ما زالت الولايات المتحدة تراوغ والاتحاد الأوروبي يراوح-صوفي نادر
Share
سنة واحدة بعد قرار الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني كانت كافية لإضفاء المزيد “من الوضوح في الرؤية الأميركية على توجهاتها السياسية”، إن جاز التعبير، تجاه منطقة الشرق الأوسط، وخاصة تجاه من بقي صامدا في مواجهة المخطط التقسيمي الذي تقوده أميركا وحلفائها.
ابتداء من الثاني من أيار 2019 ألغى الرئيس الأميركي كافة الاستثناءات المعطاة لثمان دول تستورد النفط الإيراني. استثناء تمت الموافقة عليه منذ ستة أشهر سمح بموجبه للصين والهند وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وإيطاليا واليونان التعامل مع إيران واستيراد النفط الخام. لكن الرئيس الأميركي عدل من موقفه وألغى هذا الاستثناء بهدف الضغط على طهران وخنقها اقتصاديا “لإيقاف أنشطتها المهددة للاستقرار” في لبنان واليمن، وإيقاف دعمها لبشار الأسد.
ليس صحيحا كما يتراءى للعديد أن الرئيس الأميركي أرعن لا يعرف ما يقوم به. إنه واثق من توجهاته في منطقة الشرق الأوسط تدعمه إدارته الحالية، مستند إلى اقتناعه أن الأطراف الأخرى لا تملك أي وسيلة ضغط على أميركا. لقد أمن جانبه من الناحية الاقتصادية بفضل ما تغدقه عليه الدول الخليجية التي تسعى هي بدورها إلى إضعاف إيران متهمة إياها بزعزعة الاستقرار في المنطقة. لقد أمن جانبه من الناحية السياسية ومنطقة الشرق الأوسط في تشرذم مستمر بالرغم من المحاولات الروسية والإيرانية لدحض هذه السياسة، وأمن تحالفاته الدولية خاصة وأن الطرف الذي كان من المفترض أن يواجه سياسته “الرعناء” – الاتحاد الأوروبي – ما زال يراوح مكانه غير قادر على اتخاذ القرار الصحيح.
ما هو القرار الأوروبي الصحيح وعلى أي أساس يمكن اتخاذه؟؟
عندما نتحدث عن قرار صحيح نعني به قرارا يضمن جميع المصالح، العامة منها والقومية. فالدول الأوروبية على اختلافها واختلاف سياساتها القومية أعلنت في طرق ووسائل متعددة عن اختلاف توجهاتها الدولية والإقليمية. فالقرار الأوروبي الموحد بطيء الصدور بسبب هذه الاختلافات، هذا من جهة.
من جهة أخرى، يمارس الاتحاد الأوروبي سياسة النعامة. فبالرغم من التصريحات التي يطلقها من وقت لآخر حول عدم موافقته على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، واستيائه للانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، يتراءى للمتابع لهذه التصريحات أن الاتحاد الأوروبي غير قادر على متابعة علاقاته مع الجانب الآخر من الأطلسي بسبب الضغوطات التي يمارسها ترامب على السياسة الأوروبية. لكن في الثاني من أيار الحالي أتي اللقاء الأميركي الأوروبي في بروكسل ليدعم العلاقات الاقتصادية في مجال الطاقة. فقد جرت مناقشات بين الجانبين الأميركي والأوروبي حول كيفية تشجيع ودعم التجارة في مجال الطاقة خاصة تلك المتعلقة بالغاز السائل الأميركي. فمنذ البيان المشترك الذي صدر في الخامس والعشرين من شهر تموز 2018 وصلت قيمة التبادل التجاري في مجال الغاز السائل بين الطرفين الأوروبي والأميركي إلى 272٪.
القمة غير الرسمية التي عقدت في سيبيو/ رومانيا أتت لتؤكد التوجه الأوروبي المزدوج. رسميا كانت القمة مخصصة لمناقشة الشأنين المستقبليين الأوروبيين الداخلي والخارجي. لكن الإنذار الذي وجهته إيران للاتحاد الأوروبي استحوذ على كافة المحادثات نتج على إثرها رفضا أوروبيا لهذا الإنذار ووضع إيران في موقف لا تحسد عليه. لقد أصبح الوضع الإقليمي برمته يهدد أمنها ويحشرها في خانة غير قادرة على الإفلات منها إلا بمساعدة حليف قوي وهم ليسوا كثر.
التخوف من تصعيد عسكري في المنطقة أمر منطقي نسبة لخطورة الأمر الذي نشهده حاليا. لكنه تخوف ممزوج بنوع من الاطمئنان إذ لا توجد رغبة عند أي طرف من الأطراف باللجوء إلى صدام عسكري بسبب ما سيترتب عن هذا الصدام من خسائر مالية وبشرية، وبسبب التخوف من زعزعة النظام الدولي وموازين القوى الحالية.
الولايات المتحدة الأميركية هي أول من يراعي هذه الاعتبارات الإقليمية بالرغم من حشد القوى وعرض العضلات التي تقوم به أمام أعين إيران. فوصول بومبيو إلى بروكسل في الثالث عشر من هذا الشهر خلال اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين ولقاء وزراء الدول المعنية بالاتفاق النووي – أي فرنسا وألمانيا وبريطانيا – أمر لا يمكن تفسيره، إلا بعملية تهدئة الخواطر الإيرانية خوفا من صدام عسكري قادر على تبديل موازين القوى في منطقتنا الساخنة. ومن ثم متابعة توجهه إلى موسكو في الرابع عشر من أيار أتى ليؤكد أن ترامب ما زال لديه هامشا كبيرا من المراوغة لن يتخلى عنه في الوقت الحالي.
كان يمكن لنا تفصيل تداعيات الخطوة الأميركية، في فرض العقوبات الجديدة على إيران، على كافة الأطراف المعنية بالنزاع لو كان باطنها يتماشى مع ظاهرها. لكن هذه الخطوة ما هي إلا خطوة مراوغة من جهة، ومحاولة لجس نبض كافة الأطراف ومعرفة مدى تجاوبها للتحركات الأميركية. وقد أسفر جس النبض عن عزلة أميركية في ساحة القتال تحاول أن تخرج منها بشتى الوسائل. فلم يؤد عرض العضلات إلى انصياع إيران، ولم تستطع التدخلات في الاتحاد الأوروبي أن تجبر هذا الأخير اتخاذ موقف موال لأميركا، ولا استطاعت العقوبات أن تهز من الثبات الروسي. النجاة الأميركية الوحيدة هي عند وجود حليف أفضله الاتحاد الأوروبي. لكن ما فتئت أميركا تراوغ والاتحاد الأوروبي يراوح.