لنعط الجيل الجديد في الحزب فرصة – د. زهير فيّاض
Share
ولنتنحى نحن جانبا…كل من كان في موقع مسؤولية خلال ثلاثين عاما عليه ان يبتعد بإرادته ووعيه عن المسؤولية وافساح المجال امام جيل جديد وعقول جديدة وأنماط جديدة في التفكير
في الزمن الصعب، زمن المحن الحقيقية…زمن انقلاب الصورة…زمن التحديات الهائلة التي تطّل بألف رأس ورأس، وتلبس الف لبوس ولبوس، وتتلون بألف قناع وقناع….وسط كل هذا الخراب المترامي الأطراف من العراق الى الشام الى لبنان الى فلسطين….وحيال عمليات القتل الممنهج لشعبنا جسديا وروحيا وفكريا….وفي اللحظة التاريخية الصعبة التي يفترض بأبناء النهضة مداواة جراح أمتهم…تراهم يفتكون ببعضهم البعض…يتراشقون ويتقاذفون اقذع التهم والصفات…لقد خرجنا جميعا من وجدان الناس وضمائرها….لم تبق في اذهان أبناء شعبنا الا صورة سلبية لمجموعات هجينة غريبة عن سعاده وفكره….نهج دمر كل شيء على مدى عقود من الزمن…غيّر طبيعة الحزب ….قزّم دوره…وعطّل وظيفته النهضوية الاصلاحية الكبرى…من حزب – الدولة القومية الاجتماعية – نموذجها المصغر الى حزب السلطة واللهاث وراء المراكز والمقاعد والمناصب. لا خطة…لا برنامج..لا دور حقيقي..لا رؤية مستقبلية…فقط أدوار ثانوية…تحالفات هجينة…مصالح انتخابية ضيقة….مقاعد وزارية هزيلة لا تسمن ولا تغني عن إصلاح…محزن هو واقعنا….
في الثلاثينات من القرن الماضي اطلق سعاده حزبا نهضويا خلاقا مبدعا اخترق بشعاع نوره النخب والطوائف والمذاهب المقفلة واسس لتيار نهضوي قومي اجتماعي عابر لكل الحدود الجزئية من كيانات ومناطق وغيتوات…اخترق بالكلمة الحرة معاقل الانعزال والتهجين الطائفي والمذهبي والعشائري والقبلي…
آنذاك لم تكن هناك شبكة انترنت ولا تويتر ولا فايس بوك ولا محطة تلفزيون لا ارضية ولا فضائية..ورغم ذلك…كان الحزب مالئ الساحات جهادا ونضالا وصراعا ونهضة فكرية ثقافية متحركة في المدن والقرى والدساكر، وحركة صراع في الميدان من فلسطين الى اخر دسكرة او قرية على مدى الوطن السوري..!
أما اليوم، اين نحن؟ لولا شهدائنا الابرار الذين اوفوا القس، ولولا قلة من مناضلين حقيقيين يقبضون على الجمر في الميدان وفي مواقع النضال المجتمعي…لكنا نتمنى ان تنشق هذه الارض وتبتلع جثثنا المرتعشة تحت الشمس!
ما الذي أوصلنا الى هذا الحضيض؟ اين نحن من دماء الشهداء، والجرحى، والمناضلين، والمتعبين؟
اصلاح الحزب؟ انقاذ الحزب؟ هذه هي قضيتنا الان؟ التاريخ كُتب ويُكتب وفيه دروس وعبر وأهمها ان «أي حركة تتخلى عن قضيتها لتصبح هي القضية تموت وتندثر وتضيع جهودها هباء» من المسؤول عن هذا الواقع؟ كلنا مسؤولون وان كان بنسب مختلفة اختلاف المواقع والصلاحيات والقدرات والمسؤوليات….ولكن، كل واحد فينا مسؤول…هذا الخراب لم يدهمنا دفعة واحدة…بل تمدد وتوسع وانتشر وتعمق افقيا وعاموديا….ولنكن صريحين لم نواجهه في وقته وزمانه ومكانه….كثيرون منا تعايشوا مع الخراب ….ومع نهج القعود والتراجع والتماهي مع الواقع….طغت شعارات «الواقعية»…فهمها البعض تماهيا مع الواقع بدل وضع الخطط الواقعية لتغيير هذا الواقع…نعم….كلنا مسؤول….كلنا تراخى….والا لما وصلنا الى ما وصلنا اليه…من واقع تعيس تعبث به المثالب والامراض…
ما الحل؟ نحن بحاجة لموجة جديدة هادرة من نهضة سعاده في الفكر والممارسة والعقيدة والايمان، وهذا يحتاج الى بناء تيار نهضوي حقيقي جدي عماده عنصر الشباب المتوقد الفاعل النشيط لنشر الفكر والعقيدة في اوساط اولئك الشباب…وان يكون دورنا نحن – اجيال الفشل – الإعداد والمساعدة في تنمية القدرات….وفي الوقت عينه ان نتطلع الى جيل الشباب في الحزب على قلته لنوليه المسؤوليات في الادارة الحزبية…وليكن عنوان المرحلة انتقال نهضوي هادئ بين الاجيال…ولنتنحى نحن جانبا…كل من كان في موقع مسؤولية خلال ثلاثين عاما عليه ان يبتعد بإرادته ووعيه عن المسؤولية وافساح المجال امام جيل جديد وعقول جديدة وأنماط جديدة في التفكير….كفانا نحن اجيال الخيبة والضمور والتراجع تجارب ومحاولات فاشلة….فلنكفّر عن قعودنا اقله بتأمين مرحلة انتقالية هادئة من جيل الى اجيال جديدة…ولننتقل الى المواقع الخلفية في النضال …. ربما عندها ننقذ ما تبقى!