حوارية الحكومة والشعب!
زيد قطريب
الحكومة: أيها الشعب، نحن في منعطف تاريخي، ويجب عليك أن تصمد في وجه الامبريالية والصهيونية والرجعية.
الشعب: نعم يا سيدتي، نحن في “كوع” تاريخي، ويجب علينا أن نتشبّث كي لا تنقلب بنا “طرطيرة” الصمود وهي تلفّ المنعطفات القاسية!
الحكومة: شدّ الأحزمة أيها الشعب، فيجب الادخار حتى تحين لحظة المواجهة الحاسمة.
الشعب: نعم يا سيدتي، لقد خطط الاستعمار منذ مئات السنين كي نشرب الشاي بدون سكر، ونطبخ بلا لحمة، ونأكل الشاكرية بلا رز!
الحكومة: هل تسخر مني أيها الشعب؟ يجب أن تكون على حجم هذه المرحلة الحساسة التي نمر بها.
الشعب: بالطبع يا سيدتي، يجب أن نكون على مستوى “المدحلة” التي تمرّ فوقنا!
الحكومة: سنملأ الصالات الاستهلاكية بالمواد المخفّضة ولن يجوع أحد في أرض الخير الوفير!
الشعب: نعم يا سيدتي، سنقف ساعات في الطوابير، لنحصل على كيس الرز المدعوم ببروتين السوس!
الحكومة: هل تلمّح إلى شيء أيها الشعب، لقد كانت هفوةً بسبب سوء التخزين وتم تداركها على الفور.
الشعب: معاذ الله يا سيدتي، إنها “غفوة” صغيرة فعلاً!
الحكومة: لابد أن تبقى متيقظاً أيها الشعب لأن ما يُحاك في دوائر الامبريالية خطير ويتطلب مواجهات مصيرية.
الشعب: بالطبع يا مولاتي، سأبقى مستيقظاً طوال الليل، لكن اجلبوا لنا الكهرباء حتى نشاهد التلفزيون ونسمع الأخبار عندما تهجم الامبريالية علينا..
الحكومة: الكهرباء! لقد انتصر أجدادنا وهم يعيشون على زيت الكاز والفتيل!
الشعب: حسناً يا سيدتي، سنسهر على ضوء القداحات واللدّات حتى تحين لحظة المواجهة المصيرية.
الحكومة: ركّز أيها الشعب! يجب أن نلحق بركب الحضارة ونثبت وجودنا في العالم.
الشعب: طبعاً يا سيدتي، سنلحق بالركب، لكن أعطونا البنزين كي نركب “موتورات” التنمية وننطلق بسرعة!
الحكومة: بنزين! هل جننت أيها الشعب؟ وهل كان لدى أجدادنا سيارات عندما بنوا أمجادهم؟
الشعب: صدقتِ يا سيدتي، كان أجدادنا يمتطون الخيول.. أعطونا أحصنة كي نلحق بالركب!
الحكومة: أحصنة! هل أصابك مسٌّ من الجنون أيها الشعب؟
الشعب: طيب يا سيدتي، سنكتفي بالحمير، فهي إن “عنفصت” تصبح كالأحصنة تماماً!
الحكومة: لقد عدتَ إلى تلميحاتك وسخريتك المعتادة، ومن أين نأتي بحميرٍ تكفي كل أبنائك أيها الشعب؟
الشعب: معك حق يا سيدتي، لا يوجد جحاشٌ تكفي، ولكن أعطونا أحذية أصلية كي نلحق بركب الحضارة ركضاً..
الحكومة: أحذية! وهل تعلم أن شركة البواط تخسر الملايين سنوياً؟
الشعب: معك حق يا سيدتي، سنلحق بركب التطور حفاةً.. ولكن أعطونا لباساً كي لا نعرى على الطريق!
الحكومة: وهل تعتقد أن شركة الألبسة شغّالة حتى اليوم؟ لقد بنى أجدادنا أمجادهم وهم يرتدون “الكلابيات”!
الشعب: المغفرة يا سيدتي، سنلحق ركبَ الحضارة بالشورتات!
الحكومة: أيها الشعب، إن ساحات الوغى تنتظرك كي تثبت نفسك في التاريخ!
الشعب: وهل سيذهب أبناء الحكومة معي إلى ساحات الوغى كي يثبتوا أنفسهم أيضاً يا سيدتي؟
الحكومة: هل جننت أيها الشعب؟ ومن أين سنأتي لك بحكومة جديدة في المستقبل إذا مات أبناؤنا في ساحات الوغى؟
الشعب: أستميحكِ عذراً يا سيدتي، فأنا أعاني من الحَوَل الاستراتيجي المزمن! ولكن، أعطونا ما يكفي من الخبز كي لا نجوع على الطريق!
الحكومة: وهل تعتقد أنه بالخبز وحده يحيا الإنسان؟
الشعب: معك حق يا سيدتي، ولكن أمّنوا لنا وقوداً لأن البرد ينخر العظام في ساحات الوغى!
الحكومة: ألم تسمع أن الفيول تسرب في البحر؟ اعتمد على حرارة الإيمان أيها الشعب.
الشعب: معك حق يا سيدتي، لكن أريد بعض الماء كي أرتوي وأعمل “دوشاً” قبل المواجهة التاريخية!
الحكومة: وهل نحن في رحلة استجمام حتى تستحم وترتوي؟ إن هذه اللحظات حاسمة فركّز وابقَ مستنفراً أيها الشعب.
الشعب: نعم يا سيدتي، إن هذا القرن حاسم ولابد أن نصبر حتى تمضي هذه المئة عامٍ بسلام!
الحكومة: يجب أن تثق بقدراتك وتعتز بنفسك أيها الشعب، فهذه التفاصيل لن تثنيك عن مهامك الجسام.
الشعب: سأعتز بنفسي يا سيدتي، لكن امنحيني عدة غرامات من الكرامة!
الحكومة: وهل تعتقد أن الدول الحديثة بنت أمجادها بالكرامة؟
الشعب: صحيح يا سيدتي، إن الكرامة تفصيل بسيط في كل ما يجري.
الحكومة: هيا أيها الشعب، لقد حانت المواجهة التاريخية، فاذهب وأرسل أنباء انتصاراتك إلينا عبر الموبايل!
الشعب: لكن شبكة الموبايل متوقفة والتغطية معدومة يا سيدتي بسبب الأعطال وغياب الكهرباء..
الحكومة: أرسل أنباء انتصاراتك عبر الحمام الزاجل يا أخي، فأنت تستطيع تدبّر أمرك مهما كانت الظروف!
الشعب الآن في المواجهة التاريخية…
عرفتوا كيف؟