الانتخابات الحزبية، سلطة الأمر الواقع
Share
هناك الكثير من الجدل القائم حول نتيجة الانتخابات الأخيرة في الحزب السوري القومي الاجتماعي – مركز الروشة. والجدل يتمحور حول ما إذا كانت الانتخابات دستورية وشرعية وأخلاقية وما إذا تمت بإرادة القوميين أم بإرادة خارجية، وما إذا كانت استبدال “حاكم بأمره” بآخر، وما إذا كان سيُطعن بها استنادا إلى أي من هذه المسائل أو كلها.
بغض النظر عن رأينا في تركيبة المجلس الأعلى المنتخب وأهلية بعض أعضائه، والكيفية التي تم بها انتخابهم، وشرعيته، يمكن النظر إليه على أنه سلطة أمر واقع، de facto. ولكي تتحول سلطة أمر واقع إلى سطلة فعلية de jure عليها أن تكسب ثقة الناس، وفي حالتنا عليها أن تكسب ثقة القوميين. هناك نافذة صغيرة جدا يمكن لهذه السلطة أن تنفذ منها باتجاه تحقيق هذا الأمر وهذه النافذة متعددة الفتحات ويجب ان تكون كلها متراصفة لكي يمكن اكتساب هذه الثقة.
الكلمة القصيرة التي تلاها رئيس المجلس الأعلى المنتخب كانت ضرورية ولكن غير كافية. قال، نقلا عن موقع النشرة:
“المرحلة القادمة هي مرحلة العمل الجاد والدؤوب وتحويل المؤسسات الحزبية الى ورشة عمل عنوانها التجديد الفعال المستند لعقيدة الحزب ولانخراط جميع القوميين الاجتماعيين بالوطن والاغتراب دون أي استثناء في ورشة العمل هذه لتعزيز المؤسسات الحزبية القادرة على الاستجابة لكل المصالح الحزبية في الثقافة والتربية والإدارة والاقتصاد والسياسة”.
ما تفتقده هذه الكلمة المقتضبة هو عبارة “غاية الحزب”. إن القوميين متوحدون حول عقيدتهم، ولكن ينقصهم قيادة تقول إنها سوف تعمل لتحقيق غاية الحزب. إن لم تصبح هذه العبارة استهلالية في جميع خطابات الحزب السوري القومي الاجتماعي، فسيبقى الجهد مشتتا.
الفتحة الثانية هي دراسة حقيقة وضع الحزب والأمة، ووضع تصور لمستقبل الحزب وخطته الاستراتيجية وما يستتبعها من خطط عملانية. هذا لا يمكن أن يتم إلا في ورشة عمل تخطيطية لكبار مفكري الحزب وعقوله في شتى المجالات قبل تعيين مجلس للعمد وليس بعده. نركز على قبل لأن الحزب يعاني من الانهيار والتبدد ووجود عدد كبير من إمكانياته خارج صفوفه النظامية. تعيين مجلس للعمد دون دراسة وضع الحزب ووضع تصور استراتيجي له من قبل مجموعة من الاختصاصيين، بشكل موضوعي خارج عن السياسات الحزبية الضيقة، سوف يؤدي إلى نفس الوضع القائم منذ عقود: عُمُدٌ بسويات وقدرات متفاوتة يأتون ويذهبون، بدون خطة عامة، وبدون ميزانيات ولا رقابة ولا مقاييس، ويبقى الوضع على حاله.
هذه الدعوة، في رأينا المتواضع، يجب أن تكون محور كلمة رئيس السلطة التنفيذية الذي سوف يُنتخب: لا تعيين لمجلس عمد قبل تعيين الداء والدواء من قِبَلِ العقل الجَمْعي للحزب.
الفتحة الثالثة، تعيين محكمة حزبية مستقلة وتعديل الدستور بحيث تُحمى المحكمة من المنازعات السياسية الداخلية.
الفتحة الرابعة، الطلب من عمدة القضاء فتح ملفات الفساد – كلها – ووضع جميع أعضاء المجلس الأعلى الحاليين والسلطة التنفيذية التي سوف تُنتخب، أنفسهم، تحت حكم أية لجنة قضائية تنظر في قضايا الفساد أو الانحراف.
الفتحة الخامسة، فتح ورشة مراجعة الدستور والتعديلات التي طالته وما سببته من تضارب وتناقض.
كل هذا يجب أن يتم بأقصى قدر من السرعة والشفافية والصدق واحترام القوميين. هذه مطالبنا منذ سنوات، ولم تزل.
وبعد،
فيما نكتب هذه الكلمات، يصلنا خبر تقديم طعن في الانتخابات من قبل الرئيس السابق للمجلس الأعلى، وخبر قيام المجلس الأعلى الحالي بحل المحكمة الحزبية وبداية ما ينذر بحرب عشواء بين حلفاء الأمس – خصوم اليوم، تستنزف ما تبقى من أعصاب القوميين وصبرهم. الخشية هو أن تعيد هذه الحرب الحزب إلى عقود خلت، سالت فيها دماء زكية لمسؤولين ورفقاء مخلصين ذهبوا ضحية النزعات الفردية المتناحرة.
إن القوميين مدعوون لعدم الانجرار فيما يبدو صراع ديوك على سلطة متهالكة. إن القوميين مدعوون اليوم، أكثر من أي وقت، إلى الانخراط في عملية إعادة بناء حزب سعاده سواء أخذت سلطة الأمر الواقع بمقترحاتنا أو لم تفعل.
من المفترض بالقيادة الحكيمة والمدركة لماهية وأهمية المهام الواجب القيام بها لدفع المؤسسة إلى الأمام والمعقودة عليها الآمال لانتشال الحزب من قعر لا قعر له، ألاّ تكون بحاجة إلى من يحدّد لها مسار العمل. من الضروري والواجب على القيادة العتيدة أن تضع أمام القوميين مشروعها هي النابع من رؤيتها وتصورها للمرحلة القادمة، وهذا سيكون المقياس الذي على أساسه سيحدد القوميون مواقفهم من هذا التغيير، وإلاّ على حملة مشعال الحل أن يعلنوا مشروعهم ويقولوا “الأمر لي”. بكلام أوضح، أنا لا أريد قيادة تنفذ مشروعي. أريد قيادة صاحبة مشروع.