الحرب الأوكرانية تعيد الجولان المحتل إلى الواجهة
Share
تغريدة صغيرة على تويتر، كان من شأنها أن تشرح إلى أين يمكن أن يذهب الدب الروسي في حرب أوكرانيا. فقد كتب الوفد الروسي في الأمم المتحدة عبارة صغيرة تقول إن موسكو لا تعترف بضم “إسرائيل” لمرتفعات الجولان، لأن هذه الأرض سورية، الأمر الذي أثار جملة مخاوف نشرتها الصحف الإسرائيلية خلال الأيام الماضية تقول إن “إسرائيل” في موقف لا تحسد عليه، وعليها أن تكون حذرة في تعاملها مع هذه الحرب الحساسة التي لن تقبل بالمواقف الرمادية على ما يبدو. التغريدة جاءت ردًا على تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي الذي أعلن وقوف “إسرائيل” إلى جانب أوكرانيا والولايات المتحدة والغرب في هذه الحرب، بل إن الأخبار التي رشحت من المصادر العالمية تقول إن أوكرانيا طلبت مساعدة الطيران الإسرائيلي لصد الهجمات الجوية التي تتعرض لها كييف من الطيران الروسي القوي والمزود بصواريخ استراتيجية دقيقة.
لقد سبق “للفينيق” أن نشرت في عددها الماضي، مقالاً بعنوان “انعكاسات الأزمة الأوكرانية في سورية” وذلك قبل نشوب الحرب، وقد ناقشت فيه الانعكاسات المحتملة على المسألة السورية، خاصة أن هناك طرفين متورطين في الحرب على سورية ولهما مصالح وارتباطات بالحرب الأوكرانية، هما تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، و”إسرائيل” الربيبة الأميركية التي لا يمكنها التخلي عن واشنطن في سبيل الحصول على كسب الروس.
بالفعل، لم تكن زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دمشق قبل أيام من الحرب، بهدف متابعة المناورات التي تجريها موسكو في البحر المتوسط، خاصة أنها ترافقت من وصول قاذفات استراتيجية مزودة بصواريخ فرط صوتية مداها أكثر من ألفي كيلومتر أي يمكن الوصول إلى معظم دول أوربا انطلاقًا من سوريا. فالدور التركي والإسرائيلي في الحرب الأوكرانية كان موضوعًا في أجندات الروس، وهم يدركون جيدًا إلى أين يمكن أن يذهب الدعم الإسرائيلي لأوكرانيا عبر المعدات وعبر سلاح الطائرات، أما بالنسبة إلى تركيا، فروسيا تدرك أن الدعم العسكري الذي يقدم عبر الغرب إلى أوكرانيا، يمر بجزء كبير منه عبر تركيا، حيث قامت القوات الروسية بإسقاط عدد من المسيرات التركية أثناء بدء المعارك في الأراضي الأوكرانية، لكن الأمر الأهم الذي توليه موسكو الأهمية القصوى هو حرية العبور من مضيق البوسفور والدردنيل من أجل تحرك أسطولها الحربي وهو أمر في يد تركيا التي يمكن أن تغلق هذين المضيقين الهامين بإيعاز من الغرب.
لقد حسم الرئيس بوتين الأمر في خطاب الإعلان عن انطلاق العملية الحربية في أوكرانيا، فقد حذر أي طرف من التدخل في هذه الحرب لأنه سيلقى ردًا لن يتحمله ولا يتوقعه من روسيا. وكان التنفيذ على أرض الواقع واضحًا تجاه الكيان الإسرائيلي عبر إعلان الوفد الروسي عدم مشروعية ضم الجولان لأنه أرض سورية.
الانعكاسات الإيجابية للحرب الأوكرانية على الوضع السوري يمكن أن تكون حقيقية، فقد أشار الكثيرون إلى أنها سوف تسرع في معركة تحرير إدلب من الوجود التركي، كما ستؤدي إلى انتقام روسي من الولايات المتحدة التي تملك قواعد على الأراضي السورية في التنف والحسكة. أما بالنسبة لإسرائيل فإن حرية الحركة الجوية وقصف المواقع داخل الأراضي السورية، لن تكون متاحة كما في السابق. فموسكو التي تخوض معركة كسر عضم، لن تتردد في الرد والانتقام من كل طرف يمكن أن يؤذيها في الحرب الأوكرانية حتى ولو كان ذلك عن طريق التصريحات الإعلامية والمواقف السياسية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما.
مجلس الوزراء السوري، اجتمع لمناقشة انعكاس الحرب الأوكرانية على الوضع الاقتصادي السوري بشكل خاص، خاصة في ظل ارتفاع السلع الغذائية العالمية مثل القمح إضافة إلى ارتفاع أسعار البترول، وربما صعوبة وصول الشحنات عبر الدول بسبب العمليات العسكرية التي لا يمكن التكهن إلى أي مدى يمكن أن تصل.
لاشك أن واشنطن والغرب وإلى جانبهم تركيا وإسرائيل، يعانون من صدمة الحرب الأوكرانية حتى الآن، وقد ظهر التخبط في المؤتمر الصحفي الذي أقامه أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ أثناء اجابته على أسئلة الصحفيين حول الرد العملي على اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا. فالواضح أن واشنطن لن تذهب إلى حدود الدفاع عن أوكرانيا كما قال الرئيس بايدن، فالمواجهة العسكرية بالنسبة للغرب لها حساباتها ومخاطرها وهي في أضعف الاحتمالات إن حصلت فستؤدي إلى نشوب حرب في أوربا الغربية نتيجة الرد الروسي على أي تدخل من هذه الدول، وهو أمر لا يمكن لهذه الدول احتماله من أجل أوكرانيا مهما كانت أهميتها بالنسبة إليهم.
احتمال استفادة الوضع السوري من الحرب الأوكرانية وارد في هذا الإطار الذي شرحناه، لكن من ناحية ثانية، فإن دفع الأثمان على الأرض السورية غير مستبعد أيضًا، فالمقايضة المتبعة بين الدول الكبرى في تبادل المناطق الاستراتيجية أمر معروف تاريخيًا، وبالتالي يُخشى أن تتنازل روسيا في قضايا تتعلق بالملف السوري مقابل تنازل الغرب لها في أوكرانيا. وبالطبع فإن هذا الأمر محكوم بمدى الحرب الأوكرانية زمنيًا ونتائج العمليات العسكرية على الأرض. واحتمالات تدخل دول أخرى مباشرة أو بالوكالة في هذه الحرب. لكن ما هو مؤكد وواضح أن أهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا أكبر بكثير من أهمية سوريا بالنسبة إليها استراتيجيًا واقتصاديًا وزراعيًا وصناعيًا وغير ذلك، لذلك فإن الإفراط في التفاؤل، قد ينطوي على مخاطر لابد من الحذر منها.
في جميع الأحوال، فإن التطورات خلال الأيام القادمة ستفسر معظم هذه النقاط الاحتمالية. لكن مجرد إعلان الوفد الروسي عن عدم مشروعية ضم الجولان من قبل الاحتلال الإسرائيلي، يعتبر أمرًا إيجابيًا يمكن أن يعد بالكثير إذا ما كانت تطورات الحرب خلال الأيام والأسابيع القادمة، وتبعًا لمواقف الدول المتصلة بالملفين السوري والأوكراني. إن جمود الملفات في هذه المرحلة غير وارد سواء بالنسبة لأوكرانيا أم سوريا، ويبقى على المكنة السياسية استثمار ما يمكن من هذه الحرب على صعيد الوضع السوري، سواء تحدثنا من الناحية العسكرية وإمكانية الحصول على دعم عسكري روسي أكبر من السابق، إلى جانب منع الطيران الإسرائيلي من قصف المواقع داخل الأراضي السورية، أم على صعيد المواقف السياسية والدبلوماسية التي بدأت تتكشف عن فرز العالم بين معسكرين لا مجال للحياد بينهما على الأقل بين الدول المحورية المتصلة بهذه الأزمة.