أوروبا: قدرة الأوهام
Share
حقق الاستعمار الأوروبي القديم، ممثلاً بفرنسا وبريطانيا، انتصاراً عسكرياً في العدوان على قناة السويس بمصر سنة 1956 بمشاركة الدولة الصهيونية. إلا أنه تحول إلى انتصار بطعم الهزيمة على المستوى الديبلوماسي نتيجة ردة الفعل العالمية. وإذا كان التهديد السوفياتي ترك تأثيراً محدوداً، فإن الضغط الأميركي جعل تلك المغامرة العسكرية نقطة البداية لسقوط المركزية الأوروبية المهيمنة حول العالم.
منذ ذلك الوقت وأوروبا تخادع نفسها في ما يتعلق بإقرار سياسات مستقلة عن الولايات المتحدة الأميركية. ومع أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي نجحت في إقامة سلم دائم في القارة العجوز، وعززت النمو الاقتصادي والازدهار في الدول الأعضاء… إلا أن أوروبا لم تستطع الخروج من تحت عباءة “الحليف” الأميركي الممسك بزمام القرار العسكري عن طريق حلف شمال الأطلسي (ناتو). ولا نقصد القضايا الثانوية حيث تمتلك أوروبا هامشاً للحركة المستقلة، بل القضايا الاستراتيجية الكبرى التي تؤثر على السلم والاستقرار العالميين.
وحتى عندما حاول بعض الدول الأوروبية التمايز عن المخططات الأميركية، كما حدث في قرار واشنطن ولندن غزو العراق سنة 2003، فقد عمدت الإدارة الأميركية إلى هز عصا التأديب الغليظة بوجه “المتمردين”. وكان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد صريحاً إلى حد الوقاحة عندما هدد بالتخلي عن “أوروبا القديمة” لصالح التعاون مع “أوروبا الجديدة”، ويقصد بها الدول الاشتراكية السابقة في شرقي القارة. وما أن سيطر المحتلون على العراق حتى تداعت أوروبا الأطلسية إلى التدخل تحت شعار تدريب القوات العراقية!
القيادات الأميركية تملك من الذكاء ما يدفعها إلى التراخي الجزئي في نقاط خلافية مع أوروبا ما لم تُمس مصالحها الحيوية. وفي أحيان كثيرة تترك مسافة زمنية، تتخللها ضغوط متدرجة وخفية، ريثما تصل لاحقاً إلى ما تبتغيه. وإذا استرجعنا مجموعة من مسائلنا القومية الحيوية خلال العقود الماضية، ستتضح لنا محدودية القدرة الأوروبية في تجاوز الخطوط الحمر التي رسمتها واشنطن. بل سنجد أيضاً أن أوروبا في غالبية الحالات تعود صاغرة إلى بيت الطاعة الأميركي، ملتزمة بالخطوط نفسها من دون تعديل أو تبديل.
مَنْ منا يذكر “اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط” التي تأسست سنة 2002 وتتألف من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة؟ أين صارت؟ ماذا فعلت؟ لا شيء على الإطلاق… اللهم إلا تأمين وظيفة مقرر اللجنة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بعد تقاعده، وهو أحد مهندسي عملية غزو العراق!
نسمع تصريحات أوروبية كثيرة تنديداً بالإجراءات الإسرائيلية التي تخرق كل القوانين الدولية في فلسطين المحتلة، لكن لا خطوات عقابية فعلية بل المزيد من التعاون والتنسيق. وبما أن الإدارة الأميركية أخذت تسن تشريعات تجرّم دعوات مقاطعة إسرائيل، بل وتعتبر أن أي انتقاد للسياسة الإسرائيلية هو جريمة يحاسب عليها القانون، فها أن بعض الدول الأوروبية تسير حثيثاً في هذا الاتجاه.
الملف النووي الإيراني مثال فاقع آخر على التبعية الأوروبية لأميركا. صحيح أن الاتحاد الأوروبي رفض من ناحية المبدأ الانضمام إلى الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية سنة 2017 وإعادة فرض العقوبات على إيران، إلا أنه التزم بكل قرارات المقاطعة الأميركية ولم يُفعّل آلية مساعدة طهران بحيث أنه أصبح ـ عملياً ـ شريك ترامب في إجراءاته العقابية.
ويجب أن لا ننسى ملف الحرب على سورية. فمنذ البداية، تورطت دول أوروبية عدة مع الولايات المتحدة وأنظمة عربية أخرى في خطة إسقاط النظام والدولة بأي ثمن كان. هذا المشروع فشل تماماً، وأوروبا تدرك ذلك. ومن هذا المنطلق تصاعدت أصوات داخل الاتحاد الأوروبي تدعو إلى إستعادة التواصل مع دمشق تمهيداً للمشاركة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب. لكن لواشنطن مآرب مختلفة في المنطقة، وما على القادة الأوروبيين سوى الانصياع للخط الأميركي… والاكتفاء بعلاقات مع دمشق من بوابة الاستخبارات.
ونصل أخيراً إلى القرار الألماني باعتبار “حزب الله” منظمة إرهابية. وقد سبق لبريطانيا (وكندا وهولندا) أن اتخذت قراراً مماثلاً، في حين أن دولاً أوروبية أخرى وقفت عند حد تصنيف الجناح العسكري للحزب منظمة إرهابية. وهناك شعور بأن القرار الألماني جاء بضغط أميركي مباشر، من دون أن نتجاهل بالطبع النفوذ الصهيوني في ألمانيا. وتتردد توقعات بأن آخرين سيحذون حذو برلين خلال الفترة المقبلة، بناء على تشجيع من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. وفي حال تراجع فرنسا عن تحفظها الذي تتمسك به حتى الآن، فقد تصبح هذه الخطوة سياسة أوروبية عامة.
كانت برلين إلى وقت قريب تدافع عن موقفها الذي يميّز بين السياسي والعسكري في “حزب الله”، وحجتها في ذلك أن مصالح الدولة الألمانية تستدعي وجود علاقات مع الحزب. إذن ما الذي تبدّل بين ليلة وضحاها؟ المصالح الألمانية لم تتغيّر، و”حزب الله” لم يتغيّر أيضاً… فلنفتش عن الضغط الأميركي في هذه الحالة.
لست هنا في معرض تقييم الإجراءات الأوروبية بحق “حزب الله”، فهناك آخرون معنيون بذلك. لكن هذا المقال يهدف إلى التذكير بتجاربنا مع السياسة الأوروبية، ثم البناء على ما تعلمناه خلال العقود الخمسة الماضية على الأقل. إن التمسك بحبال الهواء لن يخرجنا من حفرة أوقعتنا فيها واشنطن.
أذكر أننا اجتمعنا مطلع التسعينات الماضية، في لقاء صحافي محدود، مع مسؤول كبير بإحدى الحكومات العربية. وكان مؤتمر مدريد للسلام (1991) قد أسفر عن… لا شيء! أبدى ذلك المسؤول تفاؤلاً مبالغاً فيه بأن الدول العربية الساعية إلى السلام عندها أوراق قوية بديلة للدور الأميركي المنحاز لإسرائيل. وعندما سُئل عن تلك الأوراق أجاب: “سنعمل مع الاتحاد الأوروبي لبلورة حل لأزمة الشرق الأوسط”.
إلتفت نحوي زميل مخضرم أكل الدهر عليه وشرب، وهمس في أذني قائلاً: “يا طالب الدبس…”!
واليوم، بعد أكثر من ثلاثين سنة، ما زال بعضنا يلهث راكضاً وراء النمس…
اوافقك على معظم مااوردت في المقال باستثناء استهلالك للمقال بعبارة ” العدوان الثلاثي على مصر”
لمن لم يقرا التاريخ فإن ماأطلق عليه تسمية العدوان على مصر كان في الحقيقة عدواناً على سوريا الطبيعية من حيث الدوافع ثم من حيث نتائج العدوان.
في الدوافع:
لم يعد خافياً على أحد أن الولايات المتحدة قررت الحلول مكان الاستعمار القديم منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، بدليل انطلاق انقلاب حزني الزعيم من مطبخها للتخلص من أنطون سعادة 1949، في عام 1952 ركزت لنفسها ثلاث قواعد في منطقتنا، الإطاحة بالملك طلال وتنصيب عميلها ابنه غير الراشد حسين في شرقي الأردن اما في لبنان فكان انتخاب كميل شمعون رئيساً للبنان وانت هي المرة الأولى التي ينتخب رئس للكيان اللبناني بقرار أمريكي وليس شامي أو فرنسي. ذات السنة حققت اامريكا انتصارها الأكبر بانقلاب 23 تموز /يوليو والإطاحة بالملك فاروق ومصطفى نحاس باشا ذي الميول البريطانية وبالطبع لم تكن غاية الامريكيين هي الحلول محل الإنكليز فقط بل الأهم كان تحضير عبدالناصر لدور كبير هو تثبيت مفاعيل سايكس بيكو والتحضير للوحدة المشؤومة بين الشام ومصر لمنع أي اتحاد بين الشام والعراق وحرف بوصلة الوحدة باتجاه آخر ومن اطلع على ماقام به عبدالناصر بعد سيطرته على الشام كيف بدأت شراهته في لبنان”ثورة صائب سلام وجنبلاط” عام 58 ثم تآمره على الأردن وتفجير مكتب هزاع المجالي رئيس الوزراء ولاحقاً تآمر عبدالناصر ضد الشهيد عبد الكريم قاسم وماسمي بثورة الشواف التي كادت أن تؤدي لتقسيم العراق حين تحصن البعثيون والناصريون من الضباط المتآمرون في الموصل.
ماقلته هنا نسيته الناس ونسيه المثقفون وبدأت الآن بعض الشخصيات والمحطات بتلميع صورة عبدالناصر والحنين لعهده البائد المجرم بحق أمتنا ولأثبات هذا الرأي أنتقل إلى نتائج العدوان.
صحيح أن فرنسنا وبريطانيا تحالفتا مع كيان العدو وهاجموا عبدالناصر، كل منهم لدوافع خاصة به.
عند تم وقف المعارك بتدخل أمريكي سوفياتي كانت اسرائيل قد احتلت شبه جزيرة سيناء بالكامل ومعها مضائق تيران وشرم الشيخ وما هو الآن ميناء إيلات. وكانت اقدام جنودها عند شاطئ قناة السويس الشرقي.
لم تقبل إسرائيل بالانسحاب مما احتلته من أراض، رغم جهود الأمم المتحدة، إلا عندما رضخ عبالناصر لقبول قوات الطوارئ التابعة للامم المتحدة على الحدود بين عبالناصر ودولة العدو وهكذا خرجت القوات المصرية من احتمال أي مواجهة مع العدو كي يتفرغ عبدالناصر لمؤامرته اللاحقة.
خرج عبدالناصر من معركة المواجهة مع”إسرائيل” منذ عام 1956 لكنه تحول في نظر الأغبياء وبسبب ماسمي العدوان الثلاثي، إلى بطل”العروبة” (الوهمية بل والمخادعة) خدمة للأمريكان في مواجهة الاتحاد السوفياتي، بينما كانت جماهير الغوغاء تنتظر ان يقيم الخلافة أو أن يبعثها من جديد “هذا كان حلم ميشيل عفلق على الأقل الذي قال: لاتكتمل عروبة الإنسان إلا بإسلامه” مااردت قوله أن كل ماجرى من حسني الزعيم إلى صدام حسين الذي منع الوحدة بين العراق والشام، وشن حربه الامريكية-العروبية على إيران” نعم من حسني الزعيم إلى محمد مرسي مروراً بكميل شمعمعون، الحسين بن طلال، عبدالناصر وصدام سلسلة من العملاء لأمريكا انقلبوا عليها فيما بعد وبعضهم دفن وهو على ولائه.
كان علي أن انقح هذا الكلام لكني لم اتمالك نفسي حين قرأت عبارة” العدوان الثلاثي على مصر ” فوضعت ملاحظاتي دون تنقيح آملاً أن تلقي بعض الضوء على المنسي والمستور من البطولات باسم العروبة لخدمة أمريكا والصهيونية.