15 أيّار 1948-15 أيّار 2021: هذه حقوقنا وهذه مهامنا!
Share
وردنا من “نداء العمل القومي” البيان التالي نصه.
عشيّة الذكرى الثالثة والسبعين لـ “يوم النكبة” (15 أيار 1948)، تنتفض فلسطين، كلها، بساحلها وسهلها وجردها والهضاب، ببحرها ونهرها وجليلها وغزّة وما بعدها وما حولها من بقاع ممتدّة مدى العين، تنتفض فلسطين، كما لو أنها تنتفض، لأول مرّة، على وقع “صواريخ العطّار” ترافقها أهازيج الفتية وزغاريد النسوة وأصوات المكبرين، مهدّدة، بالزوال والمحق، كيان العدو اليهودي الذي يهتزّ، مترنحاً، ذات اليمين وذات الشمال، قارعاً ناقوس الخطر في إشارة إلى العاصفة التي تتهدّده قبل أن ينهار، تماماً، فوق رؤوس لاجئيه ويتحول إلى مجرد حكاية بليدة ممجوجة.
هذا يحدث، اليوم، في شهر أيار 2021، أما في أيار 1948، فثمة شبان دافعوا باللحم الحيّ، تارة، وبسلاح قديم وذخيرة قليلة، تارة أخرى، عن مدنهم وقراهم ومنازلهم، تدعمهم مجموعات من المتطوعين من سائر بقاع الوطن السوري، وبذل الجميع جهوداً عظيمة ولكنها لم تكن كافية لإيقاف الإستيطان الصهيوني وإبطال مشروع الدولة اليهودية الغازية.
إلى أولئك الشبان والمتطوعين، يوم ذاك، ثمة حكومات وأنظمة: بعضها تواطىء مع الغازي الجديد فمنع التطوع وحجب المساعدات إلى المجاهدين على جبهات القتال، وبعضها دخل الحرب طمعاً في حبة تراب من فلسطين، وبعضها وقف موقف المتفرّج في انتظار ما سينجلي عليه الموقف. هكذا دخلت بعض الجيوش أرض فلسطين عام 1948 ولكن دخولها الحرب لم يغيّر من المسألة الفلسطينية غير ما أسماها سعاده، يومها “الناحية السورية”، فكل ما حدث هو أن المنطقة التي كانت لا تزال سوريّة في فلسطين قد تجزّأت بين السوريين والمصريين ، إذ احتلّ الجيش المصري جزءاً هاماً من جنوب فلسطين واستولى على منطقة النقب الغنية بالنفط، وجرت مفاوضات لجعل ملك الأردن (عبدالله)، الحجازي الأصل، الذي أعلن ضمّ الضفة الغربية لنهر الأردن إلى إمارته تحت مسمّى: “المملكة الأردنية الهاشمية”، يتنازل لإبن السعود (عبد العزيز) عن العقبة السورية فتتقلص شواطىء سورية عن البحر الأحمر. إن الجيوش التي دخلت فلسطين عام 1948 لم تدخل لتحرّر فلسطين بل لتستولي على ما تبقى من فلسطين.
هكذا، هو المشهد اليوم: من جهة، شعب بأكمله ينتفض ضد المحتل زارعاً الرعب بين مستوطنيه، عازلاً مناطق بأكملها عن سيطرة جيشه، مستعيداً، لأول مرّة، زمام المبادرة فى قرى ومزارع كان، لعقود طويلة، يحسب نفسه غريباً عنها، بل لاجئاً فيها، بإرادة العدو، لا بإرادته هو. ومن جهة أخرى، نجد حكومات عربية وخليجية، تحديداً، منغمسة مع العدو في علاقات اقتصادية وأمنية وسياحية ودبلوماسية، وعلاقات سرّية ومريبة لم تقمها هذه الدول في ما بينها، أيام السلم والرخاء، غير آبهة بالضرر الكبير الذي تلحقه هكذا علاقات بعلاقات الأخوة والجوار التي تربط هذه الدول بعضها ببعض.
إن القوميين الاجتماعيين إذ يستعيدون كلمات الزعيم ومواقفه، على امتداد المرحلة التي سبقت إعلان اغتصاب فلسطين عام 1948 وشهدت اغتصابها ورافقت محاولات استرجاعها وتحريرها عن طريق الكفاح المسلح فالمقاومة الراهنة، هذه المواقف التي يتردّد صداها في القدس واللّد والرملة وغزة وسائر فلسطين، يدعون، اليوم، إلى ما حالت الإرادات الأجنبية وأذنابها دون الدعوة إليه في الماضي وما لا تزال تحاول الحؤول دون الدعوة إليه في الحاضر، يدعون الأحزاب السورية، القومية والكيانية الهويّة، بالسواء، إلى عقد مؤتمر مستعجل تقرّر فيه إرادة الأمة السورية وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها، ويدعون السوريين إلى نبذ الحزبيات الدينية والتآويل الطائفية البغيضة، تلك الحزبيات التي أوّلت الدين تأويلاٍ فاسداً وقالت غير ما قال الله. ويدعون العالم العربي إلى تأييد سيادة الأمة السورية وحقها في وطنها. كما يدعون الدول الكبرى إلى احترام سيادتنا وحقنا في الحياة والحرية والإستقلال والتقدم (سعاده، الأعمال الكاملة،م 8، ص 367-368 (بتصرف). ويدعون الدول السورية كافة إلى إزالة نظام جوازات السفر والفيزا وما إلى ذلك من معوقات العبور والتراتزيت فيما بينها وبين فلسطين، لكي يُصبح في مقدور كل لبناني وكل شامي وكل أردني وكل عراقي وكل كويتي وكل قبرصي أن يدخل فلسطين، مجاهداً كان أو سائحاً، كلما شاء، ولكي يصير في مقدور كل فلسطيني أن يدخل كل دولة سورية عابرا أو متجولاً أو سائحاً أو عاملاً أو مقيما، موسمياً أو بشكل دائم وبحرّية تامة.
أيها القوميون الاجتماعيين،
في الذكرى الثالثة والسبعين لاغتصاب فلسطين، ها هي كلمات الزعيم تعلن باسمكم، للقاصي والداني، للقريب والغريب، للصديق والعدو:”أن كارثة فلسطين مسؤولة عنها سياسة الخصوصيات والحزبيات الدينية والعشائرية، وأن الأمة السورية هي وحدها صاحبة الحق الطبيعي والشرعي في فلسطين، وأنه ليس لغيرها أن يقول الكلمة الأولى والأخيرة في مصيرها. ليس لبريطانية أن تقرّر مصير فلسطين، وليس لروسية أن تقرّر مصير فلسطين، وليس للولايات المتحدة الأميركية أن تقرّر مصير فلسطين، بل ليس لمصر والعُربة(السعودية) أن تُقرّر مصير فلسطين. ليس من حقّ جمعية الأمم المتحدة كلها أن تفرض على االأمة السوريّة مقررات تنزع سيادة الأمة عن وطنها أو حقها في الحياة. إن كل مقررات أنترناسيونية تخالف إرادة الأمة السوريّة وحقها في تقرير مصيرها ومصير وطنها، بملء حريتها، هي مقررات باطلة. وأن عمل “الجامعة العربية” ومقرراتها يجب أن يخضع أيضاً لهدا المبدأ عينه، فليس من حق الجامعة العربية إلغاء سيادة الأمة السورية على نفسها ووطنها، وليس من حقها إقرار ما ترفضه الأمة السورية أو لم يُتح لها إعلان إرادتها الحرّة فيه، (سعاده، المصدر نفسه، ص366-367).
اليوم، بعد مرور أكثر من 70 عاماً على نكبة 1948، ومع ازدياد الوعي القومي بقضايا الأمة وانكشاف معادلة الأصدقاء والأعداء، بوضوح ما بعده وضوح،على الصعيد القومي والعربي والدولي، واحتلال المقاومة، فصائل ومحوراً، موقعاً متقدماً، بل حاسماً، في إدارة الصراع ضد العدو الصهيوني وحلفائه من عرب مطبّعين وقوى إقليمية ودولية، فإن المطلوب، الآن:
- فلسطينياً: إن”السلطة الوطنية الفلسطينية” مطالبة بإعلان الإتفاقيات والتفاهمات وكل أشكال التنسيق القائمة مع العدو الصهيوني، باطلة وغير شرعية.
- أردنياً: إعلان “إتفاقية وادي عربة” وما بُني عليها، لاحقاً، إتفاقية باطلة، و”تحرير” مياه نهري الأردن واليرموك و”سدّ الوحدة” من الهيمنة والتعديات الصهيونية.
- مصرياً: رفع الحصار عن غزة وجنوب فلسطين وتحرير معبر رفح وكل المعابر التي تربط سيناء بغزّة، وضمان حرية انتقال الأشخاص والبضائع والرساميل والآليات عبر هذه المعابر، وربط قطاع غزة بسيناء وربط هاتين المنطقتين السوريتين بمصر.
- عربياً: نتوجه، هنا، تحديداً لل”مطبّعين” مع العدو الصهيوني من أعاريب الخليج والسودان وبعض المغرب العربي: لا توهموا أنفسكم ولا تخدعوا أجيالكم القادمة بأن “إسرائيل” التي تبيّن، بالدليل القاطع، أنها “أوهن من بيت العنكبوت”، ستحميكم من عدو مفترض، إنها غير قادرة على حمايتكم ولن يحميكم إلا قوتكم الخاصة والتزامكم بمبدأ الرابطة الجبهوية العربية فهي ملاذكم ومنها تكتسبون الحماية والرعاية.
- دولياً: إن بريطانية وفرنسة الدولتان اللتان اقتسمتا سورية، في غفلة من السوريين، في “اتفاقية سايكس- بيكو” (1916) ومرّرتا “وعد بلفور” (1917) وانتُدبتا على سورية بموجب قرارات “عصبة الأمم” لفترة طويلة (1919-1945/1948)، مطالبتان بالإعتذار من االسوريين على ما اقترفتاه جراء سياستهما ضد السوريين والتعويض للدول السورية عن الخسائر الجسيمة التي نزلت بالبلاد السورية أثناء فترة استعمارهما لها.
- أممياً: إن جمعية الأمم المتحدة التي شرّعت، ولا تزال، جميع انتهاكات الدول الكبرى في ما خصّ سورية والسوريين، مطالبة بإعلان بطلان قرارها الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة يهودية ودولة عربية (سوريّة)، في مثل هذا اليوم من عام 1948، وإلغاء كل القرارات المشينة التي اتخذتها بحق سورية، ومن ضمنها قرارات “عصبة الأمم” السابقة والسيئة الذكر والتي ثبّتتها “جمعية الأمم” الحالية وزادت عليها.
أيها السوريون، أيها الرفقاء والرفيقات،
هذه بعض حقوقكم، تمسّكوا بها واحملوها إلى كل المنابر العربية والإقليمية والدولية، واجعلوها جزءاً من مهامكم الإعلامية والثقافية والسياسية، ولا تستهينوا بها فهي حجتكم القوية في مواجهة عالم مستكبر ظالم،
لتحيى سورية وليحيى سعاده
بيروت في 15 أيّار 2021