الضبعُ يبني برجًا عاجيًّا!
Share
بنى الضبع برجاً عاجياً في الغابة وجلس في أعلاه. وعندما نظر إلى الحيوانات من ترّاسه المرتفع، رآهم مثل البرغش، واستغرب كيف كان يهرب من النمور ويخشى الفيلة ويعمل حساباً للدببة، وهم ضئيلون إلى هذه الدرجة!
قال الضبع في نفسه: سأبني طوابق إضافيةً كي أكشف الغابة أكثر وتظهر الحيوانات وضيعةً أمام ناظري إلى أقصى درجة!
مع كل طابق، كانت الخسّة تكبر في رأس الضبع، فصار يصرخ بالحيوانات من رأس البرج ويشير عليهم بحسن التصرف والالتزام بالقيم الحيوانية فيما بينهم. نادى على الفيل ألا يطأ الأرض بقوة كي لا يستحق النمل. وعلى الفهد أن يكون رحيماً أثناء الافتراس. طلب من النسور أن تنظف الغابة من الجيف. ومن الثعالب أن تتخلى عن المكر والدهاء وتتحلى بالطيبة. وكلما بنى طابقاً، ارتفعت حدة صوته وراح يوبّخ الحيوانات واصفاً إياهم بالغباء وقيلة الحيلة!
مع الوقت، صار الضبع يصرخ ويلقي الخطابات السياسية معتقداً أنه زعيم الأحراش، كما استخدم مايكرفوناً وسماعات ضخمة، فأصبح صوته يصل قوياً إلى جميع الأرجاء. تحدث الضبع عن مستقبل الغابة والخطط الاستراتيجية التي يجب اتباعها للحفاظ على الموارد. وكثيراً ما كانت تنتابه نوبة الخطابات أثناء قيلولة الحيوانات، فيقضّ مضجعهم بجعيره المستمر ويحرمهم الراحة. وعندما يقرصه الجوع، كان ينتظر حتى يحلّ الليل، فينزل من برجه العاجي بحثاً عن الجيف والفطائس ليلتهمها، ثم يهرع عائداً إلى أعلى البرج!
طلب الضبع من الحيوانات أن تخدمه، كي يتفرغ لعمله اليومي في دراسة الوضع المحلي والاقليمي والعلاقة مع الغابات المجاورة. وأحياناً كانت تجتاحه رغبة في الغناء، فيصدح بالمواويل والعتابا حارماً جميع الكائنات من النوم!
تفاقمت حالة الضبع، وبدأ يتدخل في حياة الحيوانات العائلية ويراقبهم كاشفاً أسرارهم الخاصة. ومع ارتفاع طوابق البرج، ظن الضبع أنه قديس مقرب من الإله، فارتدى لباساً غريباً وراح يطلق الفتاوى ويبشر بعض الحيوانات بالجنة ويهدد بعضهم بكتابة أسمائهم في قوائم النار!
طفح الكيل عند الحيوانات التي لم تعد تعرف الليل من النهار، بسبب الصراخ والأغنيات الحماسية السياسية والدينية التي كان يبثها الضبع عبر مكبرات الصوت. فتجمعت الفيلة والنمور والفهود والدببة أمام البرج طالبة من الضبع التوقف عن الجعير والنزول إلى تحت. لكن بلا فائدة، فقد كان يزداد صراخاً وهستيريا، ووصل به الحد إلى السخرية من المتجمعين متهماً إياهم بالضلال عن الطريق القويم!
قررت الحيوانات أن تضع حداً نهائياً لهذه المهزلة، وبينما كان الضبع يمعن في الصراخ عبر مكبرات الصوت، طالباً الهداية للقطعان من السماء، ومحذراً من مخالفة التعاليم، تهاوى البرج أمام أقدام الفيلة وبراثن النمور ومخالب الدببة، وكان الضبع يفرّ إلى الوكر.. عرفتوا كيف؟