بين خضوع الإيمان وضياع دوزان النظام
صوفي نادر
نشر عدد من الصحف والمجلات وبعض وسائل الإعلام صورا لمصلين ومؤمنين في مناسبة عيد الأضحى لهذا العام. وهي ليست المرة الأولى التي تغطى إعلاميا مناسبة دينية تخص أي من الطوائف والأديان، ومن المفترض أن تشعرنا هذه الصور برهبة الإيمان والتقوى الواضحة على وجوه المصلين. فنراهم في الكنائس والجوامع والإيمان واضح على محياهم، وقد بدا واضحاً من مقدار خشوعهم أنهم أهل للقيم والأخلاق، لا بل مرتع للتواضع والإخاء. والملفت للانتباه طريقة وقوفهم أو جلوسهم أو سجودهم وهم متراصون بنظام على أهبة من أمرهم يواجهون ربهم بعزمهم وإيمانهم، ويجددون خضوعهم للخالق المعبود..
بعد أن أمعنت النظر في الصور، تبادر إلى ذهني ثلاث مسائل هامة: الفضيحة والنظام والإيمان. ربما، ولبرهة، اعتقد القارئ أن لا علاقة بين هذه المسائل الثلاث، لكني أؤكد لكم أن العلاقة أكثر من وثيقة خاصة عند المؤمنين بالله.
أولا: الفضيحة هي نتاج تناقض حاصل بين قيم متعارف عليها أو قوانين منصوصة من جهة وبين ممارسة هذه القيم أو تطبيق هذه القوانين من جهة أخرى. ويفترض، لكي تكون هناك فضيحة، أن يقوم فرد أو مجموعة أفراد متضررين من ممارسات مخزية بالإعلان عنها على الملأ فتأخذ أبعادا كبيرة يصار من بعدها إلى الإصلاح وإعادة الممارسة والتطبيق إلى الصراط المستقيم.
في البدء، كانت الفضيحة نتيجة ممارسات منافية لما نصت عليه الأديان من قيم أصبحت فيما بعد مقدسة. إذا الفضائح والمقدسات أمران متناقضان لدى المعتقدات الدينية؛ وقد كانت حتى عصرنا الماضي أساسا للعديد من الانتفاضات الاجتماعية التي ما فتئت تصرخ بالويل عند أي اهتزاز لبنيان القيم المقدسة.
صحيح أن القيم الاجتماعية أخذت منحى آخرا مع النمو والتطور الذي رافق المجتمعات وذلك بفضل الثورات والحروب والتطور التكنولوجي وما هنالك من اختراعات واكتشافات، وهذا يتطلب فصلا كاملا من التحليل الاجتماعي. إنما ما يعنيني حاليا هو إصرار الكثير على الالتزام بالدين والمجاهرة بحب الله، مما يدفعني إلى الاعتقاد أن احترامهم للقيم الدينية هو ركيزة من ركائز وجودهم. لكني أفاجأ أن ما من مؤمن يصرخ « يا للفضيحة! ». إن كل ما يجري في كيانات امتنا من انحدار أخلاقي على كافة المستويات لا يستوقف المؤمن ولو لهنيهة ليرى التناقض بين القيم التي من المفترض أن يكون قد تبناها وبين انعدامها من أي ممارسة يومية. يتابع إيمانه بالله وحده وينسى أن الله هو تجريد abstraction للقيم فلا يرى العار الذي يلفّه وقد حذّره منه ربُّه.
ثانيا: يحتم الإيمان على المؤمنين الصلاة والتضرع لله.
يصلون يوميا لكي يغفر لهم ذنوبهم. أفهم من هذا أنهم يذنبون كل يوم فيطلبون السماح ثم يعاودون الكرة في الغد. واعتادوا أن يسامحهم ربهم وهو الرحيم الغفور.
يصلون خضوعا للخالق، قائلين له يوميا أنهم عبيد عنده. لكنهم تناسوا أن إيمانهم يقول إن كل إنسان على الأرض عبد لله، فلماذا يخضعون لعبد آخر ولا يقفون بوجه من استبد بهم وسلب حقهم.
لكنهم أكثر ما يفعلونه هو الطلب من الله أن يلبي لهم رغباتهم. أن يثريهم، أن يحقق أمنياتهم، أن يطيل عمرهم. ما تعب البشر يطلبون من خالقهم على مدى ألفين وثمانية عشر عاما، وما زالوا يعتقدون أن الله سيعمل بدلا عنهم، سيطيل عمرهم حتى ولو استفحل المرض بهم، أن يعطيهم ذرية من حيث لا يدرون. يا ليت جرب هؤلاء المؤمنون أن يصلوا لعقولهم لكي تستيقظ من غفوتها وتعمل على نجدتهم من مصيرهم، فاسألهم هل الإيمان يتنافى والوعي؟؟ هل الإيمان يتناقض مع العقل؟ ألم يحن الوقت بعد طول هذه المدة أن يغيروا وجهة صلاتهم لربما نفعتهم أكثر؟؟ أو ربما حان الوقت أن يعقلنوا صلواتهم فتكون أفعالاً وممارسات للقيم التي آمنوا بها؟
ثالثا: إن النظام الذي يتمتع به المؤمنون عند قيامهم للصلاة أمر مثير للدهشة. يقفون وقد التصقوا ببعضهم البعض، يسجدون على وتيرة واحدة، وكلمة آمين على دوزان مشترك. كنت أود لو تراصت صفوفهم ضد عدو أمتهم، لو انتفضوا على وتيرة واحدة ضد الاستبداد الاجتماعي الذي يعانون منه، ولو قالوا « لا » على دوزان مشترك.. لماذا يجرؤ المؤمنون على الخضوع بالنظام، على السجود بالنظام، ولا يجرؤون على الوقوف بالنظام والتعاضد بالنظام.
لماذا نسي مؤمنو أمتي ، حسب معتقدهم وإيمانهم، أنهم يعيشون في الأرض لكي يكسبوا السماء، وأن صلاتهم ليست ليعيثوا الفساد. لماذا نسي مؤمنو أمتي أن الله للجميع لكن أمتهم لهم وحدهم فمن يدافع عنها غيرهم. لما لا يوقظون عقولهم، فيصرخون متحدين « يا للفضيحة! »؟
إنها الشحاذة
التي جعلتهم شحاذين .
ن . م