الأغبياء- محمد سعيد حماده
“صباح الخير أترابي وخلاّني وأصدقائي ورفقائي الأغبياء.
أعلم أنّكم استيقظتم فجأة لتجدوا أنفسكم، مثلي، غارقين في بحيرة آسنة من السذاجة والغباء، وقد رأيتم على شاطئها الدائريّ الرافلين بنِعَمِ الرماديّة التي كنتم تحتقرونها وتدبّجون عنها المقالات ونكات الاحتقار، وقد كنتم متطرّفين حدود التطرّف القصوى في الانحياز الوطنيّ “الغشيم”؛ فبينما كنتم تدفعون أبناءكم للموت من أجل الوطن وتزغرد نساؤكم مستقبلة توابيت أبنائهنّ وهنّ يرقصن دموعًا بعلم الوطن الذي كنتم تتغزّلون بنجمتيه الخضراوين كلّما تقدّم رفقاؤهم على جبهة، كان غيركم من “الهسّ نسّ” الذين “يُطبّشون” على أكتافكم مباركة وتشجيعًا ومن الصامتين المقتّرين الممسكين أصواتهم المراقبين اتجاه الغَلَبة على الأرض لينفجروا بأصواتهم صراخًا يطغى على بحّاتكم التي أكلتها الدموع وهتافات التحدّي، فتبدون هامشيين ويأخذون سهم السبق في أنّهم المضحّون الوحيدون المستحقّون أوسمة النصر، كانوا يجمعون ما تيسّر سمسرة وتجارة وأموالاً توصلهم إلى ما لم تحلموا به يومًا.
خلاّني الأغبياء الذين رفضتم كلّ مغريات الخيانة وفضّلتم الانحياز “الأرعن” للوطن، وقد وجدتم أنفسكم في هذه البحيرة الآسنة من العوز والجور والخوف ليس من المستقبل بل من ساعة قادمة تحمل مرض عزيز لا تستطيعون فعل شيء لإنقاذه وليس لديكم شيئًا لتقدّموه، وها أنتم الآن في حالة من الذهول المقترنة بسخط غريب يذهلكم أنتم قبل غيركم، وأنتم تنظرون إلى الرساميل الهائلة التي تاجرت بكم وبأرواح أبنائكم ونمت على شواطئ سواقيها وتتحكّم بكِسَر خبزكم ودوائكم ومعاشكم ومعاشاتكم، ولها الحظوة عند أولي الأمر، لدرجة أنّكم إذا قدّمتم فكرة إضافيّة أو ابنًا جديدًا لتضحّوا به فلن يُقبل إلاّ عن طريق من احتقرتموهم واتّهمتموهم بالجبن والخيانة المؤجّلة وقد كانوا ينتظرون مؤشّر الغَلَبة.
أصدقائي ومواطنيّ الأغبياء الذين تتفاوت درجة الغباء بيني وبينكم، صعودًا ونزولاً، وأنتم ترون بأمّهات أعينكم وحدقات كراماتكم المهدورة كيف يكون الذكاء والشطارة وما هي فضائل الانتهازيّة والرماديّة والوصوليّة والجبن التي توصل أصحابها إلى القمم، وقد أصبحتم عُرضة للحسنات والتبرّعات والصدقات التي لم تعودوا كما كنتم ترفضونها وتخجلون منها بل تتقبّلونها برضًى وتسليم وحمد لله. لا تحزنوا ولا تهِنوا ولا تقارنوا أنفسكم بضباع سمّتها لغتكم “حيوانات قمّامة” لأنّها تتبع الجِيَف والقمامة، فلعلّ القائد الذي وضعتم ثقتكم وأملكم وأحلامكم ومستقبلكم ووطنكم أمانة في يديه يلتفت إليكم لفتة ابن أو أخ أو أب أو رفيق سلاح مخلص، كما عهدناه، لا يترك رفيق سلاحه جريحًا ينزف في أرض المعركة، فهو أملنا الوحيد في أن يتوقّف النزف الذي تتسابق الضباع المعروفة برائحتها الكريهة أمس واليوم وستظلّ كريهة لأنّها قُمامة لأن تزيده تدفّقًا حتّى الموت، وهي تفكّر بكيفيّة استغلال قوانين العقوبات الجديدة لتثري وتضخّم من ترساناتها، وأنا وأنتم نهتف ضدّها أنّنا سنأكل العشب ولن نموت متحدّين الأعداء وحروبهم.
صبرًا جميلاً أيّها الأغبياء أقرباء روحي، فما زال لنا أمل مقرون بالله والقائد.. وكل ما هو ومن هو دونهما، ولم يبرهن على قربه منهما، منحطّ وضبع قمّام وحاوية لنا أمل بإزالتها من زوايا حاراتنا التي تعبق بالعزّ والكرامة والشرف.“