هذا العدد
Share
يتميز هذا العدد بإضاءته على ملفين مرتبطين أحدهما بالآخر هما ملف إقالة (لن نقول استقالة) الأمين حنا الناشف من رئاسة الحزب السوري القومي الاجتماعي – جناح الروشة، والثاني هو ما رافق نشر كتاب “الأسباب والعوامل الحزبية الداخلية في تاريخ استشهاد سعادة”، لمؤلفه الرفيق شحادي الغاوي. كذلك يتضمن العدد أبوابا جديدة ومقالات لكتاب جدد نرحب بهم في المجلة، ودعوة إلى الكتاب والراغبين بالكتابة للتطوع في الفينيق. كذلك نشير الى القسم الأدبي وما يتضمنه من قصائد، ومقال نقدي مهم عن مسلسل “جن” الذي أنتجته شركة نتفليكس وصورة أحداثه في البتراء.
قبل الاستطراد، بودنا الإشارة إلى نقطتين هما مادة نقاش داخل المجلة ويوجد رأيان حولهما وتختصران بسؤالين، الأول هو: هل يجوز للفينيق أن تنشر أخبارًا داخلية، سيّما إذا كانت أخبارًا غير مشجعة أو مسيئة – بنظر البعض – لهذا الحزب، أو ناقدة لقياداته وتاريخه؟ أما الثاني فهو: يرى بعض القراء غير الحزبيين ومن دول عربية مختلفة مثل مصر وتونس والإمارات أن الفينيق باتت أقرب إلى نشرة حزبية منها إلى مجلة تُعنى بالفكر القومي الاجتماعي. هؤلاء لا يعنيهم ما يجري داخل الحزب وإنما هم مهتمون بالفكر القومي الاجتماعي. فهل من المفيد إعداد نشرة مستقلة للمقالات “الحزبية” توزع على القوميين فقط؟؟
الرأي الأول يقول إن أخبار الحزب الداخلية يجب ان تبقى داخل الحزب، ومحصورة بين أعضائه ومسؤوليه، انطلاقا من قَسَمِ العضوية والمسؤولية، ومن مبدأ “عدم نشر الغسيل..”، و”معالجة المشاكل ضمن الاقنية الحزبية” وغيرها من الأسباب التي يرى أصحاب هذا الرأي أنها موجبة. كذلك يرون أن ما يحدث داخل الحزب لا يعني قراء المجلة من دول عربية أخرى. فهؤلاء يحترمون الفكر القومي الاجتماعي ويقدرونه، ولكنهم غير مهتمين بأخبار الحزب.
الرأي الثاني يوسّع دائرة النقاش إلى ماهية الفكر ودوره، ومسؤولية الأحزاب في شكل عام، وتجاه مَن هذه المسؤولية، ليصل إلى مبدأ الشفافية ودور الصحافة والاعلام في الإضاءة ليس فقط على ما هو مُستحب بل على ما هو مهم للمجتمع والناس.
في المبدأ، الأحزاب، جميع الأحزاب التي تزعم أنها قامت لخير الشعب، مسؤولة أمام الشعب. بالتالي من المهم أن يعرف الشعب ماهية النظرة التي بسببها تأسست الأحزاب، وما هي غايتها وما هو برنامجها العملي لتحقيق غايتها. هذا من حق المواطن ومن مسؤولية الأحزاب. فكيف لمواطن ان يقرر الانخراط في حزب ما إن لم تتوفر له هذه المعطيات؟ للصحافة في هذا المجال دور أساسي هو دور مساعدة الأحزاب في نشر أفكارها ومبادئها وبرامجها، وفي نقدها عندما تفشل في تحقيق برامجها، أو حين تتناقض ممارساتها مع دعوتها.
أما بالنسبة للسؤال الثاني، فمنذ تأسيسها، أعلنت مجلة الفينيق أنها معنية بالفكر القومي الاجتماعي. ولكن هذا الفكر فكرٌ عملي وتطبيقي ويجب دراسته في تطبيقاته. إنه ليس فكرًا نظريًا مجردًا، بل فكرٌ يريد ان يحدث تغييرًا جذريًا في المجتمع السوري والمجتمعات التي تأخذ به. وفيما هو يفعل ذلك، يتعرض لكل ما تتعرض له الأفكار من إساءة في الفهم والتقدير والتطبيق. إنه فكر يحمله أبطال ومفكرون كبار وصناع قرارات، كما يستغلّه في بعض الأحيان جبناء ودجالون ومنتفعون وديكتاتورين. بالتالي، فالفينيق لا تنشر اسرارا حزبية، بل تنتقد قيادات اتخذت مواقف علنية أو قرارات مجحفة أو هيمنت على المؤسسات فاستبدت وفسدت وأفسدت.
إن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو، لتاريخه، التطبيق العملي الوحيد للفكر القومي الاجتماعي الذي أرسى قواعده مؤسسه أنطون سعاده. ودراسة حركة هذه الحزب تشكّل “دراسة حالة” مستمرة في “الوقت الآني” In Realtime لهذا التطبيق إذ يحاول البقاء على قيد الحياة وسط قوى هائلة من مذهبيات متناحرة وفساد وإفساد وجشع، تكاد تعمّ العالم كله. إن ما يحدث في الولايات المتحدة وأوروبا، وحتى الهند والبرازيل من شعبوية عنصرية جامحة لا ترى في قياداتها مشكلة على الاطلاق، بل تؤيدها في كل ما تقوم به، موجودة داخل الحزب منذ عقود. إن الذين اعتبروا ويعتبرون أكثر من قائد مرَّ في تاريخ الحزب فوق المساءلة، هم شعبويو هذا الحزب. والفينيق إذ تلقي الضوء على حركة الحزب الذي يتعرض اليوم لانقسامات علنية وفضائح علنية وشعبوية علنية، إنما تقوم بواجبها.
إن الفكر القومي الاجتماعي هو هدية سورية إلى العالم. وهذا الفكر ينطوي، كما يقول مؤسسه على عقلية أخلاقية جديدة، قائمة من جهة على الصدق، ومن جهة على الوجدان القومي، والعمل للخير العام، والمحبة القومية وود الخير لأبناء الوطن وللعالم الصديق قاطبة. ولكن كيف لنا ان نوصلها إلى العالم إن لم تنتصر داخل الحزب أولا، وإن لم ينتصر الحزب بها في المجتمع؟ من جهة ثانية – وهذا الكلام موجه لأصدقائنا في العالم العربي من المهتمين بالفكر القومي الاجتماعي. ليتهم يكتبون عن تجربتهم مع الفكر القومي الاجتماعي. ما الذي جذبهم اليه؟ وهل لهم أن يغنوا مجلتنا بأفكارهم في هذا الصدد وفي التطبيقات العملية للفكر القومي الاجتماعي في بلدانهم؟ إن في تبادل مثل هذه التجارب ما يفيدنا جميعا.
إن ما تقوم به الفينيق ما هو سوى ترجمة لالتزامنا بدراسة حركة الحزب بكل تشعباتها وبنجاحاتها وإخفاقاتها على حد سواء.