مات أبي.. وعبد الحميد السرّاج مازال حيًّا!
Share
مات أبي، وهو يعتقد أن عبد الحميد السراج مازال حيًّا.
في المرحلة الابتدائية، اتهمني المعلّم باغتيال عدنان المالكي!
وفي الاعدادية، قالوا إنني نازيّ وفاشيّ
في الثانوية عرضوا على الطلاب وثائق تثبت عمالتي “لإسرائيل”.
في الاجتماعات الصباحية،
أجبروني على تحية الأمة العربية
ثم غيروا اسم سوريا وحولوا ذراعها الممدودة إلى تاء مربوطة
كانت الحرية تنبض في رأسي،
وأحياناً تنبت من جمجمتي على شكل شجرة
تحطُّ عليها العصافير.
في المظاهرات، كانوا يميزونني من تلك الشجرة، ويحاولون تقليم أغصانها
وكنت أهرع للبيت كي أطبع على الجدران شعارات الثورة
فتسرع أمي لمسحها وهي تصرخ: أبوك قال إن السراج مازال حيًّا!
ولدتُ بعد الثورة الثانية بثمانية أعوام
في الخمسينيات وضعوني في سجن المزة
وحاولوا قطع شجرة رأسي السرية،
بفأس مخابرات المكتب الثاني.
كانوا يخافون أن تتحول الشجرة إلى غابة!
هربت إلى بيروت، في بداية الستينيات،
فوضعوني في سجن الرمل
الشجرة عادت تتبرعم من جديد
لكن المدافع لم تطلق النار على القصر الجمهوري
فغيرت أوتيل الرمل إلى زنزانةٍ في سجن القلعة
كبرت شجرتي خلف القضبان
وعندما أطلق سراحي،
قلّم الحراس الأغصان ثم وضعوها في كيس
وقالوا: خذ بقايا غابتك إلى الشام ولا ترجع.
عند الحدود، كانت الشرطة العسكرية
تفرض ترداد شعار الأمة العربية على ركاب البوسطات.
الشرطة شكّت بأمر الشجرة،
حاولوا اجتثاثها من الجذور لكنهم فشلوا، فقطعوها
وأجبروني أن أضع غطاءً على رأسي
حتى لا تنتقل عدوى نمو الأشجار إلى رؤوس المواطنين
اليوم أربّي البراعم بعيدًا عن الأعين
وصوت أمي يلاحقني: السرّاج مازال حيًّا!
ممتازة وصف جميل لحالة الشام
هل ياترى تغيرت ولو بالقليل ؟
الجهل لا يفرخ الا جهلا
لن ننسى جرائمهم و لا بدّ أن يأتي يوماً يموتون فيه الى الأبد لأننا ما زلنا نتذكّر أباءنا و رفقاءنا و زعيمنا و كلّ من ظُلم منّا.