يعالجون السرطان.. بالسيتامول!
Share
ذكرتني الانتقادات التي وُجهت إلى زاويتي الأخيرة بعنوان “هَرهروها بالهزائم.. وبهدلوها بالموبقات”، بتهمة “وهن عزيمة الأمة” التي يواجهها الكتّاب في الشام، من قبل القوانين وأجهزة الرقابة، خاصة عندما يكون النصّ المنشور كالمبضع، لا يهادن أو يداهن، بل يضع الشَّفرة على الجرح بهدف استئصال الورم، في حين يفضلون هم معالجة السرطان بحبوب السيتامول، ويعمدون إلى النيل ممن يحاول اقتلاع الضرس المسوّس، كأن هذه الأمة يُمنع عليها حتى التوجّع والصراخ عندما تثخنها الجراح!
زاويتي المشار إليها أعلاه، استثارت ردًا من الأمين أحمد أصفهاني نشرته الفينيق فور استلامه، ذلك أننا نرحب بالحوار وبالنقد البارد أو اللاذع، فالحوار هو أحد الأسباب الدافعة لتأسيس هذه المجلة.
أمّي كانت تقول دائمًا: “الثياب الوسخة، يلزمها مخباط ثقيل”، وأنا شخصيًا مؤيد لفكرة نشر الغسيل الوسخ حتى لا يتعفن ويَفْعي في تلافيفه الدود. كما أنني أبصم بالعشرة، لهنري حاماتي وفايز خضور، عندما سمّيا جسم الأمناء “بالكرادلة”. إن هذا الجسم استولد قيادات الحزب منذ ما بعد استشهاد سعاده لليوم. وهذه القيادات ورطت الحزب في أكثر من محطة، وجعلت من آلية انبثاق السلطة دائرة مغلقة على قاعدة “المانح المستفيد”. هل يُستثنى أحد من هذا الحكم؟ نعم قلة نادرة ممن يحترمون مستلزمات رتبة الأمانة ويمارسون، كأفراد، على ضوء هديها، أو يتنسّكون في بيوتهم على ذكرى سعاده.
أيها السادة، نحن نتحدث عن الأعمال وليس عن النيّات، وإذا كان سعاده قد استغرب صمت القوميين على الانحرافات الحاصلة إثر عودته من المغترب القسري، فإن هذا الاستغراب يعني دعوة ضمنية للقوميين إلى التمرد والرفض في حال الانحراف وتغيير هوية الحزب. فبالله عليكم ماذا تريدون أن نسمي أولئك المنحرفين الذين يدعونا سعاده للتمرد عليهم؟ هل نخاطبهم بـ”حضرات المنحرفين المحترمين” حتى يكون النقاش وفق قواعد “أدبيات الحوار القومي”؟
إن عبارة “جثة الحزب، تزكم رائحتها الأنوف”، تعبير عن واقع حال الأحزاب القومية المتشرذمة والمرتبطة بأجندات غير قومية، وهي بالتالي لا تمثل النهضة التي عناها سعاده؟ صحيح أن الحزب كيافطة، حيٌّ يرزق ويسترزق على حساب دماء سعاده ودماء الشهداء القوميين، لكنه من حيث الفعل القومي “ميت وشبعان موت” ولا داعي لأن نشرح حالته المزرية التي أصبحت سيرة على كل الألسنة و”البواجيق”!
يصحّ التعميم بالتأكيد هنا، لقد تحول الثامن من تموز والأول من آذار والسادس عشر من تشرين الثاني، إلى مناسبات لتقطيع الكاتو وتبادل ملصقات التهاني الجاهزة عبر “الواتس أب” و”الفيس بوك”، حتى البيانات والصور التي يتم التقاطها، تتكرر ذاتها كل عام، فلا يفرّق المتابع بين احتفال جرى منذ عشرة أعوام واحتفال يجري هذه السنة. فماذا نسمي أولئك الذين فتكوا بالحزب وحولوه إلى مجرد شعائر، في حين تتعرض الأمة للتدمير الممنهج وهم يكتفون بتقبل التعازي والتهاني.
يستشهد الأمين أصفهاني، بقول لسعاده عن تأييده للتنوع الفكري، وفي الوقت نفسه، يحرمنا من هذا التنوع، ويستكثر علينا أن نصرخ من الوجع أو نشهر سيف الانتقاد ضد من كان السبب في خراب الحزب! بل إنني عندما قرأت رده على زاويتي استغربت تداعي الأفكار والمحاكمة على النيّات التي اعتمدها. فأنا لم أقل إنني أمتلك وكالة حصرية باسم النهضة، ولم أذكر أنني مفوض للحديث باسم أيّ كان. ولم أقل إنني أمتلك ملكوتًا سأسقط من أشاء منه! إنني أوصّف ما هو حاصل وأقدم رأيي الشخصي، وليس مطلوبًا مني أن أعرف جميع القوميين معرفة شخصية حتى أنتقدهم، لأنني لا أنتقد لباس الأشخاص والطبخات التي يحبونها، بل نهجهم في الحزب، ونهج القوميين فشل – حتى اليوم – في إنقاذ الحزب من أيدي مختطفيه. ويسألني عن الخبرات الذاتية والمؤهلات التي أمتلكها، وأقول إنني يمكن أن أرسل إليه “C.V” إذا رغب، لكنني لا أتقدم هنا إلى وظيفة في إحدى بلديات الحزب!
يقول الأمين أصفهاني عن مصطلحاتي: “هذا الكلام لا يؤسس لحوار قد يُفضي إلى توافق”، وأُصاب بالذهول لأنه يعتقد بإمكانية الحوار مع قيادات نهبت الحزب ودجّنته وأسقطت عنه جميع صفات النهضة. فهل يعتقد أن يسمح أولئك الموظفون، بعودة الحزب إلى الغاية التي تأسس لأجلها مثلاً، أو هل يمكن أن يتنازلوا ببساطة عن بقائهم إلى الأبد في قيادة الحزب بكل ما يعنيه ذلك من مكاسب وعلاقات عامة وغيرها؟
هل لدي أدلة على موت الحركة؟ أقول: غياب علامات الحياة عن الحركة.. دليل على الموت حاليًا!
بقي أن نشير إلى الكتابة الساخرة والكوميديا السوداء في التعبير، التي لم يلحظها الأمين أصفهاني، فبناء على أسلوبه النقدي تجاه زاوية “هرهروها بالهزائم.. وبهدلوها بالموبقات”، سنسأله ماذا يقول عن سعيد تقي الدين الذي استخدم جملة “رفسهم البغل” للتعبير عمن طفّش الرفقاء من الحزب؟ وهل سيصفه بالخروج عن “الأدبيات؟”
في كل الأحوال، الحوار يبدو حالة صحية يجب العمل عليها دائمًا، لكن في الوقت نفسه، سنتساءل إن كان متسببو المصيبة يمكن أن يكونوا جزءًا من الحل؟