افتتاحية الفينيق: زمن الاسئلة الصعبة
Share
نحن على قناعة راسخة، عززتها الأحداث خلال أكثر من قرن في سوريا والعالم العربي، بأن الفكر القومي الاجتماعي الذي حدد منهجه الأساسي أنطون سعاده هو العقيدة التي تكفل معالجة مشاكلنا المستعصية، وبالتالي بناء إنسان جديد قادر على إنهاض الأمة من كبوتها التاريخية.
ونحن نؤمن أيضاً بأن سعاده أسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي ليكون حاضناً لذلك الفكر، وعاملاً على تحقيق غايته التي هي بكل بساطة ووضوح: “بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها…”. ولن يكون لأي من مؤسسات الحزب قيمة ذات معنى إذا ما انحرفت بوصلة نشاطها عن تلك الغاية السامية.
لذلك يصبح من الطبيعي والضروري على أي مؤمن بالفكر القومي الاجتماعي، مواطناً كان أو رفيقاً عاملاً أو رفيقاً معتكفاً، أن يبادر إلى طرح الأسئلة الصعبة في زمن يتجاوز في خطورة أحداثه كل ما عانته أمتنا والعالم العربي منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم.
هل “الأحزاب” السورية القومية الاجتماعية الثلاثة العاملة الآن ما تزال ملتزمة بالغاية التي لأجلها أنشأ سعاده الحزب؟
لماذا تشرذم حزب الوحدة القومية الاجتماعية إلى ثلاث مؤسسات، وفي كل منها حالات اعتراضية متنوعة، ناهيك عن ألوف القوميين المعتكفين ومعهم عشرات الألوف من المواطنين المترددين في الانتماء نظراً إلى ما يرونه من إشكالات داخلية متواصلة؟
إذا كانت العقيدة القومية الاجتماعية أثبتت صحتها على كل الأصعدة القومية، وإذا كان الصف الحزبي إجمالاً على سوية راقية من العطاء والتضحية رغم كل الظروف المعاكسة… فلماذا تحولت “الأحزاب” الثلاثة إلى مجرد تابع صغير في علاقاتها السياسية والأمنية والمالية؟
ما هي جذور الأزمة في “الأحزاب الثلاثة”: هل تعود إلى خطأ في فهم العقيدة، أو خطأ في تطبيق الدستور، أو خطأ في الممارسة؟ أم أن المسألة لا تعدو كونها انحرافاً في المناقب أدى إلى تفشي سياسة الفساد والإفساد التي تتطلب قيام سلطة “منتحل صفة”… على حد تعبير أحد الرفقاء؟
هل يكمن الخلل في آليات نشوء السلطة، وفي ممارستها، وفي تداولها؟ وكيف يستطيع الصف الحزبي المنتظم أن يعالج مثل هذا الخلل من دون السقوط في إغراءات الصراعات الداخلية التي تستنزف حيوية القوميين يوماً بعد آخر؟
في ظل التركيبة الحالية لكل من هذه المؤسسات الثلاث، هل ما زال بالإمكان الرهان على الإصلاح من الداخل، أي من خلال الأطر ذاتها التي أنجبت تلك القيادات المتحكمة بمفاصل القرار لأكثر من ثلاثة عقود؟
إذا كانت الإجابة بـ”نعم”، وإذا كان الرهان ما يزال قائماً على الإصلاح من الداخل… فما هي الآليات التي يعتمد عليها هؤلاء، طالما أن سياسة المانح المستفيد تأخذ الحزب كل أربع سنوات إلى بوابة دائرية من هيئة منح تفرّخ أمناء، إلى أمناء ينتخبون مجلساً أعلى، إلى مجلس أعلى يمنح رتب الأمانة… وهكذا دواليك؟
أما إذا كانت غالبية القوميين الاجتماعيين قد فقدت أي أمل بالإصلاح من الداخل، وأدركت أن السلطة الحزبية ليست في وارد التخلي عن مقاليد السيطرة التي تضمن لها مصالحها الشخصية وتحميها من المساءلة الحزبية، وهي على أتم الاستعداد للإقدام على كل تعديل دستوري يناسبها… فأي مسار دستوري يبقى مفتوحاً أمام هذه الغالبية المتحرقة كي تستعيد الحزب إلى دوره الطليعي في أن يكون “حركة الشعب العامة”؟
طرح الأسئلة هو الخطوة الأولى. الوصول إلى الأجوبة هو الخطوة الثانية. لكن الصعوبة الكبرى هي في تحويل الأجوبة إلى برامج عمل وفق خطة نظامية دقيقة. هذا هو التحدي المصيري حزبياً وقومياً!