الرسالات رُدّت إلينا بأبشع صورها!
قدر هذه الأمة، أن تبقى ضحية الثقافة التي زحفت إليها من الصحراء ومن خلف الجبال. فالأسئلة الكبرى التي حاول الإنسان المستقر أن يجيب عليها، تم لاحقاً نسبها للهيولي بسبب عدم القدرة على التحقق والبرهان. ومن المؤكد أن ذلك التنسيب قد قام لأسباب سلطوية، إما لتدعيم السلطة أو لصراع حدث بين أهلها.
من يقرأ الوصايا العشر مثلاً، لا بد أن يتوقف عند طبيعة العشيرة المستهدفة التي يراد لها أن تحمل مثلاً كانت لقرونٍ سائدة بين البشر. فمن يتابع عملية التنقيب يلاحظ أن بداية إصلاح اعوجاج ثقافة حاملي الوصايا، حصلت بنداء المحبة الذي قيل إنه سُمع في فلسطين. وليتم لاحقًا إجهاض المشروع، بإلصاقه بالهيولي مجددًا عندما تبنت الكنيسة العهد القديم بتفسيره للحياة والكون. محاولة إصلاح جديدة إثر نتائج مجمعي نيقيا وخلقدونيا، بما دُعي بالرسالة المحمدية في محاولة تصويب جديدة، والقول بأن تلك التفسيرات التوراتية لا تعدو كونها قصصًا “وقصصنا عليكم أحسن القصص” وبواسطتها تم جمع الأقوام حتى استقروا في الأندلس، لكن ما حدث بسبب تلك الرسالة من رفعة قوم وإذلال آخرين، تبعته عملية من نوع آخر لتمييع الأساس، فكانت الإصحاحات على خلافها، وجلها غير عربي ولا يتقن من قال بها اللغة التي أنزل بها القرآن الكريم.
رسالات ثلاث كانت القدر الذي رسم ملامح الأمة في تعاطيها مع العالم الخارجي، فنصف سكان الكرة الأرضية يتبنونها كإيمان حتى إن العملة الأكثر رواجًا في العالم تحمل الرمز العلوي الذي انبثق عنهم.
والملفت أن الذي حدث لاحقًا في الغرب بعد عصر التنوير، أن تلك الرسالات رُدّت الينا بأبشع صورها، من “الصهيويهودية” لغاية “الصهيوإسلامية” التي ظهرت بوادرها في تورا بورا وانتشرت لاحقًا عبر ما دعي بالربيع العربي، وما بينهما من مسيحية ماركنتيلية قادت استعمارًا وحشيًا على كامل الكرة الأرضية.
الأمة اليوم يتنازعها حاملو الرسالات الثلاث، وما تفرع عنها من مدارس فقهية، فالغرب يذكرنا عند كل محطة بثقافته المسيحية التي غزتنا في يوم من الأيام لضمان طريق الحجيج، كما زعموا إلى القدس، لكن اليوم مع كل معاناة القدس، لا يبدو أن تلك الثقافة تجد في الأمر غرابة، حيث من ينكل بالشعب بكل تلاوينه ويمنعه من الحياة الطبيعية، هو اللقيط الذي تبنته تلك الثقافة ووفرت له كل الظروف ليصبح وحشًا متفلتًا تعجز عن ردعه أو المونة عليه ليخفف من غلوائه. فقوانين معاداة السامية التي سنتها كافية للحؤول دون أي مراجعة، ويبدو أن الاسلام الصهيوني في طريقه لذات التوجه بحيث يتبنى مقولة “هل يسأل عن ذنوبهم المجرمون” أي أن لهم النار خالدين فيها. وترجمتها السياسية لهم الله فاذهب قاتل أنت وإياه إننا هنا قاعدون.
يبدو أننا نقاصص اليوم، بسبب تلك الرسالات التي صدرناها للعالمين، ليغدو العالم أكثر رحمة وتحاببًا، فتقوم تلك الأقوام بردها لنا بأبشع صورها. والغريب أن هناك من يقول إنه يحيطنا بعنايته، لكنه لم يجد لتاريخه الثقافة الجامعة التي تعيدنا إلى الصراط المستقيم كأمة هادية، رغم قبضه على مقاليد الحكم لأكثر من نصف قرن، وتبجحه المستدام بسعيه للوحدة.
على ما يبدو ان لوثة السلطة التي أنجز لها ميكافيللي دليلها المقيت، هي الكتاب المقدس، ليس فقط لحكام الغرب، بل لكل من اعتلى سدة حكمٍ على هذه البسيطة.