سريالية المشهد – رئيس التحرير
Share
يزداد المشهد الحزبي تعقيداً وسريالية. والسريالية، في أحد تعريفاتها، هي مدرسة فنية اشتهرت بكل ما هو “غريب ومتناقض ولا واعي”. ونحن نعتقد أن هذه الكلمات الثلاث تختصر المشهد الحزبي برمته.
نبدأ بحالة “إحراج الشاه أو الملك” التي فرضها أسعد حردان على القيادة الجديدة في الحزب. وعبارة إحراج الشاه هنا مستعارة من لعبة الشطرنج حيث يفرض لاعبٌ ضعيف، التعادل، (وفي الشطرنج القديم الفوز) عبر وضع ملكه في وضعيةٍ لا يستطيع معها حراكاً دون أن يعرضَ نفسه للموت. بالرغم مما يبدو لا عدالة ولا منطقية، إلا أن هذه الحركة معتمدة كثيراً في هذه اللعبة. الإحراج يبدو واضحاً عبر فرض حردان لحالةِ انشقاق يعرف أن القوميين لا يطيقونها، بحيث يصبح الخلاص من الانشقاق مطلباً آنياً ملحاً بغضّ النظر عن الثمن الذي سوف يدفعه الحزب في المستقبل.
ننتقل إلى القطعة الضرورية التي لا غنى للضعيف من الاتكاء عليها لفرض التعادل ألا وهي “المُصلِح القوي”. والمصلح القوي اليوم هو الشام. كان بيان سفارة الجمهورية العربية السورية في بيروت، في أعقاب مقال في صحيفة الأخبار عنوانه “حردان هو المشكلة …حردان هو الحل“، لافتاً لناحية تركيزه على “وحدة الحزب ورأب الصدع…وجمع الأفرقاء وتوحيدهم…” إلخ. وفي هذا ينطبق المأثور الشعبي: ” فارة وقعت من السقف قالتلها القطة اسم الله…قالتلها الفارة … اتركيني بحالي وانا بألف خير من الله.” العبرة هنا أن القوى الخارجية فيما هي تحاول “رأب الصدع وجمع الأفرقاء وتوحيدهم” تجمع الصالح بالطالح والمرتكب بالمُخلص وفق مصالحها هي وليس مصلحة الحزب.
غنيٌ عن القول إن حردان ما كان ليستطيع فرض إحراجه هذا لولا ضعف اللاعب في الطرف الآخر والأخطاء التي ارتكبها.
الصف القومي يقدم هو الآخر ألوانا تضيف إلى سريالية المشهد. فبين من هم ضد نتائج الانتخابات من سبق أن صرّح للصحف بقوله، “هناك مؤسسات تختار مسؤوليها ونحن لا نتدخل فيها. مين ما أخد إمنا منقلو عمنا…”. يبدو أن قائل هذا القول يقبل بالاختيار شرط ان يكون من أخذ أمه شخص واحد أحد. رفيقة تكتب: “في مثل بقول اللي أمنك ما تخونه حتى لو كنت خوان. لكن الظاهر إنهم غير مأتمنين على مصلحة الحزب وهم بذلك مرتزقة ثعالب غداريييين.”
تقف أمام هذا الكلام وتسأل: هل يقرأ الكاتب ما يكتب ويفهم خطورته؟ في نظرها، الانتخابات الحزبية هي صنوٌ للانتخابات اللبنانية حيث يقوم “الريّس” الاقطاعي المتنفذ، رئيس اللائحة، بـ “قبول” أعضاء فيها لقاء الولاء المطلق وبعد دفع المبلغ المعلوم مالاً أو خدمات. هؤلاء الأعضاء ليسوا “أمناء” على قضية الحزب، بل هم “مْأمَنين” أي “أمّنهم” الريّس، فلا تجوز خيانته تحت أي ظرف. نحن لا ننزه بعض أعضاء القيادة الجديدة عما تتهمهم به تلك القديمة. هؤلاء من قماشة واحدة وتتلمذوا في مدرسة واحدة هي مدرسة المصالح الشخصية. ولكننا نعجب أن ينحط مستوى تفكير بعض القوميين إلى مثل هذا الكلام.
تعيّن القيادة التابعة لحردان مجلس عمد جديد يضم عشرة عمد دون مصلحة. ما هي المصلحة في ذلك؟ الجواب بسيط، إنه جزء من عملية “إحراج الشاه” عبر تسخيف كل ما له علاقة بمؤسسات الحزب. ما يفعله حردان هو التالي: “تعيّنون مجلس عمد فيه ثلاثة عمد دون مصلحة، نعين مجلسا فيه عشرة. تعينون محكمة، نعين محكمة. تصدرون نعوة، نصدر اثنين. تعزّون، نعزّي. رِجْلُنا ورِجْلُكم إلى ان يملّ القوميون والشعب منا، فلا يبقى مناص لكم من قبولنا على شروطنا نحن.” لقد حفظ حردان دروس تسوية 1978 و1998 وهو يطبق ما تعلمه.
نأتي إلى المحكمة الحزبية التي عينتها القيادة الجديدة. فور تعيينها، يطلق أحد أعضائها نداء سياسيا شعبويا تحريضيا يعلن فيه موقفا سياسيا خطيرا، يستعدي به شخصية نافذة. لا يفهم القارئ الهدف من هذا النداء أو الإفادة ولكنه يشعر بالقلق. هل هذا موقف للسلطة التنفيذية أجازته السلطة التشريعية وكلفت به عضو المحكمة الحزبية! من يدري. هل لا يعرف حضرة عضو المحكمة أنه قاضٍ، وأنه، بعكس القاعدة التي تنطبق على الشعراء، لا يجوز للقاضي ما يجوز لغيره. أي لا يجوز للقاضي التصاريح السياسية ولا التعبئة الشعبوية ولا التنظيم الإداري؟ لا ندري. طبعا ولّع فايسبوك بين مؤيد وشاجب ومعترض وشامت. هل اتصل حضرة رئيس المحكمة بالقاضي المذكور موبخا أم معترضا؟ لا ندري. ولكن للحظة كتابة هذا النص، كان نداء حضرة القاضي لا يزال يشغل المتابعين لصفحته، بل هناك نداءات سياسية جديدة!
نصل إلى المؤتمر، وزبدة الكلام مؤتمر بوساطة ورعاية شامية، ينتهي بانتخابات جديدة. إذا كان هذا الأمر صحيحا، فإن توصيات المؤتمر ونتائجه وقراراته ستكون معلّبة. وفي التعليبة نفسها سيكون هناك قيادة متوافق عليها ولن تكون لصالح القضية القومية بل لصالح المتزاحمين والراعي المصلح.
هذه بعض نماذج المشهد بكل بشاعته وسرياليته ننقلها بحذافيرها.
تحت هذا المشهد، يعمل بعض القوميين المخلصين في القيادة الجديدة. يحاولون استقطاب الكفاءات والامكانيات، ينجحون مع البعض ويفشلون مع بعض آخر. معركتهم متعددة الجبهات: جبهة داخلية مع بقايا مدرسة حردان داخل القيادة الجديدة، معركة مع ماكينة إشاعات حردان، معركة مع قلة الخبرة أو الاكتراث كما تبين الأمثلة التي قدمناها أعلاه. طالما ان سيف تسوية مع حردان برعاية خارجية مسلط فوق الحزب، فإن هذه المعركة خاسرة.
والحل؟ يسألك مخلص وأكثر. لقد عرضنا أكثر من حل على صفحات هذه المجلة، ولكن كل واحد منها كان له تاريخ انتهاء صلاحية. فما كان يصلح بالأمس لم يعد يصلح اليوم. لم يعد يجدي عرض الحلول في حين أن القوميين لم يروا بعد أن لا جدوى من اللحاق بسراب التسويات. بداية الحل هي في أن تعرف ما هو اللاحل فترفضه. بعد ذلك، يمكن البدء بالبحث عن حلول مجدية.
مع الأسف، لا نرى حلاً من ضمن هذه اللوحة السريالية. الحل خارجها.
الحمد الله على انتحار المدعو غازي كنعان والا لعنة الدم كانت ام المواقف فمع كل انشقاق حيث يبداء بعملية اغتيال او يبداء الاغتيال بعد عملية الانشقاق وقد زهق الكثير من الارواح في لعبة قد تشبه لعبة الروليت ربما صدفة وربما خجلا وربما لم تعد هناك رؤوس كبيرة يجب ان تتدحرج .المهم كما تفضلت قد نحتاج الى سلفادور دالي اخر وليس لعلي مملوك . او علي عبد الرحمن .