الفتنة… مجرمٌ من يوقظها
Share
من بين كل المفاسد الاجتماعية التي حاربها سعاده بلا هوادة، تحتل الفتنة بين السوريين مكانة متقدمة في اهتمامه. وكانت تشكل الهاجس الأخطر الذي يُقلقه ويدعوه للتحرك بسرعة وحزم. ولم يكن مضى على انكشاف أمر الحزب سوى سنة تقريباً، حتى هاج الغوغاء وماجوا في شوارع بيروت… وكشّرت الفتنة الدينية عن أنيابها لتنهش في جسم المتحد الاجتماعي.
يومها كان سعاده قد خرج للتو من معركة الاعتقالات والمحاكمات والسجون، والحزب يحاول استعادة أنفاسه في مواجهة الاضطهادات والحملات الإعلامية المغرضة. إلا أن الفتنة حتّمت على الزعيم أن يجابه غوغاء الطوائف وأوباشها بالصف القومي المعبّر عن وحدة الروح والاتجاه في الأمة. وقد كشف في مقال “دم الغوغاء” (الأعمال الكاملة، مجلد 2، صفحة 56) الحقيقة المرّة: “يظل النفعيون يجدون في دماء الغوغاء مستنداً لنفوذهم وثمناً لأغلاطهم”.
وعندما تصدى سعاده في الأرجنتين للحارضة التي دبّجها رشيد سليم الخوري (الشاعر القروي)، لم يفعل ذلك فقط لأن هذا هاجم الحزب وزعيمه، ولا لأنه ضل ضلالاً بعيداً في الأدب والدين والسياسة… بل أيضاً لأن موقفه المنافق يزرع الشقاق، ويؤجج عناصر الفتنة الدينية بين السوريين في أميركا اللاتينية.
إن عبارة “الفتنة أشد من القتل” في القرآن مرتبطة بظرف تاريخي محدد. غير أنها تُستعمل اليوم للدلالة على أن القتل بحد ذاته جريمة واضحة المعالم معروفة النتائج، في حين أن الفتنة غالباً ما تؤدي إلى انفجار المجتمع من داخله، فيأكل بعضُه بعضاً في جولات من العنف لا تنتهي!
مناسبة هذا الكلام ما وصلني بالتواتر من كتابات ينشرها ويروّج لها أشخاص يزعمون أنهم أعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي. لا يمكنني تأكيد أو نفي عضوية هؤلاء “الرفقاء” الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي التي لا ضابط أخلاقياً فيها، للتحريض على “الفتنة” بين القوميين الاجتماعيين.
ويستغل هؤلاء الغوغاء الأزمة الحزبية الراهنة ليُمعنوا السكين في جرحنا القومي. ولا شك عندي في أن هناك من يرعى ويموّل ويخطط لهذا التوجه المريب. ويبدو أن الذي وصل إلى طريق مسدود في شبقه نحو السلطة ومنافعها، لا يتورع عن الوغول في دماء الشهداء القوميين الاجتماعيين لتثبيت الأمر الواقع المزري.
“الأزلام” المختبئون تحت مسميات مختلفة، يستحضرون أسماء شهداء سقطوا في غير المواقع القومية التي كانوا يتمنونها. محمد سليم وحبيب كيروز وتوفيق الصفدي وغيرهم… هم شهداؤنا. ولا بد من أن يأتي يوم تنشأ فيه محكمة حزبية مستقلة تقول كلمة الحق في الملفات كلها. أما الآن فليس من حق أحد أن يُوظف دماءهم الغالية للتحريض على الفتنة.
يهونُ لدى بعض الأشخاص ارتكاب كل الموبقات وتوظيف شتى المحرمات في سبيل تحصين مواقعهم السلطوية. لكن القومي الاجتماعي المؤمن لا تخدعه شعارات برّاقة يتلطى بها من ضاقت حلقات العدالة حول عنقه. والأكيد أكثر أن هذا القومي لن ينجر إلى فتنة تهدف إلى تحوير الانتباه عن مخططات الفاسدين.
في خضم هذه الدعوات المشبوهة، نستعيد نداء الزعيم إلى القوميين رداً على محاولة الغوغاء إشعال لهيب الفتنة في بيروت سنة 1936: “أوصيكم أن تكونوا عند عهدي بكم من النظام، وأن لا تؤخذوا بهوس المهووسين الذين يريدون أن يستغلوا قضيتكم وقوّتكم. كونوا رسلاً أمناء لقضيتكم القومية. كونوا جنوداً لتحاربوا التجزئة والانقسام الداخليين. كونوا سداً منيعاً ضد الدعوة إلى بعث النعرات الهدامة. أوصوا كل من تجتمعون بهم أن لا يكونوا آلة في يد رجال يستثمرون الشعب ويضحّون مصالح الشعب في سبيل منافعهم، هؤلاء الذين اتخذوا الرعونة نظاماً لهم والمنفعة الشخصية دستوراً”.