عيد الناصر لم يكن دور حزب البعث العربي الاشتراكي، أو ما يسمى كذلك في الشام، مختلفاً عن أدوار سابقيه، فهو أيضاً، في مناخ التضامن العربي – تضامن الأقطاع العربي، تحالف مع الإقطاع الطائفي والأحزاب الطائفية اللبنانية، وحمى النظام اللبناني من القوى الثورية التي تحرّكت لتنسفه.
فلسنا أمام صدفة، ولا أمام تجربة قاسية جديدة تعلّمنا اختباراً جديدا.
إنه الاختبار نفسه يتكرّر: الشام تتعهد حماية الثورة ودعمها، ثم تدعوها إلى التحالف معها، ثم تنقلب!
كل أعدائنا كانوا أعجز من تحطيمنا كما تحطمنا في لبنان خلال الحرب الأهلية. غير أن الحلفاء الذي انقلبوا جعلوا “الثورة” مهزلة والثوّار “مشكلجية” أمن، والتغيير أضغاث أحلام، كما جعلوا الخونة أصحاب خطوة وأسياد موقف وأبطال نضال. جعلوا كل شيء مستحيلاً أو ممكنا.
لم يتغير شيء، فالإطار التاريخي الجغرافي بقي هو هو: نحن والعرب وإسرائيل والاستعمار. والحكام، هنا وهناك، هم ما هم: فاروق يطاوع في قيام إسرائيل، وعبد الناصر يقبل بمبادرة روجرز، والسادات حمامة سلام، أو شريف مكة يتعهد القبول بإسرائيل في مراسلات مكماهون، والحسين يصفّي الثورة ويتفرّج على الحرب مقابل بقاء إمارته على شرق الأردن، أو سعود وفيصل وخالد أيام الولاء للتاج البريطاني، أو أيام “الصداقة الأمريكية – السعودية” روّاد سلام ومصالحة وتفهّم وتفاهم…
وحكّام دمشق كحكام بيروت. هم اليوم، أيام الاعتراف بالعدو، ما كانوا أيام قيام دولته: يبحثون عن الاستقرار في دوواين العرب ودوائر الأجنبي.
وعلى الساحة الفلسطينية ما تغير شيء: كان دائماً ثمّة ثوار يستبسلون ويموتون، وكان دائماً هناك الحاج أمين الحسيني طربوشاً للسلطة الفلسطينية، مع القسّام والعاص وعبد القادر الحسيني شهداء. كما اليوم ياسر عرفات، نسيب المفتي، مع السباب الفلسطيني السوري المتساقط في كل مكان.
من حسني الزعيم إلى حافظ الأسد، ربع قرن من دوران الرحى على الثوار والمصالح القومية، على الأبطال والمبادئ. إنه تاريخ العار يدور على محور مصالح الآخرين.
مات سعاده؟
… كان هذا خبراً بسيطاً فعلاً.