جرائم هزّت الوجدان.. تقرع ناقوس الخطر
Share
هزّ اختطاف وقتل الطفلة “جوى” في مدينة حمص وجدان السوريين، خاصة بعد الاعترافات المتلفزة التي ظهر فيها المجرم وهو يعترف بجريمته بالتفاصيل “المملة”، الأمر الذي أعاد للأذهان مقتل عائلة بكاملها العام الماضي في “بيت سحم” بريف دمشق بدافع السرقة. وإذا أضفنا حالات الانتحار المرتفعة إلى جانب عمليات السرقة التي تتم بحق المنازل والسيارات المركونة، يمكن أن نستنتج المخاطر التي تحدق بالمجتمع السوري غير المعتاد على هذا النوع من الجرائم.
في وقت سابق، كشف المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي الدكتور زاهر حجو أنه تم تسجيل 45 حالة انتحار حتى شهر نيسان من العام الحالي، منهم 37 من الذكور و8 من الإناث، مشيراً إلى أن أكثر الحالات المسجلة لأشخاص أعمارهم ما بين 40 و50 عاماً والتي بلغت ثماني حالات. ولفت حجو أن أكبر عمر من بين المنتحرين هو 73 سنة في حين أصغر عمر هو 13 سنة. وأشار إلى أنه تم تسجيل 27 حالة من المنتحرين من خلال الشنق في حين تم تسجيل 13 حالة عبر الطلق الناري و3 سقوط من علو شاهق وحالتين عبر استخدام السمّ.
لا يوجد أرقام رسمية لمعدل الجرائم، لكن ما يصل منها إلى وسائل الإعلام يؤكد ارتفاع معدل الجريمة خاصة تجاه الأطفال الذين يتعرضون للخطف والاغتصاب أو المطالبة بفدية مالية مقابل إطلاق سراحهم. كان من اللافت قيام الأهالي حرق بيت المجرم قاتل الطفلة “جوى” في حمص، وهو يؤشر إلى حجم القلق والغضب الذي انتاب الناس. وكان من الغريب أن يدلي المجرم باعترافات مفصلة نشرها التلفزيون وهي في أقل توصيف غير إنسانية وكان بالإمكان الاستغناء عن بثها لوسائل الإعلام.
لا يمكن فصل معدل الجريمة عن معدل دخل الفرد، وموجات الغلاء المتتالية والتي كان آخرها ارتفاع البنزين تقريباً بمقدار 140%، وتبعاً لتقارير الأمم المتحدة فإن أكثر من تسعين بالمئة من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، ولا يتعدى متوسط دخل الفرد ثلاثين دولاراً في الشهر.
تكاليف التعليم أصبحت مرتفعة وقد شهد هذا العام رفع أسعار الكتب المدرسية إلى مستويات غير مسبوقة، بالإضافة إلى غلاء تكاليف المدارس الخاصة بشكل خيالي ومعها الجامعات التي باتت تكلفتها أكثر من عشرة ملايين في السنة. الوضع الاقتصادي لاشك له أثره في ارتفاع معدلات الجريمة. فمعظم الجرائم تتم بهدف السرقة، والقسم الثاني بهدف الاغتصاب، وهو ما يشير إلى مشكلة اقتصادية وأخلاقية في آن معاً.
كثرة الجرائم خاصة ضد الأطفال، سترفع مستوى احتياطات الأهالي من أجل حماية أبنائهم، خاصة من ناحية اللعب في الحدائق والذهاب إلى المدرسة أو النزول إلى السوبرماركت. لكن ضبط الأمور بهذا الشكل يعتبر صعباً جداً لأن ذلك يرتبط بالمستوى المادي والتكاليف التي تترتب على الأهل إذا أرادوا توفير عوامل الأمان مثل باص النقل إلى المدرسة ومرافقتهم أثناء التنزه أو اللعب في الحارة والحديقة. ومثلما تسبب عمليات سرقة عجلات السيارات أو بطارياتها في مرحلة سابقة بلجوء البعض إلى فك العجلات أو ربطها بالجنازير وحمل البطارية إلى المنزل، فإن إبقاء الأطفال في المنازل هو السلوك المتوقع في هذه المرحلة ريثما تنجلي الأمور وتعود بوادر الأمان.
القضية متشعبة ولها تداعياتها التربوية والاقتصادية والأخلاقية، لكن الإعلام بقي مقصراً في كل هذا، فرغم أن رئيس الطب الشرعي في حمص استقال نتيجة خطأ في التقرير الذي تم رفعه بعد معاينة جثة الطفلة “جوى” إلا أن خطأ نشر فيديو اعترافات القاتل لم يسفر عن أية استقالات رغم الاحتجاجات الكبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الناس الذين رأوا أن بث حديث القاتل عن كيفية اغتصاب الطفلة لم يكن عملاً انسانياً أبداً.
بناء على مبادئ علم الاجتماع، يعتبر انتشار الجريمة أمراً طبيعياً أثناء الحروب والفقر المدقع والحصار وغير ذلك، حيث من المتوقع أن يتردى كل شيء مع موجات النزوح والتبدل الديموغرافي والخوف الذي عصف بالقرى والبلدات التي كانت على خطوط التماس. ويضاف إلى هذا موضوع انتشار المخدرات وتفاقم ظاهرة الأطفال المشردين المدمنين على تعاطي “لاصق الشعلة” ضمن أكياس النايلون، وغير ذلك من المظاهر التي لا تبشر بالخير على المدى المنظور.