أبطال هذا الزمان – شذرات غاضبة – نجيب نصير
حدثان حصلا في الأيام القليلة الماضية، في فلسطين المحتلة، الحدثان عاديان، لا يجدر أن يتفاجأ أحد بهما، الأول هو تفجير إنتحاري إسلاموي في حاجز حمساوي أدى الى مقتل رجال شرطة من حركة حماس، والثاني هو إستشهاد صبية فلسطينية على يد جميع أفراد عائلتها، الأهمية هنا تكمن في المفارقة التي صدمت الجميع، خصوصاً بعض وسائل الإعلام، ووسائط التواصل “الاجتماعي”، التي أطنبت في الشرح والتحليل، دون أن تقارب عادية الحدثين، معتبرة ضمناً أنهما استثناء، خارج قواعد الحقيقة الحقيقية!، التي ما أن تظهر حتى تختفي هكذا حوادث من تلقاء نفسها.
أقول حدثان عاديان تماماً من آلاف الحوادث “العادية” تماماً، نفهمهما ببساطة إذا أردنا، إن كان من متلازمة، سبب/نتيجة، أو إناء/ينضح.
إذ ماذا نتوقع؟ من أداء الحركات السياسية التدينية غير هذا، وماذا نتوقع من عائلة محافظة أن تتصرف حيال ثلم شرفها علانية؟.
لقد كتب الكثير عن الحادثين العابريتن، وتم التركيز على الثانية لما لها من وقع فضائحي إجتماعي، وانطلقت أقلام وحناجر وبوستات التنويريين ومن حولهم، بالإدانة والشجب، لا بل بالمطالبة بقوانين تجرّم هذا الفعل الشائن وإلخ، ولكنها ـأي هذه الأصوات ـ لم تربط بين هذين الحادثين تأكيداً على عاديتهما، خصوصاً وأن الحادثين مربوطين تماماً بمقاومة الإحتلال!، فالعبور إلى صفة مقاوم يجب أن تعبر حكماً من بوابة حماية المقدس، والشرف واحد من مقومات هذا المقدس.
إسراء غريب، لم تقتل غدراً، بل ضرباً وتنكيلاً، بأحطّ ما يمكن للبشرية ممارسته كأداء جرمي، وقُتلت جماعياً من قبل واصلي الرحم، وقُتلت علانية أمام الجميع ولم يتدخل أحد، وقُتلت حكومياً بالأوراق والمعاملات، في تبريد سريع لقلق إجتماعي، قد يحصل نتيجة قتل مجرد فتاة عاصية، تناولت القهوة مع حبيبها في مقهىً عام.
إنهما حادثتي قتل ثقافيتين بإمتياز، والمقصود هنا بالثقافة هي المعلومات والمعارف العامة التي تقف وراء السلوك البشري، الفردي والجماعي وتتسبب به. فديموقراطياً..! يجب الرضوخ لهذه الثقافة، فهي ثقافة الأكثرية والعموم، ولو حكّمنا صناديق الإقتراع، لنجحت هذه الثقافة بفارق هائل من الأصوات، لتتسيّد على أفعالنا وسلوكنا، كتكنولوجية حقوقية تستحق الممارسة.
نعم هذه هي صورتنا الحقيقية، التي نظهر بها في المناسبات الفاخرة، نعم نحن من نقتل بناتنا، لمجرّد شرب القهوة مع ذكر في مكان عام، عبرة لمن يعتبر، نعم ونحن من نقتل أخوتنا في التديّن، عبرة لمن ينحرف عن التدين “الصحيح”، نعم نحن هؤلاء، كارهوا الحياة والحب والإيمان والخير والحق، ولا مجال للإختباء وراء الأصبع، واتهام الإستشراق والإستغراب بالتسبب بعارنا وعفونتنا.
في الحادثة الأولى ينتحر شابين ليقتلا ثلاثة، وفي الحادثة الثانية، يشكّل حكم الإدانة وساماً للقاتل، ما يعني أننا أمام إنتفاء لقيمة الردع، على أية صورة جاء، ليتماهى القاتل والقتيل في إحتكامهما إلى الله، مع أن القتل حادثة فيزيائية، ويبقى القتل أرضياً دنيوياً بلا عزاء.
تفاصيل همجية اكتنفت حكاية مقتل إسراء، جميعها تعبّر عن ثقافتنا، وتستثير سلوكنا، ثقافة تسيطر على الحيّز المعرفي، في عقولنا، ونفسيتنا، وأعصابنا، إذ كيف علينا أن ننظر إلى الواقعة التي شارك بها العديد من أفراد أسرتها، على مدى عدة أيام، ضرباً ولكماً وترفيساً (قارن مع مآلات الموت تحت التعذيب العربية)، علانية وأمام عيون السلطات والأفراد، مشيرين بإبهامنا إلى الأسفل، وكأننا أمام مجالدة بدائية، ليس فيها دراما، فالنهاية محسومة لصالح الحق، الذي سوف يستمر في عدائه للصواب، حتى يقضي على أي أمل لنا في التقدم والإرتقاء.
خصومة الحق مع الصواب في بلادنا، خصومة لم نتمكن من الإستغناء عنها، على الرغم من تسببها لجميع الكوارث المفجعة، والتي على الرغم من تكرارها السقيم، لم يتم وضع الأصبع على الجرح، فلا أحد يجرؤ على مقاربة الموضوع، إلا من باب الإدانة، والإسنتجاد بالردع الحكومي المهلهل ثقافياً وحقوقياً، ولكن لا أحد يريد مصارحتنا أن هناك دائما مادة أولى في أي دستور تقول أن المواطنين سواسية، بغض النظر عن اللون والعرق واللغة والدين والجنس، وعلى هذه المادة مترتبات ومقتضيات، والخروج عن هذه المادة ومقتضياتها، يعتبر جرماً تتم المحاسبة عليه، وبما أن الدستور، أيّ دستور، يحتاج لمن يمارسه ويتربى عليه ويخضع له حتى يصبح دستوراً، فإن البلدان التي تخترق دساتيرها ليست أوطاناً، وهوياتها الثقافية محض أفك، ولا تتحلّى بأي نوع من أنواع التقاليد والأعراف المشرّفة، وأن أداءها الاجتماعي هو أداء صفري لا يعول عليه، حيث تبدو فاقدة للحق في كل شيء، لأنها في حقيقتها لا تحتكم في أداءها هذا إلى معايير معترف بها، ولا تجرؤ على سن دستور بمعاييرها الحقيقية هي، فمن يتحلى بالشجاعة ويعترف أن المواطنون ليسوا سواسية ويثبتها بالدستور، تعبيراً عن صلاحية ثقافته للدسترة، كونها هي من تمارس فعلياً وعلى أرض الواقع، ومنتجاتها مفيدة في الإرتقاء والإستمرار!، فليتجرأ أحدم ويقدم إقتراحاً لإحصاء سكاني يعتمد على DNA، لنرى ما إذا كان ثمة فارقاً بين ابن الحلال عن ابن الحرام في هذا التجمع السكاني أو ذاك، عدا عن إفصاح هذا الإحصاء فضائح بدائية كبرى، ولنرى من بعده هذا الشرف الرفيع الذي يراق على جوانبه القيح.
ليكن معلوماً لرجال هذا الشرف، ونسائه، أن عالمنا العربي، هو من أكثر بقاع الأرض تحرراً جنسياً، ولكن بسريّة تآمرية بين سكانه، تحرّر لا يؤثر فيه الإحتشام، أو التربية التخويفية المغلقة، وكلنا نعرف ذلك ومتآمرون على سرّانيته، خائفون من أن نكون أحد ضحاياه، مع أننا مشاركون فيه فعلاً، لا قولاً ولا تعفّفاً، واليوم مع ظاهرة الهجرة واللجوء، هناك إمكانيات باهرة لرصد هذا الموضوع والبحث فيه، إذ من المستحيل وجود تجمّع سكني معدوم الرغبة الجنسية وحوادثها وحكاياها، أو تجمّع منظّم على قانون كل شيء ممنوع، كما ندّعي نحن. وهنا أريد أن أطمئن هؤلاء أن حياة الناس الجنسية السريّة ونصف العلنية، جارية على قدم وساق، غير آبهة بمعلقاتكم التخرّفية، ولا بأوهامكم التناسلية، وهذا ما تثبته إحصائيات محرّكات البحث الأنترنتية، عن عدد متابعي المواد الإباحية بين ظهرانينا، وفي كل الأحوال، فليكن معلوماً أن جميع النساء اللواتي يشاركن الرجال هذه الحياة السرية، ونصف العلنية، هن أخواتنا وبناتنا وزوجاتنا وأمهاتنا جميعاً، ولا يخطرن على بال أحد أن بعضنا، وإذا كان من الصعب إثبات الحال إحصائياً في هذا النوع من الحياة الجنسية، فإن الوهم جاهز ليحلّ محلّ الحقيقة في كل وقت.
لقد صنعت لنا ثقافتنا هذه، عالماً وهمياً لنعيش فيه، (الدراما التلفزيونية مثالاً)، عالماً من إحتشام وعفّة إفتراضيين، لا يتّسقان مع واقع وحقائق الجسد الإنساني وتصوراته النفسية والعصبية عن نفسه، عالم لا يعترف واقعياً بالعامل الجنسي، وربطته بمنظومة الحقوق الإستنسابية، التي تلغي بعضها البعض، فحق ممارسة الجنس للبالغ الراشد بالإرادة والتراضي، تمنحه المادة التي تتكلم عن سواسية المواطنين، من أي جنس ولغة ولون ودين، وتلغيه مادة أخرى، إن كان عن طريق عدم إشراك المرأة في “السواسية”، أو عن طريق إتهامها بالأغواء والتعهّر والتزاني، فإذا كانت السواسية ضرورة في الواقع الفعلي العملي لقيام دولة، فإن إحالتها بواسطة الفخر إلى العالم الوهمي، يجعل منها دولة وهمية تفتخر بمنتجها الوحيد، التخلف.
فمن أين للمحتلين الصهاينة، أن يحظوا بهكذا عدو ظريف؟!، فالمشكلة هنا، هي عدم مقدرتنا على إعتبار ما حصل في الحادثتين درساً لنا نستفيد منه، فالحادثين أعتبرا رمزاً للشهامة والرجولة والإيمان والإخلاص، ولسوف تردّ حماس على الإنتحاريين، بإنتحاريين أشد إنتحاراً حفاظاً على الهيبة والمفاخر، ولسوف يعتبر قتلة إسراء غريب أبطالاً سيقتدي بهم الكثيرون، حفاظاً على الإحتشام والعفّة الوهميين حتماً، وهكذا نحافظ على سلامة الأسرة، ونقاء النسل، وإستقرار النفوس، بواسطة القتل الرحيم.
ملحق بطولي:
وقف الشاب السوري أمام الكاميرات في برنامج حواري في محطة أجنبية، وهو يرتدي أحدث موضات السبور، وكانت الحلقة تناقش موضوع المساكنة بين رجل وأمرأة، فسأله المذيع:
ـ هل تسمح لإبنك بالمساكنة مستقبلاً حينما يكبر؟
فردّ الشاب السوري:
ـ بمصع رقبتو (أي أفك رقبته أي أقتله)
وسأله المذيع ثانية:
ـ لربما سمح القانون السوري بالمساكنة وقتها؟
فأجاب الشاب:
ـ ساعتها سوف أستغني عن الجنسية السورية . !!!.