عروبة العرق والدين واللغة، وغياب فكرة الوطن
Share
إن حديث الرئيس السوري بشار الأسد الأخير في جامع العثمان في دمشق، الذي أكد فيه على ثلاثية العرق والدين واللغة، وأصرّ عليها كمقومات أساسية للقومية العربية، وركائز تقوم عليها الدولة السورية، والذي أصرّ فيه أيضاً على عدم فصل الدين عن الدولة، كي لا يفصل الدولة عن المجتمع، هو حديث بدا كأنه موجه خصيصاً لنا كسوريين قوميين اجتماعيين. ذلك لأنه حديث أتى تصديقاً لخطبة وزير الأوقاف التي أنكر فيها وجود الأمة السورية وهاجم فكرة فصل الدين عن الدولة التي تشكل المبدأ الاصلاحي الاول من مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي.
إن تلك الخطبة وذلك الحديث استفزّا الكثيرين من السوريين القوميين الاجتماعيين وأثارا غضبهم، وشعروا أنهم مستهدفون في إيمانهم وجهادهم الكبير المستمر والمتواصل وما خضّب هذا الإيمان وهذا الجهاد من عطاءات وتضحيات كبرى من أجل سورية وحياتها وسيادتها وعزتها وكرامتها.
لكن وقفة تأمّل وتفكير عميق بالأسباب التي دفعت لتلك الخطبة وذلك الحديث تجعلنا نفرح ونشعر بالربح وليس بالخسارة، تجعلنا مطمئنين أن إيماننا صحيح وأن جهادنا قد أثمر وجعل الناس، في أعلى مستوى، يعيدون النظر بما كنا ننبههم عليه منذ عقود عديدة وسنين طويلة أنه أوهام يجب الاستفاقة منها ومن ضلالها الكارثي على بلادنا وشعبنا ومصالحه ومستقبله كله.
أن يتناول رئيس الدولة السورية فكرة الأمة والقومية ومعناها، أكانت عربية أم سورية، وفكرة فصل الدين عن الدولة، تأييداً أم رفضاً، يعني بحد ذاته إعادة نظر بما كان مسلمات خارج النقاش. أن مجرد النقاش في المسلمات يعني أنه لم تعد مسلمات بل صارت شيئاً يجب الدفاع عنه. صارت شيئاً موضع شك، أو على الأقل صارت بحاجة للدفاع عنها وإعادة تقديمها من جديد.
إذا عدنا سنتين بالتمام والكمال الى الوراء، أي الى 17-12-2018 إلى ما قاله وزير الخارجية السورية وليد المعلم رحمه الله، خلال لقائه أساتذة وطلاب جامعة دمشق تعليقاً على زيارة الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير لدمشق، نجد أن الوزير كان بحاجة لإعادة التأكيد على “الإيمان العميق بالعروبة”. لقد قال:
إن سورية رغم الأزمة التي مرت بها وتآمر بعض الدول العربية عليها تؤمن إيماناً عميقاً بالعروبة، وإن ما جرى في العالم العربي وضمنه سورية سببه الخلل في العمل العربي الذي لا بد من تصحيحه. (عن جريدة الوطن السورية). وكلنا نعرف أين أصبح عمر البشير اليوم وأين اصبح السودان كله. على الأقل يمكن القول أن عروبة البشير وعروبة السودان لم تكن مثل عروبة المعلّم.
إن أهمية هذه الأقوال والخطب والأحاديث وخطورتها تكمن في أننا صرنا نشهد مسؤولين سوريين رفيعين يحتاجون للحديث عن إيمان عميق بالعروبة في معرض الحديث عن أزمة وتآمر وخلل لا بد من تصحيحه! فالإيمان العميق بالعروبة لدى البعثيين كان على مدى ستين سنة شيئاً مقدساً نزيهاً خالصاً مثالياً لا يمكن ولا يجوز قرنه بأي نوع أو شكل من أشكال الخلل أو الخطأ الذي يجب تصحيحه. العروبة البعثية كانت للبعثيين تاج الفضائل، وكانت العلاج لكل الأمراض والأزمات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكانت هي الحل السحري لأي خلل من أي نوع، وبالتالي كانت منزهة في ذاتها عن أية أزمة أو شبهة خلل أو خطأ يجب إعادة النظر فيه لتصحيحه. أما اليوم فها هم يتحدثون عن “خلل في العمل العربي” وصاروا، على أعلى مستوى، يشعرون بالحاجة الى الدفاع عن “الإيمان العميق بالعروبة” والحاجة لإعادة التأكيد على “العرق العربي واللغة العربية والدين الاسلامي المحمدي” كركائز للقومية العربية؟!
هذه المقالة يكتبها سوري قومي أجتماعي لتناقش البعثيين في مضمون العروبة التي يؤمنون بها إيماناً عميقاً، كما لتناقشهم في أسباب الخلل في العمل العربي الذي لا بد من تصحيحه، ولتبين أن الأزمة والخطأ والخلل يكمن تحديداً في مضمون هذه العروبة البعثية نفسها، وليست فقط مجرد أزمة وخلل وخطأ في العمل لها. أن الخلل هو خلل علمي وعقائدي معاً يتعلّق بالمفاهيم والنظرة إلى العروبة ومعناها ومضامينها، وليس مجرد خلل سياسي يتعلّق بالعمل العربي والعلاقات السياسية بين دول العالم العربي وعلاقة هذا العالم بالعوالم الأخرى والسياسات الاخرى في العالم.
وهذه المقالة هي لتقول إن ما لا بد من تصحيحه هو شيء ذاتي داخلي يتعلّق بنا كسوريين وبنظرتنا إلى أنفسنا وإلى الآخرين، قبل أن يكون شيئاً يتعلق بتآمر بعض الدول العربية علينا.
أولاً: العروبة الوهمية والعروبة الحقيقية
لقد صار معروفاً ومحسوماً أن هناك مفاهيم عديدة للعروبة ومضامينها، وأن الحديث عن الإيمان العميق بالعروبة دون تعيين وتحديد، وكأن العروبة لها مفهوم ومضمون واحد، هو حديث تعمية يزيد الموضوع غموضاً والتباساً ولا يقدّم فكرة واضحة ولا موقفاً واضحاً، لا سياسياً ولا فكرياً. وأن مجرد الحديث عن أزمة وتآمر وخلل لا بد من تصحيحه، لهو إقرار صريح وفصيح بأن للعروبة والعمل العربي مفاهيم واعتقادات ونظرات ومقاربات متعددة ومختلفة وأحياناً متعارضة، وليست العروبة مفهوماً واحداً وليس لها مضمونٌ واحد ووحيد.
فالعروبة البعثية القائمة على أساس ديني ولغوي وعنصري، أي الدين الإسلامي واللغة العربية والعنصر العربي الآتي من الجزيرة العربية حسب كل من عفلق والحصري والأرسوزي، بالتالي، والقائلة بأمة عربية واحدة ووطن عربي واحد من المحيط إلى المحيط، هي غير العروبة المصرية الناصرية التي كانت قائمة على أساس إقتصادي سياسي مصري، وهي غير العروبة السعودية القائمة على أساس ديني سياسي عائلي، وهي بالتأكيد غير العروبة السورية القومية الاجتماعية القائمة على أساس علمي ترى الأمة واقع إجتماعي طبيعي وترى مصلحة حقيقية لجميع الناطقين بالعربية في إقامة جبهة عربية واحدة.
وإذا كانت كل من هذه العروبات تعتبر أنها هي العروبة الصحيحة وأن غيرها هي العروبة الزائفة، فلا شك في أن الحرية، حيث الحرية صراع فكري ينتج عنه دائماً غالب ومغلوب، هي الطريق والطريقة لتقرير الحق من الباطل حيث الحق هو انتصار في معركة العقائد والباطل هو انخذال في هذه المعركة.
أما استعمال قوة السلطة ووسائلها لفرض العقائد على الناس فرضاً، واستعمال القانون لقمع تفكيرهم والحجز على حريتهم وحرية عقائدهم، فهو من أخطر وأبشع الوسائل في التاريخ على الإطلاق.
ولنا من قانون الاحزاب السوري الذي أُقِرّ منذ سنة 2011 مثل عن كيف تتدخل السلطة السياسية في الدولة في عقائد المواطنين لقمعها بالقانون لدرجة أنه يمنع على السوري المولود في لبنان أو الأردن أو فلسطين وغير الحائز على جنسية الجمهورية العربية السورية، أي جنسية سايكس بيكو، من العمل السياسي والانخراط في الاحزاب السياسية السورية. بل أن القانون يمنع حتى على السوري الحائز الجنسية لكن المقيم خارج أسوار الجمهورية العربية السورية من أن يكون عضواً مؤسساً ومسؤولاً لحزب سياسي سوري، ويفرض عليه إثبات إقامته ضمن أسوار جمهورية سايكس بيكو بإفادة من مختار المحلة التي يقيم فيها!! (المادة 12 من اللائحة التنفيذية للقانون).
وهذا يعني أن الدولة – السلطة تشكك في وطنية وإخلاص مواطنيها المنتقلين من الشام إلى لبنان أو الأردن أوالعراق أو فلسطين، أو النازحين أو المغتربين الذين أبعدهم الفقر والقهر والظلم من مناطقهم ومن وطنهم، ولا تثق بهم وبولائهم لوطنهم سورية، فتقمع حريتهم وتمنعهم من العمل الحزبي العقائدي والسياسي، إلا بعد عشر سنوات من عودتهم والإقامة ضمن أسوار سايكس بيكو، حتى ولو كانوا عرباً في الاصل العرقي وعرباً في اللغة وعرباً في الاسلام!!
استثناء وحيد يلحظه القانون من شرط التمتع بجنسية جمهورية سايكس بيكو والإقامة فيها لعشر سنوات، وهو استثناء “أجانب الحسكة” (المادة 16 من القانون). ويقصد بأجانب الحسكة المواطنين السوريين من أصول كردية غير عربية المقيمين في سورية منذ آلاف السنين، لكن القومية العربية العنصرية أعتبرتهم أجانب وحرمتهم من مواطنيتهم الكاملة ولم يحصلوا على الجنسية السورية القانونية إلا منذ أقل من خمس سنوات.
لذلك يعتقد الكثيرون أن قانون الاحزاب الإنعزالي الجائر وضَعَه بعثيون لمصلحة حزبية بعثية وليس لمصلحة وطنية – قومية عامة، أكانت عربية أو سورية، وكأن هذا القانون فُصِّلَ لإشهاره بوجه الحزب السوري القومي الاجتماعي وتقسيمه على قياس سايكس بيكو، فهذا الحزب هو الحزب الوحيد في سورية كلها الذي لا يقف عند حدود سايكس بيكو الاستعمارية، ويبدو بذلك أنه الحزب الوحيد الصادق في عقيدته ومبادئه القومية. فهذا الحزب حسب قانون الاحزاب البعثي، ممنوع من العمل في الشام كما هو وكما هي عقيدته القومية. وكأن القومية العربية البعثية تقول: مسموح للسوري المولود خارج أسوار جمهورية سايكس بيكو بأن يحب وطنه سورية وشعبه السوري ويقاتل ويستشهد من أجله في درعا ودمشق وغوطتها وفي حمص وحماه وإدلب وحلب ودير الزور، ولكنه ممنوع من العمل الحزبي العقائدي والسياسي ولا يحق له ذلك، حتى ولو كان مسلماً في الدين وعربي الأصل وعربي اللغة!!
ثانياً: مكامن الخلل الذي لا بد من تصحيحه
-
إن هذه العروبة التي تؤمنون بها أيها البعثيون إيماناً عميقاً تميز في الحقوق السياسية بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة؟ فالخلل يا ناس هوَ خللٌ موجود في عروبتكم نفسها، هذه العروبة التي تعترف بمعاهدة سايكس بيكو الاستعمارية وتسن القوانين على أساسها، إنها تميز في الحقوق بين من هم داخل أسوار سايكس بيكو ومن هم خارجها. إنها عروبة وهمية كاذبة متناقضة تقول بأمة واحدة لكنها تميز في الحقوق المدنية والسياسية بين مختلف فئات هذه الأمة الواحدة.
-
وما هذه العروبة التي تؤمنون بها إيماناً عميقاً والتي تعتبر ملايين السوريين في سورية “أجانب” لا ينتمون إلى قوميتكم وليسوا جزئاً لا يتجزأ من أمتكم، لمجرد أنهم لا يتحدرون من العنصر العربي ولغتهم الأصلية غير عربية؟ ما هذا اللغو وما هذه الجهالة الكاملة وما هذه القومية العنصرية التي تعتبر ملايين الناس المنتمين إلى وطننا لا ينتمون إلى أمتنا، أي هم ليسوا منّا، لمجرد أنهم لا يتحدرون من “عنصرنا”، العنصر العربي.
-
وما هذه العقيدة التي تقول بقوميات وأمم متعددة في الوطن السوري الواحد، أي بوطنية مؤلفة من عدة قوميات، في مقابل قومية واحدة مؤلفة من عدة وطنيات؟! وما هذا “الوطن العربي” الذي لا أسم له والذي يحتوي في داخله عدة أوطان تستولد عدة وطنيات. وطنية سورية واحدة تتضمن عدة قوميات، وقومية عربية واحدة تتضمن عدة وطنيات؟! ما هذه الشعوذة وما هذا العلم الذي يُخفى على العلماء؟! ألم يحن الوقت كي تتعلموا معنى الوطن والوطنية ومعنى الأمة والقومية؟!
ألم يحن الوقت كي تعرفوا أن الوطن هو البيئة الطبيعية التي تنشا فيها الأمة، وهو الجامع المشترك الوحيد بين مختلف العناصر والأعراق والأديان والاصول اللغوية، وأنه هو الحاضن لجميع المواطنين الذين وحّدوا حياتهم ضمنه ووحدوا مصالحهم ومصيرهم فيه؟! ألم تدركوا بعد أن الوطن هو الذي حضن ومزج جميع العناصر والسلالات والأعراق التي نزلت فيه عبر التاريخ، وفيه نزلت أديان عديدة وتبدلت وانتقلت وتشيعت وانقسمت وبقي هو؟! ألم تتعلموا أن لغات عديدة نشأت وتطورت وتبدلت في وطننا الواحد وهو بقي ولم يتبدل ولم يتغير؟! ألم تعرفوا بعد أن الثابت الوحيد هو هذا الوطن وبريته وجباله وسهوله وأنهاره، وهذا التفاعل الاجتماعي الإنساني المنصهر فيه، وأن كل ما عدا ذلك هو متطور ومتغير ومتبدِّل؟
لقد حان الوقت أيها البعثيون أن تتعلموا معنى الوطن والأمة والقومية وتدركوا “العلاقة الحيوية غير قابلة الفصل بين الأمة والوطن، وأن الترابط بين الأمة والوطن هو المبدأ الوحيد الذي تتم فيه وحدة الحياة”. أن فهم الأمور علمياً يُخرِج معنى الأمة من الخضوع لتأويلات دينية وسلالية ولغوية مغايرة لوضع البلاد ومنافية لمصالحها الحيوية الأخيرة ومهددة لوحدتها ووحدة حقوق ومصالح أبنائها.
كنا ننتظر من سيادة الرئيس أن يكون حديثه اليوم منسجماً مع ما أعلنه في 20 آب سنة 2011 حيث قال ما معناه أن الأمة مجتمع واحد وليس فئة في ضيافة فئة أخرى، ليس أكراداً في كنف عرب وليس عرباً في كنف أكراد، بل الجميع سوريون في وحدة حقوق سياسية ومدنية كاملة. يومها قال حرفياً:
“سورية من دون أي مكون من مكوناتها لا يمكن أن تكون سورية التي نعرفها ولا يمكن أن تكون مستقره، سورية لا يمكن أن تكون مستقره إن لم يشعر كل مواطن أنه أساس وليس ضيفاً وليس طائراً مهاجراً لا يمكن أن يكون وطنيا….ونعتبر الحاله الوطنيه العامه بالنسبه للأكراد والعرب وغيرهم هي بديهيه .
وقال أيضا: “نحن نتحدث عن حضاره عمرها خمسة الاف عام على الأقل ربما منذ كُتِب التاريخ وقبل ذلك، لا نعرف. ولكن بكل تأكيد كنا موجودين قبل ذلك بكثير فهذا الشعب موجود وفي كل مرحلة من المراحل في التاريخ كان يصبح أقوى، ومن هنا أتت الحضاره السورية بشكلها الراهن ولا يمكن أن تسقط إلا إذا أتت أزمه وأنهت سورية بشكل كامل، ولا أعتقد أننا في أزمه ستنهي سورية”.
كنا ننتظر من الرئيس الثبات على كلامه المذكور أعلاه وتطوير الخطاب البعثي التقليدي باتجاه المزيد من فهم وحدة حياة جميع السوريين بكل عناصرهم وأصولهم العرقية واللغوية، وفهم وحدة مصالحهم ووحدة مصيرهم في وطنهم الواحد، وإدراك أن هذا بالضبط هو معنى الأمة، وأن هذا بالضبط هو معنى القومية. فالأمة هي وحدة حياة الشعب المتولدة منذ ما قبل الزمن التاريخي الجلي بفضل تفاعل عناصره مع بعضها ومع وطنها الواحد الذي يحضنها ويوحد حياتها ومصالحها ومصيرها. والقومية هي هذا الفهم وهذا الإدراك، هي يقظة الأمة وتنبهها لوحدة حياتها ومصالحها ومصيرها في وطنها الواحد، بغض النظر عن تعدد أصولها العرقية والدينية واللغوية.
أن الأزمة الكردية التي وصلت لدرجة التهديد بالانفصال وتجزئة سورية وتقسيمها والارتماء في أحضان الاعداء والاستقواء بهم، سببها الرئيس هو العنصرية. عنصرية الأحزاب الكردية وعنصرية قوميتكم العربية وتمييزها بين عربي وكردي وحرمان الأكراد من مواطنيتهم السورية المتساوية مع بقية السوريين في الحقوق المدنية والسياسية. وأن المسألة الكردية وأزمتها ليست بسبب “الخلل في العمل العربي” بل بسبب الخلل في نظرتنا إلى أنفسنا كسوريين وإعتبارنا أنفسنا أمماً وقوميات بدل أن نكون أمة واحدة وقومية واحدة فوق أرض وطننا الواحد سورية.
إن قانون الأحزاب الرجعي والانعزالي الذي وضعتموه والذي زينتموه بعبارات الوحدة الوطنية وتعميق الشعور بالمواطنية، وبعبارات وشعارات جميلة مثل: “عدم قيام الحزب على أساس ديني أو مذهبي أو قبلي أو مناطقي أو على أساس التمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون” يتفق كل الاتفاق في مواده مع قوميتكم العربية الطائفية العنصرية ذات الأساس الديني والعرقي العربي الذي يميز بين المواطنين السوريين على “أساس ديني ومناطقي وعرقي”، مما يبرهن أن عدم التمييز هو كلام تجميلي فقط. فلو كان عدم التمييز حقيقياً وجدّياً لكان حزبكم هو أول حزب يجدر منعه من العمل السياسي في سورية لأنه يميز بين الكردي والعربي على أساس عرقي وليس فقط على أساس لغوي. لولا هذا التمييز العرقي لاعتبرتم الأكراد الذين اكتسبوا اللغة العربية وتكلموها، عرباً مثلكم مساوين لكم في قوميتكم العربية. إن استمراركم في إخراج السوريين الأكراد من قوميتكم العربية رغم اكتسابهم اللغة العربية وتكلمهم بها، هو دليل أنكم تميزونهم على أساس عرقي وليس فقط على أساس لغوي.
أما فصل الدين عن الدولة فقد أدى رفضكم له وأدى دمج الدين بالدولة إلى إنشاء وزارة طائفية لا تعبّر عن مصالح عامة وإرادة عامة لجميع السوريين هي وزارة الأوقاف. لقد أعدتم سورية المتعددة الأديان والمذاهب الدينية إلى عهد الدولة الدينية الأحادية المذهب التي كانت من أهم أسباب تقسيمها وتخلفها. إن رسالتكم ليست خالدة لأنها رسالة دينية أحادية وعنصرية لا تتفق ابداً مع رسالة السوريين إلى العالم عبر التاريخ حيث كان السوريون رواد في الفلسفة والعلم والتشريع والقانون والفن والموسيقى والحرف والأبجدية، وكانت سورية أمة معلمة وهادية للأمم ومنها اكتسب الإغريق والرومان وتعلموا، حتى أنه قيل: “لكل مواطن في العالم وطنان، وطنه الأم وسورية”.
إن قانون الاحزاب وقانون وزارة الأوقاف الذي تمخضت عنه قوميتكم العربية الدينية اللغوية العنصرية قد برهن أنكم لم تستفيدوا بشيء من هذه الحرب المدمرة وأسبابها الداخلية التي شلّعت الشعب السوري ونكبته وهجرته في أصقاع الأرض، وهذا القانون لا زال يلقي بثقله على السوريين ووحدتهم ويهدد شعورهم بأنهم مجتمع واحد.
إن تباشير انتصار السوريين في هذه الحرب الظالمة التي شنتها اليهودية الصهيونية عليهم واتخذت من بعضهم أدوات لها، واستفادت كثيراً من تزعزع الوجدان القومي السوري وضعفه، هي تباشير واضحة فيها كل الأمل والثقة بالغنتصار الأخير، فما بالكم تهدرون هذا الانتصار وتتمسكون بعوامل التمييز والقسمة وتصدرون القوانين الطائفية والانعزالية التي تؤسس لحروب جديدة؟!
إن نكران وجود الأمة السورية يعني نكران وجود الوطن السوري. وعندما نخسر الوطن لا يعود ينفعنا لا دين ولا لغة ولا عنصر. إننا نتوقع من حكوماتنا أن تكون عوامل جمع وتوحيد وليس عوامل قسمة وتفريق. نتوقع تعزيز الشعور بوحدة الحياة التي تجمع السوريين في وحدة مصالحهم ووحدة مصيرهم في هذه الحياة، ولا نتوقع نكراناً لوجود “الأمة السورية” التي هي فخارنا وعزتنا وشرفنا وقدس أقداسنا.
نعم يجب إعادة النظر بالمفاهيم الاساسية، لأن هناك “خلل لا بد من إصلاحه”.