ممثلون سوريون “يقتحمون” عالم الكتابة.. إبداع أم استثمارٌ في الشهرة!
Share
هل الكتابة عند بعض الممثلين السوريين، فعلُ نجاة من الكآبة ومرارة الزمن الذي وصلنا إليه؟ هل هي المعادل الرمزي للفعل الدرامي الذي ربما لم يمنحهم العزاء الكافي للخلاص من مجّانية وعبثية الموت الجاثم فوق رؤوسنا منذ عشر سنوات؟ أم هو كما يقول البعض “استثمارٌ ذكيٌّ” لشهرتهم كممثلين وحصدٌ لمعجبين جدد ونافذةٌ على قرّاء من نوع آخر غير جمهور “الفانز” المشغولين ببوستات “التريند” وآخر أخبار الدراما السورية دون الاهتمام أصلاً بما يختزنه أولئك الفنانون من ألم وحزن وهواجس؟ أم هي “ضربة معلّم” من قبل أصحاب دور النشر الذين يرون في إنتاجات أولئك الممثلين “الأدبية” – على اختلاف أنواعها بين السيرة الذاتية والقصص والروايات- هي أيضاً نوع من استثمار ماليّ وتسويق لاسم الدار ومطبوعاتها سواء داخل سوريا أو خارجها؟
“مجلة الفينيق” استطلعت آراء كاتبين وصاحبيّ دار نشر لنقف على هذه الظاهرة، فقدّم لنا الشاعر علاء زريفة رأيه المشاكس كما العادة إذ يقول:
“أرى أن ظاهرة دخول بعض نجوم الدراما إلى عالم التأليف الأدبي تحملُ طبيعةً تجريبية تتسقُ وتنسجم مع روح ومزاج مؤلفها في لحظة ما عابرة. وهذا لا يعيبها البتة. لكن الوجه الآخر لهذه الظاهرة، له صبغة تجارية بحتة، الغرض منه الاستثمار بالاسم الفني والاتكاء على نجاحاته السابقة. ومن خلال ما قدمه الفنانان (أيمن زيدان وبسام كوسا على سبيل المثال لا الحصر) خلال مسيرتهما الطويلة كنجوم من الطراز الأول، وما كرساه في ذاكرة الجمهور السوري المتابع لهما، ظهر التأليف بمثابة “ضربة معلم” كما يقال بلغة (السوق)، ونوع من أنواع التريند الاستهلاكي الذي كان له الدور في رفع نسبة مبيعات دار النشر في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد، وغلاء أسعار الكتب، التي جعلت من اقتنائها رفاهية لا يستطيعها الكثيرون. رغم ذلك وجدنا مثلاً في حفل توقيع رواية (أكثر بكثير) للفنان بسام كوسا عدداً كبيراً من الحضور الذين اشتروا الرواية! هذا الحضور الذي يمكن اعتباره جمهور “فانزات أو معجبين” بمنجز كوسا الفني أكثر من كونه جمهور “قراء”، كانت أقصى رغبته الحصول على نسخة من الرواية الأولى لنجمهم المحبوب والتقاط صورة تذكارية معه”.
الرأي النقدي الذي قدّمه زريفة لم يجعله يقف عنده إذ رغم اعتقاده “أن ما فعله كل من الفنّانين يعبّر بالدرجة الأولى عن رغبة كل منهما بالتعبير عن تجربة حياتية طويلة مليئة بالنجاحات والهزائم الفردية والجماعية، وذاكرة زاخرة بالأحداث والقصص التي قد تستحق أن تروى، وتكرس في أعمال أدبية قد لا تحمل صبغة المشروع الفكري أو الثقافي، وهواجسه الإبداعية بقدر ما يكون بمثابة “فشّة خلق” أو “فضفضة” من قبيل كتابة المذكرات الشخصية، وإن كانت بشخوص وأسماء من وحي الخيال.
فيما يحدّثنا أيمن غزالي صاحب دار نينوى بدبلوماسية فيقول: “هو ليس اقتحام أو عدم مشروعية إنما هو حق مشروعٌ لأي شخص في حال كان لديه فكرة أو هدف يريد تحقيقه من الكتابة، ثم إن عالم الثقافة هو من يحدد فيما إذا كان إنجاز مَن يكتب يستحق الاستمرار أم لا أو إنهم طارئين على عالم الأدب. نحن أصدرنا في دار نينوى للفنان عبد المنعم عمايري مجموعة “صدى وفوضى” وللفنان أيمن زيدان مجموعتين قصصيتين، ومؤخراً رواية الفنان بسام كوسا، وهي تجربة مهمة لأنه سبق أنْ كتَبَ في التسعينيات مجموعة “نص لصّ”… وربما هو نوع من محاولة تعبير بأدوات أخرى ليعرض لنا مصائر شخصيات أو ليحكي لنا عن نماذج شخصيات يجب أن نلتفت إليها”.
ولم ينفِ غزالي فكرة الاستثمار في شهرة الفنانين فهذا برأيه “استثمار مشروع أيضاً ويُعد احتراماً وتقديراً من قبل الفنان/النجم لمنجزات الدار بحد ذاتها، وبالتالي هذا يعطي شهرة وفائدة مشتركة متبادلة بينهما، لكننا في دار نينوى ليس لدينا أسماء مكرّسة دائمة، ولم نُلغِ أي تجربة مهمّة لكُتّاب شباب، لكن ربما حصلت مقاربات من نوع ما”.
ليست بالفكرة المستهجنة!
إذاً، لا تبدو فكرة دخول بعض نجوم الدراما السورية إلى عوالم الكتابة الأدبيّة “مستهجنة” إلى درجة التحريم، ولا هي بالأمر الخطر على نصاعة الأدب وأخلاقيات مهنة الكتابة، فعلى حدّ القول المتحمّس لعفراء هدبا صاحبة دار دلمون: “الكتابة أداة تعبير وترجمة لتفاعل المرء مع محيطه ورغبته في طرح أفكاره ووجهات نظره في العديد من القضايا والمسائل، فما المانع وما الغرابة في أن يقدم الفنان على هذه التجربة وقد نضجت خبرته واكتسب من خلال اشتغاله على شخصيات متعددة سبر أغوارها وتجسد فيها واستلهم منها ما رفد قدرته على التعبير كتابياً إذا ملك ناصية اللغة! هذا حقٌّ مشروع للجميع والرأي الأول والأخير للقراء وللنقاد القادرين على تقويم التجربة بموضوعية وبعيداً عن بريق الاسم والشهرة.
لكن “الخطورة” في المسألة -تضيف هدبا- فيما “إذا أراد بعض الفنانين الاستثمار في شهرتهم لتسويق أعمالهم فهذا سيف ذو حدين إذا لم تكن الغاية نبيلة والموهبة متوفرة لأن الفشل قد ينسحب على حضور الممثل في ميدان الدراما وربما يُقلّص من أعداد معجبيه بعد أن خذلهم ككاتب… أما حول الشق الثاني من السؤال وتهافت أو ترحيب دور النشر بتبني تجارب الفنانين الكتابية؛ فهذا أمر مشروط بسوية العمل كما بالنسبة لي في دار دلمون على الأقل، ولا ألوم دور النشر الأخرى إذا سعت نحو ذلك، فغايتنا في دور النشر العمل على تحفيز الفكر الابداعي وتشجيع كل من يمتلك موهبة الكتابة على تقديم ما لديه وهذا الاندفاع من قبل نجوم الدراما لا شك سيدفع بالكثير من معجبيهم والمؤمنين بموهبتهم إلى القراءة… وهذا هو الهدف الأنبل الذي نتطلع إليه في دور النشر ليشكل قيمة مضافة إلى المكتبة العربية”.
الكتابة حاجة قهرية!
أمّا الشاعر هاني نديم فيخصّ “مجلة الفينيق” برأيه ويقول: “الكتابة كما يقول جان جاك روسو هي حاجة قهرية، بالتالي فهي غير مؤطرة بأنّ هذا كاتب وهذا غير كاتب، هي مشروعة للجميع، وأعتقد أن أجمل الكتابات هي التي جاءت من خارج اختصاص حقل الكتابة، فمثلاً سيرة وودي ألن المخرج السينمائي العظيم تعدّ مرجعاً بالنسبة لي في كتابة السير الذاتية، فيما يتعلق بالوطن العربي هناك استسهال في كل شيء حتى في متون المهن الأصلية، فأنا كممثل لدي مشكلة في الحقل الذي اشتغل فيه بغض النظر عن الأسماء سواء الفنان بسام كوسا أو غيره”.
لكن ما يخيف الشاعر والصحفي نديم هو استسهال الكتابة عند البعض وقول كل شيء دون تدقيق، فبعض الشباب الجدد -كما يضيف- يرتكبون أخطاء لغوية وأخطاء في المعلومات، لذلك فالكتابة من خارج قطاع الكتابة تتطلب حصافة وقدرة على تقديم المميز، رغم حاجتنا لذلك فقد قرأت سيرة ذاتية للفنان الراحل رفيق السبيعي وقد أضاءت عندي الكثير من كواليس ما خفي في قطاع التمثيل وخفايا التلفزيون والسينما آنذاك، رغم أن المعاجلة اللغوية بسيطة، أنا شخصياً أُثرى حين أقرأ لموسيقي أو ممثل يكتب تجربته أو عملاً أدبياً لكن شرط أن لا يعمم الاستسهال أو الأخطاء اللغوية والمعرفية”.
لعلّ الكتابة إذاً عند بعض ممثلينا السوريين هي عالمٌ موازٍ لعالم التمثيل، كونٌ من الكلمات يشتبك فيه الذاتي بالعام، الهواجس بالأحلام، رعب اللحظات التي مررنا بها مع آمالٍ ينسجونها بوصفهم مثل كل السوريين عالقون في بلدٍ بدا غائمَ الملامح، بل قاسٍ إلى درجة أنهم باتوا في حاجةٍ إلى كيمياء الكلمات ليتنفسوا منها وعِبرها هواءً مختلفاً، وليتركوا لنا شهادة إنسانية عن لحظاتٍ عاشوها مثل “سيزيف الأسطورة” وهم يدحرجون صخور أحزانهم التي لا يعرف عنها شيئاً جمهور “الفانزات” المشغول بالتقاط الصور معهم لا أكثر!
ولعل ذلك ما دفع أيمن زيدان لأن يكتبَ بشفافية محزنة: “ما إن يلملم النهار حقائبه استعداداً للرحيل، وتبدأ الشمس بإفراغ حمولتها من الضوء لتتوارى كعادتها خلف سحب ِ مدينتي الموجوعة، حتى أجد نفسي متأهباً لمعركة ِ الشروق الآتي، وكلُّ ما أصبو إليه هو أن أظلَّ أنا…أنا… ما أصعبَ أن تقاتلَ كي تظلَّ أنت”.