ليته لم يحدّثه!
Share
في مقالته الرائعة، “حدثني الكاهن الذي عرّفه”، يقول سعيد تقي الدين إنه قام بزيارة الكاهن الذي عرّف سعاده قبل إعدامه أربع مرّات قبل أن يتوفق بلقياه والحديث معه. ذلك الحديث الذي انتهى قطعة أدبية ملحمية وثّقت اللحظات الأخيرة من حياة ذلك الرجل الفذّ قبل تنفيذ جريمة اغتياله.
ليت المرّة الخامسة كانت كسابقاتها، وليت سعيد تقي الدين لم يوثق تلك اللحظات. عندها كنا خسرنا قطعة أدبية رائعة، وتوثيقا لتلك اللحظة التاريخية، ولكننا كنا كسبنا تحرير سعاده من تحويله إلى أيقونة دينية، وتحويل استشهاده إلى درب الآم سنوية.
إن معظم ما نقرؤه ونشهده مع حلول الثامن من تموز يصب في هذا الاتجاه. بل إن مأسسة ما يسمى بـ “المواكبة” وجعلها تقليداً سنوياً يتخلله مسيرات وطقوس ترافق الساعات الأخيرة من حياة سعاده لحظة بلحظة، ما هو سوى تأكيد على ما نقول. وإن استخدام عبارات مثل “الفداء” و”حمل الصليب” و”القدسية” وعبارات من مثل “إن موتي شرط لانتصار قضيتي” وسواها هي أيضا تصب في هذا الاتجاه.
ولا يعني نفي البعض كون المواكبة “عبادة أشخاص، أو طقوساً، أو شعائر، أو كلاماً ببغائياً بلا فهم ولا تبصر” أنها ليست كذلك. بالنسبة لنا إنها هذا كله.
طبعاً، لا يمكن تحميل سعيد تقي الدين وحده هذا الوزر. إنه نابع من أمرين، الأول هو التقاليد الدينية المتجذرة فينا منذ ما قبل الزمن التاريخي الجلي، ولكن الأخطر هو غياب غاية الحزب – سواء الأولية منها أي أن يكون الحزب حركة الشعب العامة – أو الغاية العامة المثبتة في الدستور، غيابهما كلياً عن عقل القيادات التي تعمل تحت مسمى الأحزاب السورية القومية الاجتماعية.
هذان العاملان، مجتمعين، يؤديان إلى تحويل أعمالنا كلاماً وطقوساً وشعارات وعبارات لسعاده، نرددها كما يردد المؤمنون الأدعية والصلوات، ولا نرى المأساة التي تحل بحزبنا وأمتنا.
والأخطر من هذا كله هو أن الذين يقودون هذه الحملة، سواء عن دراية أم لا، هم المثقفون القوميون. إن الأنشطة التي نراها على معظم المنصات التي تتعاطى الشأن الثقافي هي نشاطات رجعية، بمعنى أنها تنظر إلى الوراء فتصف التاريخ والثقافات السورية القديمة، وتحدثنا عن معنى الاستشهاد، وعن عظمة سوريا، متجاهلة تماماً الفيل القابع في غرفة الجلوس والذي كلما تحرك كسّر ما كسّر وحطم الفرش والأثاث.
هذا الفيل هو أن حزب سعاده قد تحول من حزب غير اعتيادي إلى حزب دون اعتيادي – راجع مقالنا السابق – وأن القوميين راضون بهذا الواقع.
لقد سررنا جداً أن الدعوة لما سمى “ويبقى العرزال يجمعنا” قد ألغيت، ونأمل ألا تتكرر، علّ في هذا بداية لإعادة تصويب نظر القوميين إلى حيث يجب، قضية الحزب والوسائل الآيلة لانتصارها. ما عدا ذلك ما هو سوى طقوس وصلوات نقدمها للفيل القابع بيننا.
كما الولادة ..كذلك الموت والطقوس نفسها لدى شعوبنا ..فالنبي المسيحي كما المحمدي لم يطالبوا بالقداسة لانفسهم.. بقدر ما اوصوا .. فاتقوا الله واعبدوه .من هنا اصبح لمفهوم سعاده لدى البعض ايضا التحريم والصحيح والتجريم ايضا الى حد التخوين وهنا اتكلم عن فقهاء ا الحلال والحرام كما بالمفهوم الديني تماما والبعض يذهب الى حد العزاء كما ملحمة كربلاء تماما..واخيرا هي زيارة ضريح والقاء التحية والهتاف على قبر دون جثة .
للموت جلالة لمن قدم نفسه قربانا لفكره وامته . وقد اصبحت الذكرى مجرد خطابات تنتهي في رفع التحية امام قبر حضرت الزعيم. ويبقى السؤال نفسه هل اعطينا سعاده حقه بعد ان قدم لنا ثروة من افكاره ؟؟. وهل غاية الحزب واهدافه تحققت فعلا على ارض الواقع ؟؟. مادا ولو كان سعاده حاضرا بيننا اليوم ؟ نعم تم عرض حلول ولكن اكثرها ان لم تكن جميعها تدور في حلاقات مفرغة تنتهي في انقسام جديد. الم يحن الوقت للعودة الى مفهوم الحزب الاساسية ؟