لماذا اختار سعاده كلمة “التعبيرية” في وصف نظرته الفلسفية إلى الديموقراطية
Share
الأفكار الفلسفية الجديدة هي دائماً عرضة لسوء الفهم والتأويل. ذلك لأننا عندما نتلقى لأول مرة قولاً جديداً يحمل فكرة جديدة، خاصةً في موضوع الفلسفة، فإننا نتلقاه “بوعينا القديم” ونفهمه بواسطة ما في عقلنا من مفاهيم قديمة، أي بواسطة جهاز المفاهيم القديم الذي تعوّدنا عليه.
طبيعي أن يحدث سوء فهم أو التباس أو تأويل يصرّ على جذب هذه الأفكار الفلسفية الجديدة صوب الأفكار القديمة الراسخة في الذهن التي تجيء الأفكار الجديدة لتغيرها وتبدّلها. وطبيعي أن تأخذ الأفكار- الفلسفات الجديدة منّا وقتاً كافياً لإستيعابها وفهمها وإدراك أبعادها وحقيقة ما تعنيه، أو ما تريد أن تعنيه لنا وتريد أن تغيّره في نظرنا الى الحياة.
لكن ما ليس طبيعياً وما ليس مقبولاً هو أن تأخذ نظرة سعاده الجديدة الى الحياة أكثر من ثمانين سنة قبل أن “ينتبه” أتباعها أنفسهم إليها والى معناها الحقيقي وأهميتها العظيمة.
هذا حصل مثلاً في نظرة سعاده الى الانسان، حيث أننا لم نفهم بسهولة قوله: “إن الانسان الحقيقي هو المجتمع وليس الفرد، أما الفرد فهو مجرد إمكانية إنسانية”. لم نفهم بسهولة أن المعنى الجوهري لهذا القول هو أن القيم الانسانية هي قيم مجتمعية وليست قيماً فردية. وبقينا نؤوّله تأويلاً يخالفه ويجافيه ونصرّ على أن الفرد هو الانسان وليس المجتمع. بقينا نصر على أن معناه هو: “الفرد هو إنسان إجتماعي”. وبدهي أن مقولة “الفرد هو إنسان إجتماعي” هي فكرة عادية قديمة يقول بها معظم الناس، ومع أنها فكرة صحيحة فهي ليست فكرة فلسفية جديدة ابداً.
وهذا أيضاً ما حصل ويحصل لفكرة “التعبير عن الإرادة العامة بدلاً من تمثيل الإرادة العامة” التي قال بها سعاده في موضوع الديموقراطية وقال أنها “الإنقلاب الجديد الذي تجيء به الفلسفة القومية الاجتماعية” (نسر الزعامة ووحل توكومان)، وأنها “الإكتشاف السوري الجديد الذي ستسير البشرية بموجبه فيما بعد” (خطاب سانتياغو)*.
الذي حصل هو أننا لم نفهم بسهولة المعنى الفلسفي لقضية التعبير عن الإرادة العامة بدل تمثيل الإرادة العامة. لم نفهم الفرق الحاسم بين التعبير والتمثيل في ما خصّ الإرادة العامة. فمن جهة بقينا مصرين على مبدأ تمثيل الإرادة العامة وقلنا أن سعاده يقصد كذا ولا يقصد كذا وأن ديموقراطيته هي تعبيرية وتمثيلية معاً، أو أنها تعبيرية مركزياً وتمثيلية محلياً، أو أنها تعبيرية تمثيلية، أو غير ذلك من التأويلات. ومن جهة أخرى لم نفهم الجديد فلسفياً في معنى كلمة التعبير، وبقينا نشدّها الى المعنى القديم الراسخ في الذهن، أي المعنى اللغوي الادبي الذي تعودنا عليه، وهو حسن استعمال العِبارة والكلام الحسن والشرح الجيد للآراء والأفكار، كأن يحسن أحدنا التعبير عن رأيه أو رأي غيره. لقد خلطنا معنيي التعبير عن الرأي والتعبير عن الإرادة وابتعدنا كثيراً عن الفكرة الفلسفية الجديدة.
وعندما أقول “لم نفهم، وبقينا، وخلطنا وابتعدنا…” لا أقصد ولا أعني أحداً معيناً، بل أعني كلنا بشكل عام وأعني الحزب السوري القومي الإجتماعي ومؤسساته الثقافية والإعلامية وأجهزته المسؤولة عن نشر عقيدته وفلسفته الجديدة. كما أعني سائر الأوساط الثقافية والفكرية التي يبدو أنها “لم تصدّق” أن هناك فعلاً فلسفة جديدة تنظر الى الإنسان نظرة جديدة وتنظر الى القيم الانسانية من مستوى جديد يعطيها معانٍ جديدة وأدواراً ووظائف جديدة تحقق تغييراً فعلياً وتُحدِث تكييفاً وتفعل تطويراً في الحياة، في الإجتماع والإقتصاد والسياسة.
أولاً: الفرق بين التعبير عن الإرادة العامة وتمثيلها.
سعاده كان واضحاً جداً لكنه كان مختصِراً كثيراً، ولعل في اختصاره يكمن سبب سوء تأويله. لقد أفصح لنا عما يعنيه بالتعبير عن الإرادة. كان ذلك في جملة صغيرة في سياق خطاب سانتياغو حيث قال: “التمثيل أهون من التعبير، لأن التمثيل شيء جامد يتعلق بما قد حصل، أما التعبير فغرضه الإنشاء وإدراك شيء جديد”. هذا هو الخلل الاجتماعي الذي يريد التفكير السوري أن يصلحه: تفهّم إرادة الشعب وإعطاؤها وسائل التنفيذ الموافقة”.
إذاً، ما يريد سعاده أن تعنيه عبارة “التعبير عن الإرادة العامة” هو تنفيذ هذه الإرادة، أي تحقيق المصلحة التي هي وراءها حيث لا إرادة دون مصلحة. هو الإنشاء والإدراك (الوصول) لشيء جديد وما يتطلبه ذلك من وسائل تنفيذ، وليس مجرد البيان الجميل والكلام الحسن والشرح الجيد لما يريده الشعب. البيان الجميل والكلام الحسن والشرح الجيد لما يريده الشعب هو مجرد نقل صورة واضحة ورسم لوحة ممتازة عن الارادة العامة، هو تمثيلها بأمانة ودقة ووضوح ولكن هو أيضاً الإكتفاء بذلك دون القدرة على فعل شيء وتغيير شيء وتحقيق شيء وتنفيذ شيء من هذه الإرادة. وهكذا يكون تمثيل الإرادة العامة هو شيء جامد يتعلّق بما قد حصل، أي بوصف هذه الإرادة كما هي دون توفر الإمكانات والقوى و”وسائل التنفيذ الموافقة” التي تحقق هذه الإرادة وتجعلها نافذة.
لا نريد هنا أن نتوسع كثيراً ونصل الى كيفية تأمين الإمكانات والقوى التي تحقق وتنفذ وتنشىء وتدرك الشيء الجديد الذي يطلبه الشعب، أي كيفية تأمين المؤهلات القيادية في أصحاب السلطة في الدولة – الحزب، ودور رتبة الأمانة وشروطها الصارمة في ذلك. فهذا موضوع واسع عالجناه في هذه المجلة على حلقات تحت عنوان “نظرة سعاده الجديدة الى الديموقراطية – الديمقراطية التعبيرية” ويمكن الرجوع إليه هناك. أما هنا في هذه المقالة فإننا سنركز فقط على كلمة التعبير والتعبيرية وسنكتفي بالجواب على السؤال: لماذا اختار سعاده كلمة “التعبير” عن الإرادة العامة، وليس أي كلمة أخرى مثل تحقيق الإرادة العامة أو تنفيذ الإرادة العامة، طالما هو يريد العمل والإنشاء والتنفيذ والتحقيق والإنجاز وإدراك الشيء الجديد؟ لماذا سمّا ديمقراطيته “الديمقراطية التعبيرية” ولم يسمها الديموقراطية التنفيذية أو الإنشائية أو الفعلية؟
ثانياً: التفتيش في كتاب نشوء الأمم وليس في المعاجم.
إن من يفتشون في المعاجم عن معنى كلمة “تعبير” أو “تعبيرية” لن يجدوا شيئاً كثيراً وكافياً من المعنى الفلسفي الجديد الذي أراد سعاده إيصاله بواسطة عبارته: “التعبير عن الإرادة العامة”.
إن الهامّ والأساس في عبارة سعاده هو كلمة الإرادة أكثر بكثير من كلمة التعبير. إن كلمة الإرادة هي التي تساعد على فهم معنى كلمة تعبير. فالتعبير عن الإرادة هو غير التعبير عن أي شيء آخر مثل الرأي أو الفكر أو الشعور. لنأخذ مثلاً على ذلك هاتين العبارتين: “التعبير عن الإرادة.” و”التعبير عن الرأي.”
في العبارتين يوجد كلمة تعبير، لكن هذه الكلمة تأخذ في العبارة الأولى معنىً مختلفاً عما تأخذه في العبارة الثانية. في الأولى، كلمة تعبير معناها تحقيق وتنفيذ. أما في الثانية فكلمة تعبير معناها بيان وشرح وتوضيح.
إذاً، يجب أن نأخذ عبارة سعاده كلها: التعبير عن الإرادة العامة. ولا يجوز تفكيكها الى كلمتين منفصلتين ونبحث عن معنى كل كلمة بشكل مستقل، لئلا نفقد معناها كلياً ويحصل الإلتباس.
ولفهم عبارة سعاده كلها، التعبير عن الإرادة العامة، يجدر بنا الرجوع الى كتاب نشوء الأمم وفهم معنى الإرادة وعلاقتها بالمصلحة وفهم كيف أن المصلحة هي وراء كل إرادة وكيف أن الإرادة هي لتأمين ولتحقيق مصلحة.
“وما الإرادة إلا التعبير عن الحياة، نحن نريد مصالحنا للأننا نريد حياتنا والإرادة على قدر المصلحة”.
“المصلحة والإرادة هما قطبا المجتمع فواحدهما سلبي وهو المصلحة والآخر إيجابي وهو الإرادة. فالمصلحة هي التي تقرر العلاقات جميعها والإرادة هي التي تحققها“. “وبديهي أنه لا إرادة حيث لا مصلحة، فحين يجوع الإنسان يريد أن يأكل وحين يعطش يريد أن يشرب وحين يشتاق يريد أن يحب. فالمصلحة هي طلب حصول إرتياح النفس وتحقيق ارتياح النفس هو غرض الإرادة.
هكذا يكون التعبير عن الإرادة معناه تنفيذها وتحقيق المصلحة التي كانت وراءها. وهذا يختلف جذرياً وكلياً عن معنى التعبير عن الرأي الذي هو مجرد شرح الرأي وتبيانه وتوضيحه دون تنفيذه وتحقيقه. التعبير عن الإرادة هو دائماً مقرون بتنفيذ هذه الإرادة وتحقيق مصلحتها.
وهكذا صرنا نفهم قول سعاده التالي: “إن الأمم كلها تريد الخير والفلاح لكن المشكل هو في إيجاد التعبير الصالح عن هذه الإرادة. فالإرادة العامة إذا لم تجد التعبير الصحيح في فكرة واضحة وقيادة صالحة تصبح عرضة لأن تقع فريسة المآرب التمثيلية” (من خطاب سانتياغو). الفكرة الواضحة لا تكفي، فالقيادة الصالحة هي ضرورية وهي التي تنفذ وتنجز وتحقق وتدرك الشيء الجديد، لأن عندها وسائل التنفيذ الموافقة.
وهكذا تكون الديمقراطية التعبيرية هي التي تأتي بقيادة صالحة قادرة على التنفيذ والتحقيق وإدراك (أي الوصول إلى) الشيء الجديد الذي يريده الشعب، وذلك لأن القادة يكونون مؤهلين لذلك، يملكون المؤهلات والامكانيات والقدرة على ذلك. وهكذا صرنا نفهم دور رتبة الأمانة وشروطها التي سمّاها الأمين الراحل هنري حاماتي: الشروط المؤهِّلة للقيادة.
ونعود الى السؤال: لماذا اختار سعاده كلمة التعبير والتعبيرية؟ الجواب هو لأن التعبير عن الإرادة معناه تنفيذ الإرادة وتحقيق المصلحة التي هي وراء الإرادة، وسعاده يريد الوصول الى التنفيذ والتحقيق.
سؤال: لكن لماذا لم يختر كلمة تنفيذ وتنفيذية ويسمي ديمقراطيته الديمقراطية التنفيذية؟ الجواب هو:
أن للفلاسفة لغتهم وموحياتهم وفهمهم لأبعاد أفكارهم وطريقتهم في التعبير عنها. وإذا كنا نصر على فهمها فهماً عادياً، وليس فهماً فلسفياً (لأننا نحن بشر عاديون ولسنا فلاسفة)، فإننا قد نقع في الالتباس ونكون سذّجاً وسطحيين إذ نطلب من الفلاسفة أن يعلموننا لغتهم ويترجمونها لنا بلغتنا، إن هذا غير ممكن.
رغم ذلك، فأن لغة الفلاسفة ومعاني أفكارهم ليست ولا يجب أن تكون طلاسم وأحاجي، بل معبِّرة تعبيراً يمكن فهمه. ولفهم الفيلسوف وفهم عباراته وأفكاره يجب علينا أن نقرأه كله، أي أن نقرأ كل أقواله وندرسه جيداً ونقرأه كثيراً ونتتبع عباراته أينما قيلت على لسانه أو كُتِبت بقلمه، حتى نفهم ما يريد أن يقوله لنا ويعلمنا إياه. هكذا يمكننا أن نعرف معنى كلمة تعبير وتعبيرية عندما تكون مقرونة بكلمة الإرادة، إنها تعني تنفيذ الإرادة وتحقيق المصلحة التي هي وراءها. فليس مهماً كثيراً لنا أن نعرف لماذا اختار سعاده كلمة تعبير وتعبيرية بدل كلمة تنفيذ وتنفيذية، المهم والمطلوب هو معرفة معناها والمقصود منها.
ثالثاً: وماذا عن المعاجم.
رغم ذلك، وإذا كان سعاده قد أخذ كلمة “التعبيرية” ترجمةً عن كلمة “أكسبرسّف” بالإنكليزية كما يرجِّح البعض، وإذا ذهبنا وفتشنا عنها في المعاجم، فإننا نستطيع أن نجد الى جانب معاني جمال التعبير الكلامي وحسن الشرح والتوضيح للآراء والأفكار ونقلها، معاني أخرى هي أقرب الى “الإنشاء وإدراك شيء جديد” كما يريد سعاده. وهذه بعضها:
Expressive = Powerful, stirring, forceful, dynamic, energetic, moving, charged (Cambridge dictionary).
وإذا تركنا الكلمة الانكليزية (أكسبرسِّف) وذهبنا الى التفتيش في معاجم اللغة العربية عن معنى كلمة “تعبير”، فإننا الى جانب معاني جمال التعبير الكلامي وحسن استعمال العبارات لنقل الأفكار والآراء، نجد أيضاً ما يدلّ على المعنى الذي يريده سعاده. فموسوعة الفقه الكويتية مثلاً، وفي ترجمتها لكلمة تعبير، تصنف وتفرِّق بين شيئين هما: التعبير عن الضمير والرأي والشعور من جهة والتعبير عن الإرادة من جهة أخرى، وتقول إن التعبير عن الإرادة قد يكون بالقول وقد يكون بالفعل.
أثبتنا هذه المراجع لنقول أنه حتى في المعنى القاموسي لكلمة تعبير، يمكننا أن نجد في “التعبير عن الإرادة” ما يعني الفعل وبالتالي الإنشاء والتحقيق والوصول الى شيء جديد. وهذا ما جعل البعض منّا يقولون إن الديمقراطية التعبيرية تعني الديمقراطية الفعلية، أو الديمقراطية بكل ما للكلمة من معنى، وذلك صحيح أيضاً.
لكن مهما يكن من أمر فإن استعمالنا لعبارة “التعبير عن الإرادة العامة” و”الديمقراطية التعبيرية” بالمعنى الفلسفي الجديد الذي أراده سعاده، لا يمنع أبداً من استعمال كلمة تعبير وتعبيرية وتمثيل وتمثيلية بالمعنى اللغوي الأدبي في كل ما لا يتعلّق بمعنى الديمقراطية التعبيرية الجديدة.
فالتمثيل بمعنى الإنابة، والتعبير بمعنى البيان الكلامي، هي أمور طبيعي أن تحدث وأن نقوم بها. فرئيس الحزب مثلاً يمثل الحزب لدى الأوساط السياسية الأخرى (بمعنى ينوب عنه). ومجلس المنفذية هو مجلس تمثيلي (بمعنى أنه يتكون من ممثلين- مندوبين عن المديريات). والرفيق الفلاني يمثل عميد الإذاعة في مهرجان منفذية دمشق إحتفالاً بعيد أول آذار… لكن لا رئيس الحزب ولا مجلس المنفذية ولا الرفيق الفلاني يكونون بذلك يمارسون الديمقراطية التمثيلية.
نقول ذلك لأن البعض منّا يغالي كثيراً ويقع في الحَرفية ويقول ، مثلاً، رئيس الحزب لا يمثل الحزب بل يعبِّر عنه!! الواقعية والموضوعية تحتم علينا الخروج من هذه الترهات، إن تمثيل الحزب أو التعبير عن موقف الحزب هما شيئان متطابقان ولا فرق بين هذا القول أو ذاك.
أن عميد الإذاعة يعبِّر تعبيراً ممتازاً عن موقف الحزب من هذه المسألة السياسية، وناظر إذاعة منفذية بيروت يعبِّر تعبيراً ممتازاً عن العقيدة القومية الاجتماعية، والرفيقة الفلانية تعبِّر عن مشاهر الفخر والاعتزاز لبطولة رفقائها في معركة الدفاع عن الحزب وأعضائه… لكن لا عميد الإذاعة ولا ناظر إذاعة بيروت ولا الرفيقة الفلانية يكونون بذلك يمارسون الديمقراطية التعبيرية، أن تعبيرهم عن الموقف وعن العقيدة وعن المشاعر لا علاقة له بمعنى التعبير في الديموقراطية التعبيرية.
التعبير عن الإرادة العامة، حسب النظرة الفلسفية الجديدة الى الديمقراطية، هو تنفيذ الإرادة العامة وتحقيق المصلحة العامة التي هي وراءها. إنه يختلف جذرياً عن التعبير عن الموقف أو الرأي أو الفكر أو الشعور أو أي شيء آخر.
رابعاً: وماذا عن التمثيل السياسي.
إن قول سعاده بالتعبير عن الإرادة العامة بديلاً عن تمثيل الإرادة العامة لا يعني أبداً أن سعاده يرفض التمثيل السياسي داخل السلطات التشريعية في الدولة. إن التمثيل السياسي للأحزاب والإتجاهات السياسية الموجودة في المجتمع هو شأن طبيعي أن يحدث في الأنظمة الديموقراطية كلها، ومنها الديمقراطية التعبيرية. لا يجوز الذهاب بعيداً ومنع الأحزاب من أن تشترك في الانتخابات العامة بالتالي أن تتمثل في برلمانات الدول الديمقراطية. ذلك أن التمثيل السياسي هو غير “تمثيل الإرادة العامة”. التمثيل السياسي هو شأن آخر يتعلق بإظهار أحجام الإتجاهات السياسية وقوتها وشعبيتها، والقبول به لا يعني القبول بالديمقراطية التمثيلية. الديمقراطية التعبيرية تقبل بتمثيل الأحزاب السياسية في البرلمان، لكنها لا تقبل بأن يتولّى السلطة غير المؤهلين لها، أي أصحاب المؤهلات القادرين على التعبير عن الإرادة العامة، وهؤلاء موجودون في مختلف الاحزاب السياسية.
إن قول سعاده بالديمقراطية التعبيرية وأنها إنقلاب جاءت به الفلسفة القومية الاجتماعية وأنها الإكتشاف السوري الجديد الذي ستسير بموجبه البشرية في المستقبل، لا يجب أن يذهب بنا الى سوء التأويل وتخيّل أنه يدعو الى قمع الشعب ومنعه من إظهار حركاته السياسية وإتجاهاته الفكرية وتمثيلها في البرلمان. إن سعاده يدعو الى الصراع الفكري لا الى القمع. إنه يدعو الى الحرية لا الى الطغيان.
إن سعاده لا يرفض إظهار حجم الاتجاهات السياسية في المجتمع وتمثيلها في البرلمان. أن الاتجاهات السياسية وأحجامها هي أحجام متحركة ومتبدلة تتغير صعوداً ونزولاً في سياق الصراع الفكري الذي يدعو إليه، وهي ليست جامدة وثابتة ودائمة مثل الأكثريات والأقليات الطائفية والعرقية. هذه الأخيرة هي التي يرفض سعاده تمثيلها في البرلمان. ذلك لأنها ليست أحزاباً سياسية ولا يجب أن تتحول الى أحزاب سياسية. إن سعاده أصلاً لا يعترف باقليات وأكثريات على أساس طائفي أو عرقي بل بمجتمع واحد وأمة واحدة “موحدة المصالح موحدة المصير”. أن سعاده لا يعترف بمصالح مستقلة ومتمايزة للمجموعات الطائفية والعرقية، ولا يعترف بتمثيلها السياسي.
إن الإعتراف بالحركات والإتجاهات السياسية الموجودة في المجتمع، وتمثيلها السياسي، هو شيء طبيعي يندرج في معنى الحرية والصراع الفكري. أمّا الاعتراف بمصالح متمايزة لمجموعات طائفية أو عرقية ثابتة والسماح لها بتمثيل سياسي لتحصيل مصالح خاصة، فهو شيء خطير جداً يتنافى مع وحدة المجتمع ووحدة حياته ومصالحه ومصيره.
* ملاحظة المحرر: ترد في نص المقال المنقول عبر الرابط أعلاه عبارة “فالإدارة العامة إذا لم تجد «التعبير» الصحيح في فكرة واضحة وقيادة صالحة تصبح عرضة لأن تقع فريسة للمطامع والمآرب «التمثيلية”. والصحيح هو كلمة “فالإرادة” وليس الإدارة، فاقتضى التنويه.
رائع..رائع ومهم جدا….شكرا رفيقي.
ان ارتقاء شرح التعبير الى الارادة والمصلحة ياخذ الالباب ويضيف بعد جديد لمفهوم” المصلحة والارادة قطبا المجتمع” في ادراك عمق وشمولية العقيدة القومية الاجتماعية