ما هكذا يورد ناجي العلي يا مجد القصص!
Share
تحويل لوحات الفنان ناجي العلي إلى عمل مسرحي، ليس عملاً سهلاً. فشخصيات العلي عميقة ورمزية، ترتبط بقضية قومية وإنسانية من الطراز الرفيع المليء بالمعاناة والتضحيات. فالنيّات لا تكفي هنا لإيفاء القضية وناجي العلي حقهما في التحول إلى شخوص من لحم ودم يتحركون على خشبة المسرح. في هذا الإطار، تسبب العمل المسرحي “كاريكاتير” الذي قدم على خشبة المسرح الملكي في عمان بالأردن، وأخرجته مجد القصص وكتبه زيد خليل مصطفى، في إثارة الجدل حول مدى نجاحه في نقل أعمال ناجي العلي إلى مشاهد مسرحية، وقد أكالت الصحافة الكثير من المدائح التي رآها كثيرون أنها مجانية وفي غير محلها. تنشر “الفينيق” هنا مقالاً نقدياً للزميلة مي هديب يتناول هذا العمل المسرحي من مختلف الجوانب.. فلنتابع:
ذهبت، وكلي أمل أن أشاهد ولو ما نسبته 25% من إلهام ناجي العلي، إلى مسرحية “كاريكاتير” التي كانت مجد القصص صاحبة الرؤية الفنية لها، آملة بأن يكون لناجي العلي حضوره المميز في الطرح، والأهم من ذلك أن العمل ممول من جهات محلية على أقل تقدير، بنك الاتحاد ووزارة الثقافة، ولكن؛ ولنضع ألف ألف خط تحت كلمة ولكن.
ما هكذا يورد ناجي العلي يا مجد القصص، وكل من مدح عملك في الصحافة يكذب، ولست أدري أين ذهب النقد الأصيل والطرح السليم عن هؤلاء حين تقدموا كمدّاحين بالمجان لهكذا عمل هدّام جملة وتفصيلاً، أن نتحدث عن مسرح السينوغراف بوصفه مسرحاً رمزياً، لا يعني أن تقدمي لوحات مهلهلة عن القضية الفلسطينية، وعلى المتلقي أن يصفق طويلاً لكل هذا الهراء الذي قدم على أنه مشهد جريء، أو كوميديا سوداء، وهو لم يتعدَّ كونه مجموعة لوحات استجلابية للإعاقة على طريقة مسرح مصر، ومسرحيات سيد زيان التي لا يوجد فيها شيء سوى الخروج عن النص.
في مشهد اللجوء، كاميرا وجموع وحكايا، فتاة تخرج من كادر المصور لتكون صاحبة الكلمة: وأنا فلانة من البكعة وكتلتني السكعة، وهي هي هي هي.
هل تعتبر هذه جملة مسرحية؟ هذا المشهد مثلاً الذي أحضر هذه الفتاة ثم المتحدث عن زوجاته الأربعة، حاولت أن أجد رمزاً واحداً يدلل على شخصية اللاجئ، من هو اللاجئ في كل هذا؟ هل هو ما تصورته مجد القصص وتلميذها زيد خليل مصطفى عن أن اللجوء يحتمل النكتة السمجة؟ أو لنقل ” الهبلة اللوقة” كما يسميها أهل اللجوء (هبل ولوق) طبعاً هذه لغة لا تعرفها السيدة مجد القصص، فهي بتصورها أن قول “أنا من البكعة وكتلتي السكعة” كفيلة وتامة ومستفزة لمشاعر الناس كي يقولوا أن البقعة كمخيم حالة إنسانية ما، لنصفق طويلاً للوق المطروح ولنذهب لجمع التبرعات درءاً للسكعة التي كتلت بنت البكعة، بالضرورة هذا ليس خطاب مجد وحدها، بل هو خطاب حائزي النقد الفلسطينيين، هذا المشهد جعلني فجأة أنتقل إلى تلك السيدة التي تحرس التراث عبر تشغيل آلاف السيدات في التطريز، فتركب هي الجاغوار، ويركبهن هن المرض من دوالٍ وديسك وتراجع في البصر وخراب مقابل فتات يكسبنه كي يكون للجاغوار معنى، وتلك السيدة التي تفاخر بأنها وفرت خمسين حقيبة مدرسية لأطفال مخيم الدهيشة – ولكو يا ولاد الكلب بدناش معونة، بدنا سلاح- لكنه صوت لا تفهمه السيدة مجد القصص، فالأمر بالنسبة لها “هبل ولوق” على شكل كوميديا سوداء.
تمزيق لأصول الدراما، وإلغاء للنص المسرحي، ينتج مسرحية يخرج فيها شخص ثقيل الحركة ليكون حنظلة، بالطبع السيدة مجد القصص تجد تشابها بين حنظلة الفتى اللاذع، أبو المقليعة وبين أي شخص، فالأمر بالنسبة لها لم يتعدى كونه مجرد مدالية نتباهى بها للرمزية، دون أن نفهم حقاً الفرق بين أن تكون لاذعاً، وبين أن تتباهى وأنت لا تفهم معنى القنص في الكلام.
ربما لم تفهم السيدة مجد القصص بحكم موقعها من مجتمع حيازة النقد ذهنية ناجي العلي حين بال على شجيرات البرتقال الخاصة بحائز نقد من مجتمعها، وبالتالي كان عصياً عليها أن تدرك الكوميديا السوداء في كل ما قدمه ناجي العلي “الناس على دين ملوكهم.. احنا ملحدين” ” يارب انصر حكامنا.. بلا هبل” “بتعرف مين رشيدة مهران؟” لتهرب السيدة مجد القصص خلف هدم الممثل وتقديمه بصورة لا معنى لها يحيطه مزيد من الهراء المسمى حسب رؤيتها هي وتلميذها زيد كوميديا سوداء، مقدمة بلغة الجسد وعبارات مقطشة هنا وهناك في محاولة غريبة عجيبة من السيدة مجد القصص لتقديم قصة المُقاومة ووجوبها دون أن نعرف هل فلسطين التي تحدث عنها ناجي العلي بتوقيع حنظلة هي نفس فلسطين التي تراها مجد القصص؟ وهل أم كاسم كانت مقاطع صوتية حقيقية سوى أنها استعرضت إمرأة تبحث عن شيء ما، مرة زوجها، ومرة شخص ينجدها ومرة ومرة، مع أن ناجي العلي يا مجد القصص استخدم فاطمة، وهذه لا تعنيك لا من قريب ولا من بعيد، فاطمة المرأة اللاذعة التي تصفع صابر في كل مرة يحاول فيها أن يبرر شيئاً خاطئاً، فاطمة المرأة التي تهب فلسطين دون حساب، فاطمة الجميلة دائماً المتأهبة دائماً، المتلفحة بشال أبيض يزدري صدقات حائزي النقد ويبصق في وجوههم، فاطمة التي لا تلين وتشبه أم سعد، وهاتان ربما تعجز مجد القصص ومجتمعها الحائز للنقد أن يدرك صلابة أكفهن، وغياب العجز عنهن.
بئست المرحلة التي جعلت من مجد القصص صاحبة رؤية تقدم مسرحياً حنظلة توقيع ناجي العلي.
مشهد خارجي؛ أحد الحضور وتحت إلحاح صديقته لاستكمال العرض وضع سماعاته في أذنيه، وبدأ يلعب ببجي. بالضبط هذه هي قيمة مسرحية “كاريكاتير”.