“من تمّ السبع”؟
Share
يخطئ من يظن أن لبنان مجرد ساحة أو كيان استطاعت الكنيسة المارونية في أوائل القرن الماضي أن تسحبه من “تمّ السبع”، ويقوم الفرنسي بسحب كم ولاية من الشام ويهديهم لها. ثبت بالعين المجردة أن لبنان هو نطاق ضمان للفكر الحر، وهذه الحرية هي التي مكّنت المقاومة من استرداد الأرض دون اتفاقيات “الكيلومتر مية وواحد”، أو “وادي عربة” أو عاصمة إسكندنافية (أوسلو). هذا في الوقت التي ما زالت فيه أنظمة العرب، بين المي والمي، تقوم بضرب أخماس بأسداس فيما لو أرادت إحداها أن تصدر بيانًا شاجبًا للعدوان، سواء أكان صهيونيًا أم لا. فأراضي العرب عرضة لشتى أنواع الاعتداءات.
قد يقول قائل، ونحن منهم، لو كان لبنان جزءًا من بلاد الشام، لما حدث له ما حدث. لكن ما إن تستطلع الوضع في دمشق وبغداد اللتين حكمهما ثوار البعث حاملي الرسالة الخالدة، ولا يرضون عنها بديلاً لنصف قرن ونيف، يخرّجون طلبة وضباطًا وكوادر حزبية ويتدخلون بالشاردة والواردة في حياة الناس، قد تغفر للموارنة ما قاموا به.
في حياة هذه البقعة من العالم وتحديدًا بعد هطول الرسالات، فإن حمل عقيدة شيء وتطبيقها شيء آخر تماماً، من أول عقيدة “إبراهيمية” لآخر دكان سياسي. إنه ليمكننا القول إن تطور الغرب مردّه لتجميع العقائد المكتوبة وحشرها في المكتبات الدينية منها أو المدنية، لمن يريد الاطلاع والاستزادة المعرفية حول كل منها. فالعقائد ليست أدوات حكم، بل مراجع، ونقاط انطلاق ومحاولات تفسير للظواهر. ولتبيان ذلك غربًا، ما على أحدنا إلا استطلاع فحوى الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان التي يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى نشرها على وجه البسيطة، بحيث لا نجد فرقًا كبيرًا بين آليات بن لادن وآليات بن بايدن. الأول، لنشر الإسلام، والثاني لنشر الديمقراطية، سوى نوعية السلاح المستخدم.
كل هذا لنخلص الى القول: إن “اللبنانية” ليست عاقًا كما يحلو للبعض أن يقول. إنها تصبح كذلك إذا استنكفت عن لعب الدور الريادي التي قامت به منذ الزمن السحيق وصولاً لدور رجالات النهضة بالتصدي لعملية التتريك، وانتهاء بمقاومة أذاقت العدو المرّ منذ أن وطأت أقدام جنوده العاصمة بيروت. وأهلها اليوم، وعلى مختلف انتماءاتهم مدعوون لمزيد من الكفاح والنضال والعضّ على الجراح لبلوغ شاطئ الأمان. فالعدو حيّة متعددة الرؤوس والنافد منها الى قلب المجتمع، إما أن يتوب وإما وجب قطعه. والذي يزعم أن ما يفعله بتصديه للمقاومة هو لمنع وصول الصفويين الى المتوسط، عليه مراجعة حساباته. فالصراع الدائر بالمنطقة، وإن كانت بعض أدواته تحمل طابعًا دينيًا او مذهبيًا، أو حتى قوميًا مغايرًا لما يعتقد بعض اللبنانيين، يبقى صراع مصالح، ويشبه كثيرًا ما جرى عشية وعد بلفور حيث استُخدم اليهود آنذاك لوضع المنطقة بين سكين النهب النفطي وخنجر يهود الشتات. ومن يراجع تلك الحقبة سيجد أن بلفور كان من عتاة محاربي الصهيونية، إلا أن مصلحة بلاده اقتضت فعل ما فعله وجاء بعده كل من سايكس وبيكو ليكملا المسيرة.
مجريات الربيع العربي كانت لإقامة سايكس بيكو الغاز، وإخراج الدول المنتجة للنفط التي لا تمتثل للقرار الغربي من السوق. واللبنانيون اليوم مدعوون لحمل مشعل النهضة كما فعل أجدادهم بكل حقبات التاريخ لا سيما المعاصر منه، وقيادة المرحلة. كل ما عليهم أن يتوب البعض وينكفئ الآخر، ويتقدم حملة البيارق على مختلف تخصصاتهم وانتماءاتهم ليشعوا كما حالهم في التاريخ.