عذاب المشرق وطريق الخلاص-راجي سعد
هل هناك وضع أسوأ من الذي نحن فيه؟ ما الذي يمكن ان يحصل بعد لكي يفكّر هذا المشرق المعذّب بتغيير مساره؟
صفقة قرن لا عودة فيها ولا قدس ولا دولة بل شراذم بشرية لا حول لها ولا قوة.
حصار اقتصادي خانق على سوريا حتى تستسلم وترضى بالتقسيم الفدرالي على أساس عرقي طائفي.
إفلاس لبنان وشله اقتصاديا بسد رئته الوحيدة للعالم العربي ومنع المساعدات عنه بعد إغراقه بالدين حتى يرضى بالتوطين وبطائف جديد على اساس الفدرالية. أو بالأحرى التقسيم على أساس طائفي مزين بأرزة واحدة ورئيس واحد.
سلب العراق ثرواته واهمها المائية التي تقلصت أكثر من 65% عن بداية القرن الماضي، وفَدْرَلَتِه وإنشاء كيان عرقي انفصالي في الشمال.
انها باختصار حرب أميركية غير معلنة على هذا المشرق حتى يستسلم كليا للشروط الصهيونية لتصفية المسألة الفلسطينية وشرعنة وتثبيت الدولة اليهودية بإنشاء دول عنصرية مماثلة لها في محيطها.
في بداية القرن الماضي رسم لنا أركان العالم المنتصر أمثال سايكس وبيكو في سان ريمو وفرساي وسيفر وغيرها مستقبلنا فكانت النتيجة قيام دولة اسرائيل وتشريد شعبنا في فلسطين وحروب أهلية في لبنان وتأليب الأكثريات على الأقليات والعكس، وحزبيات دينية طائفية دمرت العراق وسوريا. الآن وبعد أكثر من 100 سنة من رسم هزيمتنا وإيصالنا الى حافة الهاوية، ها هم يخططون مجددا لانزال الضربة القاضية على مستقبلنا بزرع بذور الحروب المستمرة بين الطوائف والأعراق يكون الصهيوني فيها الحاكم والحَكَم للقرن القادم.
هل هناك ويلات ونكبات أكبر من هذا الذي يحصل اليوم لكي نقتنع أن إعادة الكرّة وجعل أباطرة وقياصرة العالم يقررون مصيرنا مرة أخرى سيعطي نتائج أفضل؟ ما الذي يجعلنا مخدرين وكل منا في صومعته ينتظر قدره الذي رسمه له العم السام؟ هل صحيح ان لا حول لنا ولا قوة فنحن “لا نستطيع مواجهة اميركا”؟
إن الحد الأدنى البديهي الذي يمكن أن تفعله دول مصيرها مهدد والمهدِد واحد هو ان تتكلم مع بعضها البعض وتبحث عن أطر للتعاون والتنسيق لصد العدوان. ماذا تستطيع اميركا ان تفعل أكثر مما تفعل لتدميرنا وافلاسنا إذا تعاونّا. ماذا ستفعل اميركا وقيصرها وبنكها الدولي إذا فتحنا الحدود للتبادل التجاري المدروس وغير العشوائي الذي يؤمن مساعدة كل بلد للبلد الجار. إن الكلام عن اقتصاد منتج بدون تامين سوق لهذا الإنتاج هو كلام للاستهلاك المحلي
فسوق لبنان-الشام-الأردن هو الحد الأدنى لنجاح اقتصاد زراعي وصناعي فعال ومنتج.
المؤسف أن القليل من السياسيين يتجرؤون في الكلام عن هذه البديهيات. حتى الذين يَدْعون لوحدة هذا المشرق السوري أصواتهم خافتة ولا يوجد عندهم أي مشروع متكامل للإنقاذ. إذا كنا ننتظر من الغير ان يساعدنا من دون ان نساعد أنفسنا فسيطول الانتظار ربما لمئة عام اخرى. أما إذا عقدنا العزم وأردنا تطوير هذا التعاون فيمكن انشاء مجلس تعاون مشرقي يشمل لبنان والشام والأردن والسلطة الفلسطينية والعراق، وإطلاق أو تنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية المشتركة لربط بيروت بدمشق وعمان ومن ثم بغداد والبصرة، وطرابلس بحمص وحماه وحلب والقامشلي ومستقبلا بالموصل وكركوك كسكك الحديد الحديثة وانابيب الغاز والبترول والطرقات السريعة. فقط عندما يرى العالم أننا جديين في الدفاع عن أنفسنا، ستتشجع الدول التي لا تدور في الفلك الاميركي كالصين وروسيا وربما
أوروبا على دعم وتمويل هذه المشاريع لأنها ستستفيد وتتوافق مع مشروع خط الحرير من بكين الى لندن. هذه المشاريع ستؤمن وظائف لنسبة كبيرة من الشباب العاطل عن العمل وتطلق الاقتصاد وتحد من هجرة الادمغة وتهزم أي حصار من أي كان.
قد يرى البعض ان هذا الطرح هو من المستحيلات التي لن تسمح إسرائيل او اميركا لتحقيقها باي ثمن. هذا الرأي له أسبابه الواقعية طبعا لكن على طارحيه ان يتقدموا بحلول او مشاريع بديلة أكثر واقعية وغير ترقيعية لمنع صهينة المنطقة الى سايكس- بيكو اجتماعية عرقية طائفية. الحل الوحيد المرفوض هو جلوس كل كيان في صومعته وانتظار البنك الدولي او القَدَر كما رسمه العم او الإله سام لأننا جربناه. ان خارطة الطريق التي نطرحها هي الحد الادنى من التعاون لصد العدوان عن شعبنا للحد من عذاب وانهيار هذا المشرق، ويجب السعي اليها مهما كانت النتائج إذا
أردنا فعلا ان نكون أحرارا من امة حرة في 100 سنة القادمة.