ريحة فطايس!
Share
في سالف الزمان، استيقظ أحد الملوك صباحاً، على رائحة “فطايس” أزكمت أنفه، “فقبّ من أربعته”، ثم نادى الحرس يسألهم عن مصدر الرائحة.
الجنود استغربوا الأمر فهم لا يشمّون شيئاً مما يشمّه الملك! قلبوا البلاط رأساً على عقب. في البداية ظنوا أن هناك كلباً قد فطس، لكن كلاب القصر لديها بطاقات وقد كانت كاملة العدد عندما عقدوا لها اجتماعاً سريعاً لإجراء التفقد. كان الملك يصرخ في الوجائب وعلى البرندات كي يسرعوا في القبض على مصدر الرائحة لكن دون جدوى.
جاؤوا بخبراء في الروائح وأطباء لإجراء تحاليل للهواء، لكن النتيجة كانت سلبية في كل مرة، فلا وجود للرائحة الكريهة في القصر ولا أحد يشمّها سوى الملك!
عقد الملك اجتماعاً طارئاً لمجلس الأعيان والمسؤولين، وأكد الحضور خلال الاجتماع أن الرائحة موجودة فعلاً لأنّ الأنف التاريخي للملك، لا يمكن أن يخطىء أبداً، فقد سبق أن اشتمَّ رائحة المؤامرات الخارجية وكان صاحب الفضل في كشف الشائعات والدسائس التي تمّ القضاء عليها قبل أن تنطلق في المهد.
توزع المسؤولون والجنود في القصر وأنحاء المملكة بحثاً عن الرائحة، أحد الأعيان قال إنها مرتبطة بالأنباء المغرضة التي يبثّها الأعداء هذه الأيام وهي دليل شؤم يؤكد وجود طبخة سيئة يعدونها للمملكة. الشعب كله راح يشمشم ويستنشق ويحاول القبض على الرائحة طمعاً بالجائزة التي رصدوها لأجل ذلك لكن بلا فائدة، الجميع كان يقول إن منخار المملكة لا بد أن يبقى مرتفعاً نزيهاً من كل الروائح التي تحاول النيل منه!!
مضى وقت طويل والملك أُصيب بالهستيريا. لقد رشّوا العطر في غرف القصر، ثم وزّعوا أصص الورد عند الزوايا، كما بخبخوا الديودوران والمسك على الأرضيات وفي الشوارع وداخل المقاهي والمنازل، لكن الملك بقي يشمّ رائحة الفطايس أينما ذهب، حتى في الأجنحة المخصصة للنوم والراحة والاستقبال وفي الحمام أيضاً، كانت الرائحة تزداد قوةً وتقضّ مضجعه، لقد اضطر إلى تأجيل اجتماعاته، بعد أن تقيّأ أثناء الاجتماع مع أحد الوفود الخارجية، الأمر الذي تسبّب في نشوب أزمة دبلوماسية لأن الوفد الضيف أخذ للموضوع أبعاداً سياسية واعتبر إقياء الملك في وجوه أعضائه رسالة خطيرة إلى قيادة مملكتهم الصديقة التي كانت على وشك توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي بين المملكتين!
توقفت مصالح البلد، وعُلقت اجتماعات مجلس الأعيان، وانتشر العَسَس في الشوارع يريدون القبض على تلك الرائحة الكريهة التي قيل إنها تحمل جواز سفر مزوراً لأن ملامحها لم تظهر على “الفيش” نهائياً. وطيلة هذا الوقت كان الملك يصرخ ويجري الاتصالات مطالباً بفعل أي شيء من أجل إيقاف هذه الرائحة مهما كان الثمن!
لقد فرضوا على أبناء الشعب أن يتحمّموا في اليوم عدة مرات، ففُقدت علب “السبلاش” والصوابين المعطرة وقناني الشامبو بسبب زيادة الطلب عليها، الشعب كله رجع “خلنج” من شدة النظافة، لكن الرائحة لم تتراجع قيد أنملة، وبات “خشم” المملكة في خطر.
في المساء، تعب الملك كثيراً. لقد شَاشَت نفسه، وأصابته “لعية” نفس، وبدأت ترتفع حرارته ويشعر بالوهن. فيما كانت الرائحة تعشّش في منخار الملك. إزاء ذلك، شكل مجلس الأعيان لجنة طبية تضم أرفع الدكاترة وأكثرهم خبرة من أجل المساهمة في حل الموضوع وحماية صحة الملك الذي بدأت تظهر عليه ملامح التعب. لقد أجروا للملك تحاليل دم وبول وبراز، لكن النتيجة كانت طبيعية، ثم لجؤوا إلى تنظير المعدة والتصوير الشعاعي. فيما كانت الأجهزة المختصة وجميع فئات الشعب يحبسون الأنفاس ويفكرون في حل لهذه المعضلة التي أحدقت بخشم المملكة ورمز عزتها!
في المساء ظهرت نتيجة التنظير وصور الرنين المغناطيسي والطبقي المحوري:
الملك المبجّل يعاني من عفونة كبيرة في المعدة نتيجة التهابات وأعطاب قديمة أهمل إصلاحها ولم يعالجها بشكل جذري. تلك الانتانات الداخلية هي المسؤولة عن رائحة الفطايس التي يشمها الملك أينما ذهب!
عرفتوا كيف؟