من ولد من رحم الأزمة يشبه أباه!
Share
لا نعتقد أن أحدًا، يستطيع أن يزعم، أو يتكهن، أن الصحافة السورية الورقية، كانت خلال السنوات الماضية، ذات حضور وتأثير كبيرين، ولا نقصد بالطبع السنوات العشر الأخيرة، بل يمكننا أن نعود إلى ما قبل 2011.
من رحم هذا الواقع، كان التحول الاضطراري، من مطبوع إلى الكتروني.
لقد وجدت الصحف الورقية نفسها أمام تحد صعب على ضوء تراجع القراء وانحسار مساحات التوزيع، بسبب الظروف التي تعصف بالبلد، وزيادة الخسائر، وجاءت جائحة كورونا كمخرج أو منقذ – رب ضارة نافعة – للصحافة الرسمية .
لقد أطلق فيروس كورونا رصاصة الرحمة على الصحف المطبوعة، في شهر (آذار) 2020 مع بداية تفشي الوباء، فاتخذت وزارة الإعلام قرارًا بتعليق الطباعة الورقية للصحف اليومية الرسمية والخاصة، وكذلك الصحف الحزبية، وصحف المنظمات والنقابات.
خطوة كهذه، كان لابدّ منها على ضوء تسونامي الرعب، آنذاك من الفيروس، لذلك اتخذ قرار التحول على عجل، وبما تيسر، من امكانيات لوجستية، وبشرية .
ورغم مرور وقت ليس بقصير على هذا التحول، بقيت الصحافة الكترونية تحمل المشكلات نفسها، لابل هذا التوجه لم يراع خصوصية الإعلام الإلكتروني، ومتطلباته الضرورية، لذلك بتنا أمام صحافة ورقية، بكل ما للكلمة من معنى، وما تحمل من ضعف مزمن، لكن بلبوس الكتروني (مبهبط).
جرى تفهم هذا بداية، لكن ما كان طارئًا، بات قائمًا ومستدامًا، لا بل إن المشكلات أو المعوّقات (كهرباء، انترنت، وقود، سيرفرات) تفاقمت، ولا تلوح في الأفق إشارات حلحلة .
قليلون توقعوا أن تطول القصة (توقف الإصدار الورقي) بينما راهن البعض على العودة السريعة، لكن مرت الشهور والسنوات وخاب الرهان، وما كان مؤقتًا بات يبدو ثابتًا، حيث لا موعد حتى اللحظة للإصدار الورقي، لا بل، لا أحد من الإعلاميين يملك إجابة على السؤال المتعلق بعودة الإصدار الورقي، رغم التأكيد على أهميته ورونقه الخاص .
فإذا كانت كورونا قد أوقفت الإصدار الورقي، فاليوم ثمة ما هو أقسى، وضع اقتصادي، وحصار، وعقوبات، وكهرباء، وماء، وانترنت، ووقود.. الخ .
المفارقة المحزنة، أن الكثيرين، ورغم مرور وقت ليس بقصير على التوقف الورقي، لم يشعروا بما حصل، بمعنى لم يفقدوا غياب الصحافة الورقية، ما يؤشر إلى المكانة الهزيلة التي كانت تشغلها الصحافة المطبوعة، في قائمة الاهتمام المجتمعي .
والسؤال بعد أكثر من عامين من العمل الكتروني، كيف تبدو التجربة؟.. وإذا كنّا قد تحررنا من تكلفة إصدار الصحف الورقية، فهل انعكس توفير هذه المبالغ لصالح الصحافة الإلكترونية والعاملين فيها.. وتاليًا تجلى في مضمون جيد يعيد الثقة المفقودة في الاعلام الرسمي؟!..
والسؤال الثاني هل تم استثمار الإعلام الإلكتروني في التأثير البصري والسمعي على القارئ، من خلال توظيف الوسائط المتعددة، كالفيديو، والصوت، والصور المتحركة، والتقنيات المتجددة، التي تتيح مساحة أكبر من التفاعل والمشاركة وإبداء الرأي، وتاليًا، هل استطاعت مواقع الصحف بحلتها الالكترونية، المنافسة والتأثير؟
اسئلة تبقى الإجابة على غاية من الصعوبة، مع ميل للقول إنها لم تستطع التأثير، ولن تستطع، إذا بقيت أسيرة المحتوى والخطاب النمطي، ولم تقدم محتوى جيد قائم على المعلومة والتحليل المقنع، وليس التحليل الرغائبي.
اليوم ، وبالرغم من الميزات الإيجابية الكثيرة التي تصب في صالح الصحافة الإلكترونية، لجهة السرعة، والمساحة، والتفاعل، إلا أن الكثير من التحديات والسلبيات مازالت تعترضها، وتشكل حجر عَثرة في طريق تفوُّقها، وفي مقدمة هذا، إمكانية وسهولة الحذف والتعديل، فهذه إمكانية متاحة لصناع المحتوى في أي وقت، خاصة مع وجود خاصية التفاعل أو التعليق، الذي لا يروق للقائمين على هذه المنصات، كما لم تهتم هذه المواقع بالبعد التفاعلي إلا في حدوده الدنيا؛ لذلك لم تستطع الصحافة الإلكترونية أن تحدث تغييرًا يذكر، في نوعية المادة، أو في السرعة، أو حتى في الجذب بعناوين وصياغات قوية ورشيقة، بل بقيت الصياغة، صياغة تناسب المطبوع، ما جعلها تبدو كما قال الإعلامي والبرلماني السابق نبيل صالح أشبه “ببيت عربي كبير، تقطنه عائلات عديدة مختلفة الأصول، والأفكار، والأهواء، والاتجاهات، وجميعها تتشارك مطبخًا واحدًا، وكل واحد يطبخ طعامه الذي يناسبه، وبعضهم يطلب وجبات جاهزة من المطاعم الكبيرة، ويدعي أنها من طبخه.”