استرداد المال العام
Share
في افتتاحية العدد الماضي من الفينيق، وضعنا تصورا لمواجهة الفساد يبدأ من نقطتين متقابلتين هما: أعمدة الفساد، والوجدان القومي الناتج عن وعي الشخصية الاجتماعية. وقد حددنا أعمدة الفساد في السياسية والأمن والقضاء والمال، والمواطن الصامت. أما الوجدان القومي فهو الشرط الضروري الذي تُبنى عليه نفسية المواطنة الحقة القادرة على مواجهة مغريات الفساد. من هاتين النقطتين، سوف نتابع بحثنا وصولا إلى نقطة تقاطع، يقرر فيها المواطن الحر مواجهة الفساد، انطلاقا من شخصيته الاجتماعية ووجدانه القومي، أو يقرر الانتحار البطيء له ولأولاده.
ولكن، وقبل المتابعة، لا بد ان ننوه ان ظاهرة الفساد اليوم هي ظاهرة عالمية يكاد لا ينجو منها بلد. وحتى مؤسسة الشفافية الدولية، Transparency International التي تنشر سنويا ما يعرف بـ مؤشر الانطباع عن الفساد Corruption Perception Index لا تنجو من الضغوطات المؤدية الى شكل من الفساد أو آخر. ففي سنة 2017 خسرت جمعية الشفافية الأميركية عضويتها في هذه المؤسسة بسبب كونها واجهة لمؤسسات مالية واقتصادية كبرى تحاول حماية نفسها من الفساد. ناهيك ان المؤسسة الأم تعرضت لفضيحة بسبب قبولها لهبات مالية من مؤسسات كبرى مثل Siemens.
ونضيف، انه فيما نرى من المؤشر ان دول الشمال هي الأقل فسادا مقارنة بدول الجنوب فإن هذا الانطباع ليس دقيقا. بل يكفي النظر إلى أكبر فضيحة مالية في التاريخ المعاصر، فضيحة انهيار أسواق المال سنة 2008 للتأكيد على هذه الحقيقة. فهذه السرقة في وضح النهار والتي بدأت في الولايات المتحدة الأميركية وعمّت العالم كله، وتسببت بخسارة ملايين العائلات لمنازلهم ومصادر رزقهم، وإفقارهم، لم يحاسب أحد بسببها.
ونحن إذ نتقدم من دراسة هذه المعضلة الاجتماعية والدولية نفعل ذلك بهدوء وروية. ونقول إنه ما لم يتحقق الشرط الثاني، أي أخذ المواطن بمبدأ الشخصية الاجتماعية، وأهم ركائزها “أن يود الخير لابن مجتمعه كما يوده لنفسه”، فعبث محاولة محاربة الفساد. ذلك أننا من دون هذه النظرة، نبقى مشاريع فساد صغيرة تنتظر الفرصة المواتية للانضمام إلى نادي الفساد.
إذا محاربة الفساد تبدأ من الذات، من رفض الانسان للسرقة والرشوة والكذب والاعتداء على المال العام او الأملاك العامة او إهمال مقومات النظافة أو الصحة او البيئة. إنها تبدأ من عدم رمي الزبالة من نافذة المنزل او السيارة، إلى عدم تلويث مياه الأنهار سواء أكان هناك رقيب أم لم يكن.
نقول تبدأ من الذات ولكنها لا تنتهي هناك. فليس كل الناس ملائكة أطهارا، والفساد قد عمّ وأصبح ثقافة متوارثة. ولكن، هل ننتظر أن تعم تلك النظرة المثالية عن الوجدان القومي نفوس الناس قبل ان نبدأ بمحاربة الفساد؟ طبعا لا. فالإنسان حرٌ في اختيار نظرته الى الحياة. نحن نقول إن تلك النظرة توفر علينا الكثير، ولكن لا يمكن فرضها بالقوة بل بالإقناع. إلى ذلك الحين، ما الذي يمكن لنا فعله؟
رب قائل، نفضحهم! نفضح الفاسدين؟ في رأينا هذا لا يكفي، على أهميته. إنهم يتباهون بالفساد حتى فيما يفضحون بعضهم بعضا ومنذ زمن طويل. تكفي نظرة سريعة على عناوين مقالات كتاب “قبل وبعد – رؤساء لبنان كما عرفتهم”، لإسكندر رياشي، لندرك المغزى: “عندما اشترى عمال فرنسا لبنان للفرنسيين”، “المال ضعف الرجال ولو كانوا أغنياء”، “قبضوا… وقبضنا … وقبضايات”، “بيوت من زجاج تتراشق بالحجارة”، و”يوم فتح الفرنسيون صناديق الذهب.” هذه العناوين وفيها وصف للفساد في لبنان منذ أيام الانتداب الأولى وحتى نهاية عهد كميل شمعون، لم تؤدِّ إلى وقف الفساد. بل ربما انها ساهمت في خلق الانطباع القائل، “لبنان هيك، إنه عصي على التغيير.” ثم أن الفساد لا ينحصر في لبنان. إنه ظاهرة عامة تضرب بلادنا من شرقها إلى غربها، ومن الشمال حتى أقصى الجنوب.
ما ينفع، في رأينا المتواضع، هو جمع القوى المناهضة للفساد في تكتل يضع الخطط المناسبة لتحقيق الغاية العامة التالية: استرداد المال العام المنهوب من قبل الفاسدين. تحت هذه الغاية ينطوي عدد من الأهداف والخطوات العملية من فضح الفاسدين وكشف مراكز تخبئة ثرواتهم وإيجاد الأليات القانونية لاسترداد هذه الثروات ومعاقبة الفاسدين.
(المشهد أعلاه هو من حفل زفاف نجل غازي العريضي)
إن مجلة الفينيق تمد اليد لكل من يود المساهمة في هذا الجهد الكبير وتتمنى منهم الاتصال على العنوان البريدي التالي للمتابعة. alfiniq.contact@gmail.com