“كوشيم” السومري – أقدم إسم مكتوب في التاريخ
Share
حققت “دار بلومزبري للمزادات” في لندن رقماً قياسياً بلغ 140 ألف جنيه إسترليني ثمناً للوح طيني سومري عُرض للبيع في الثامن من تموز الحالي. ولم يكن اللوح المربع الشكل، طول ضلعه سبعة سنتيمترات، من تلك اللقى المعتادة التي يتم الكشف عنها بالمئات وبالألوف خلال التنقيبات الأثرية في العراق والشام… إنما هو يمتاز عنها كلها بخصائص جعلته يُحقق ذلك الرقم القياسي، علماً بأن تقديرات الدار توقعت سعراً يتراوح بين 70 و90 ألف جنيه.
إذن ما هي ميزة هذا اللوح الذي عُثر عليه بتاريخ غير محدد بين أطلال مدينة أوروك السومرية (حالياً الوركاء في جنوب العراق)، ويعود إلى العام 3100 قبل الميلاد؟
القراءة الأولية للنقش المسماري على اللوح تشير إلى أنه عبارة عن تسجيل لعملية إنتاج البيرة والاتجار بها في مدينة أوروك وضواحيها. لكن هناك ألوف الألواح الطينية التي تسجّل عمليات إنتاجية وتجارية مشابهة في مختلف المدن السومرية الواقعة إلى الجنوب من وادي الرافدين. إلا أن هذا اللوح بالذات يمتاز بأنه يحمل اسم الكاتب السومري الذي سجّل النص: “كوشيم”… أي أننا أمام أقدم اسم علم معروف ومكتوب في التاريخ البشري حتى الآن!
قبل خمسة آلاف سنة تقريباً، كانت أوروك أكبر مدينة ـ دولة في العالم، ويتراوح عدد سكانها ما بين 50 و80 ألف نسمة. ونظراً إلى التطور الاجتماعي والاقتصادي المرتبط بالحياة المدينية، إستنبط السومريون نظاماً كتابياً (تصويرياً ومقطعياً في المرحلة الأولى) من أجل تنظيم السجلات الرسمية للدولة وحفظها في المعبد المخصص للربة إينانا.
يحمل اللوح نقوشاً تصويرية مقطعية تمثل الشعير، ومخمرة الانتاج، وجرة ترمز إلى الخزن والتوزيع. أما النقاط الغائرة فتعطي أرقام الكميات المُنتجة والفترات الزمنية لتسليمها. وفي الجهة العليا من اليسار قرأ علماء السومريات المقطعين: “كو” و”شيم”. وهم يعتقدون بأنه اسم الناسخ الذي “كتب” المعلومات المذكورة على اللوح، وبالتالي يكون أول توقيع لاسم شخص معروف في التاريخ. وقد تبيّن أيضاً أن هناك 77 لوحاً عُثر عليها في معبد إينانا، كلها بخط “كوشيم”. وهي موزعة في عدد من المتاحف والمؤسسات الجامعية… باستثناء هذا اللوح الذي كان ملكية خاصة قبل بيعه بالمزاد العلني.
وحسب معلومات “دار بلومزبري للمزادات”، فإن اللوح كان ضمن مقتنيات جامع التحف السويسري هانس أرلنماير وزوجته ماري لويز بمدينة بازل. وآخر مرّة عُرض للبيع سنة 1988 في “دار كريستي” وحقق مبلغ 24300 جنيه إسترليني. وحينها لم يكن خبراء النقوش السومرية قد فكوا معنى الرموز “المكتوبة”. وفي العام 1993 إشترى رجل الأعمال النرويجي مارتن شويان اللوح من تاجر عاديات في لندن، وهو الذي طرحه للبيع مع مخطوطات أخرى تحت عنوان “تاريخ الخطوط الغربية: مختارات من مجموعة شويان”.
لكن اللوح ليس غربياً… اللهم إلا إذا كان المقصود القول بأن الخطوط المستعملة في الغرب تعود في أصولها إلى تلك الألواح الطينية المنقوشة بالحرف المسماري، ومنها تفرعت كل الخطوط في حضارات العالم القديم.