صياح الوحدة ونعمة الانقسام – غسان عبد الخالق
Share
هل صحيح أن “كل بيت ينقسم على نفسه لا يثبت”؟ كما يرد في إنجيل متّى (12:25)
قبل الوصول الى بيت القصيد، لا بد من تعريف البيت المقصود في الاستهلال الآنف، إنه الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تأسس عام 1932 على يد انطون خليل سعاده بتعاقد حر بين مؤسسه والمقبلين على دعوته، ودعوته محصورة بأمة عيّنها (سورية) وحدد نطاقها الجغرافي في مبدأ حزبه الأساسي الخامس. وفي هذا التحديد ردّ على سياسة التفتيت والانفلاش التي اتبعتها الامم المنتصرة بالحرب العالمية الثانية بمساندة بائعي الاوطان ممن فاوضوا باسم الشعب فكان خير عائن للمستعمر على شعبهم. هذا الشعب الذي قبع خمسمائة عام تحت حكم عثماني استغل الدين ليتحكم بالبلاد والعباد الأمر الذي ادى الى مجاعة ومجازر بحق أبنائه. الشعب الذي هضم الهجرات والافكار المنسوبة للسماء فيما عرف بالتوحيد او التسليم، وتفاعل مع جميعها بحيث غدت المنطقة كما الحديقة الفواحة تضم اعراقا واديانا ومذاهب تنتج فكراً وصناعة وغلال.
في الدعوة
دعوة الآخر وتعيين الغرض منها، يحتم مسؤولية على الداعي وواجب على المدعو إذا ما قبلها. وهذا ما فعله صاحب الدعوة حيث أقسم يمين الزعامة وحصرها بتحقيق الغاية المنشودة الواضحة والجلية، وطلب من المقبلين ان يقسموا على احترام قسمهم وتأييد الزعامة بما تقوم به لتحقيقها، واعطاهم الحق بالمراجعة في اي شأن يشعرون بانه ملتبس او يظنوا انه غير متوافق مع ما اقسموا عليه.
الدعوة ما بعد سعاده
لن ندخل في تجربته الاولى التي أدت الى إعدامه، بل بمسار ومصير الدعوة التي على أساسها أقسم من أقسم على تحقيق غايتها. وتجدر الاشارة هنا أن الدعوة في الغياب القسري للمؤسس (1947-1938) تعرضت للتشويه من قبل القيادة التي أناط بها صاحبها حمل الراية، واستطاع بعد عودته تصويب المسار بعد حوار مع من تولوا المسؤولية بغيابه انتهى بطرد وفصل وتأنيب كل المشاركين بعملية التشويه. وكان لقسم الزعامة دور أساس في شرعية ما أقدم عليه. من المعروف انه أعدم على أثر فشل ثورته الاولى وآلت القيادة الى أحد اهم كوادره مع العديد من قيادات ذاك الزمن.
تعزو كريمة سعاده، الدكتورة صفية، سبب عدم دخولها الحزب، إلى تخاذل القيادة في أخذ المبادرة مع علمها بمصير زعيمها إن بدمشق او بعدم ابلاغ القوميين في لبنان. وإذا ما تتبعنا أثر تلك القيادة إن لجهة أسلوب قبضها على السلطة، او لما دونته الامينة الاولى التي هي قرينة سعاده، نجد انها حاولت مصادرة قسم الزعامة دون مضمون التطبيق. ويتمظهر ذلك من خلال الانشقاق الذي حدث عام 57 والذي على أثره دخلت الدعوة في حيص بيص السياسة، إن بموقفها من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر او لاحقا بانقلاب ال 61، لتتوالى الانشقاقات قبيل حرب لبنان وعلى أثره، كما وتتوالى الوحدات. فيدفع اهل الصفاء الثمن ويتنعم الانتهازيون بما يسمى سلطة. كل هذا يدل على أن المسيرة ليست على ما يرام وان النضال والسجون والشهادة التي قدمها أعضاء الحزب لم تؤطر في المكان المناسب. بل ويمكن الاستطراد والاستنتاج أن المواقف السياسية كانت تتم لأسباب خارجة عن مصلحة الأمة سواء أكان ذلك نتيجة تسرع أو ارتباط.
ماذا عن العنوان
مؤخرا حصل انقسام جديد وهذه المرة ملفت لأنه لم يحمل طابع عقدي او سياسي، بل سوء الاداء حسب ما نسمعه من بعض الذين توزعوا على ضفتي الانشقاق. واللافت للنظر هو انقلاب المواقف من بعض الذين كانوا من أكثر الناس تأييدا لمن يسمي نفسه الآن “صاحب النهج”، ضد هذا الشخص ونهجه، وكيف أن بعض المعارضات التي تنشر بياناتها هنا وهناك في هذه المناسبة او ذاك الاستحقاق شارك معظم من يتكلم باسمها بإطالة امد ما كان يجري اما من خلال الصمت او “لتمرير المرحلة” كما كانوا يقولون.
امام الصورة هذه والارباك الحاصل في صفوف القوميين أكانوا عاملين او قابعين في بيوتهم مضاف اليها الضباب المسيطر على المشهد برمته وعلى مساحة الامة، يمكن القول ان التشرذم الحالي انما هو نعمة ونربط ذلك بالاستهلال الذي بدأناه. نحن لا نريد لأحد ان يأخذنا إلى تجارب جديدة – قديمة. كفى. فنحن لا نعمل لدى أحد. إنه لأفضل ان يبقى من يريد العمل لقضية واضحة جلية منطَلَقا ومآلاً، ولتحقيق غايتها، بعيدا عمن يسعون لخلط هذه الغاية بغايات خصوصية أخرى. إن البيت لا ينقسم، بل يخرج منه من لم يعد يرى في الهدف الذي بني له هدفا له.