رتبة الأمانة – رئيس التحرير
Share
لعل رتبة الأمانة في الحزب السوري القومي الاجتماعي من أكثر الأمور المثيرة للجدل وأكثرها تأثيرا في مسار الحزب بسبب علاقتها بانبثاق السلطة فيه. راهنية البحث تتعلق بالحوار واسع النطاق حول عملية إنقاذ الحزب مما هو فيه والدور المحوري الذي يلعبه الممنوحون لهذه الرتبة سلبا وإيجابا. هذا وكان قد سبق للفينيق أن نشرت عددا من الأبحاث حول الموضوع أهمها مقال للرفيق شحادي غاوي بعنوان “كيفية تحصيل رتبة الأمانة“.
يتألف المرسوم عدد سبعة، مرسوم رتبة الأمانة، من سبع مواد، الثانية منها تتضمن شروط منح رتبة الأمانة، الثالثة والرابعة تتضمنان علامات حيازتها، الخامسة، الهدف منها، السادسة الاحترام الذي يناله حاملها، أما السابعة فلماذا يفقدها.
مرسوم عدد 7: رتبة الأمانة
“إنّ زعيم الحزب السوري القومي بناءً على المواد الأولى والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من الدستور يسنّ القانون التالي:
مادة أولى: تنشأ في الحزب السوري القومي رتبة عليا تسمى رتبة الأمانة.
مادة ثانية: يمنح الزعيم رتبة الأمانة لمن يستحقها وتتوفر فيه الشروط التالية:
- أن يكون قد مر خمس سنوات على اعتناقه العقيدة القومية ونظام الحزب السوري القومي وانخراطه في سلكه.
- أن يكون قد أظهر في مدة وجوده في الحزب السوري القومي فهماً صحيحاً للعقيدة القومية، وإيماناً بها وبمنشئها الزعيم، وعملاً نزيهاً خالصاً لها وللقضية الناشئة عنها، وحافظ على سلامتها وسلامة الحركة المنبثقة عنها ونظامها تحت كل الظروف.
- أن يكون مناضلاً ممتازاً بالفكر والفعل في سبيل القضية السورية القومية، مجاهراً بمبادئها، وأن يكون قد قام بأفعال وتضحيات غير اعتيادية في سبيل العقيدة والنظام.
- أن يكون، في جميع الظروف السهلة والصعبة، مثالاً في الإيمان بالزعيم والعقيدة والنظام، وفي الأمانة الكلية في القيام بالأعمال والمسؤوليات والمهمات التي أسندت إليه.
- ان يكون أظهر تفوقاً جلياً في الايمان القومي، وفي الإدراك العالي للعقيدة القومية، وفي الشجاعة والإقدام والحنكة في سبيل العقيدة وأهدافها.
مادة ثالثة: يُعطى حائز رتبة الأمانة شهادة برتبته ممضاة من الزعيم ويحمل علامتها.
مادة رابعة: علامة رتبة الأمانة: شريطة من حرير بالألوان الثلاثة: الأحمر والأبيض والأسود، من فوق إلى تحت، وزوبعة من الذهب.
مادة خامسة: يؤتمن حاملوا رتبة الأمانة على الأسرار الخطيرة في المهمات، ويُنتدبون للأعمال التي تقتضي صفات ممتازة.
مادة سادسة: على القوميين واجب الاحترام التام للأمناء فيقفون لتحيّتهم في المجتمعات والمجالس، ولهم التقدم على المنفّذين العامّين ونواميس العمدات في مراكز التشريفات في الاجتماعات والاحتفالات.
مادة سابعة: يتعرض لفقد الرتبة كلُّ من يُخِلُّ بشروطها، أو يستخدمها لغير مصلحة الحزب والقضية السورية القومية.”
هذه هي مواد المرسوم، ونبدأ البحث من المادة الخامسة، الهدف من القانون: إنه الائتمان على الاسرار الخطيرة في المهمات، والانتداب للأعمال التي تقتضي صفات ممتازة. الائتمان والانتداب. وواضح انه لا انتداب للمهمات الخطيرة إن لم يكن هناك ائتمان على الاسرار. ليست الرتبة “شرفية” إذا كما نسمع في بعض الأحيان، إن من ورائها هدفًا عمليًا هو تخصيص من يستحق بأعمال تقتضي صفات ممتازة، ومن أهم عوامل الاستحقاق، الائتمان.
ولكن الائتمان لا يكفي. بل هناك شروط عملية أخرى هي تلك التي نجدها في الشروط الخمسة التي تتضمنها المادة الثانية. الشرط الأول هو المدة الكافية لكي يُمتحن العضو، الثاني يتعلق بالفهم والإيمان والعمل والمحافظة على سلامة الحركة ونظامها تحت كل الظروف. الشرط الثالث يتعلق بالتميز في النضال فكرا وفعلا وتضحيات غير عادية في سبيل العقيدة والنظام. الشرط الرابع يتعلق بأن يكون المثال في الإيمان والأمانة. أما الشرط الخامس فمفرداته جديرة بالاهتمام: التفوق، الإدراك، الشجاعة، الإقدام والحنكة.
إن الكلمات التي وضعناها باللون الأسود كافية لإيضاح المزايا التي يجب ان يتمتع بها المرشحون لرتبة الأمانة. وعكسا، الاخلال بهذه الشروط، كلها، أو أي منها، كاف لتجريد حاملها من هذه الرتبة الهامة.
من استعراضنا لمسيرة منح رتبة الأمانة، سواء في عهد الزعيم أو بعده، نجد ثوابت يمكن لنا تتبعها ونوجزها كما يلي:
- هناك من مُنحوا الرتبة وأثبتوا عن أهلية مستمرة حتى وفاتهم أو لهذا التاريخ
- هناك من مُنحوا الرتبة عن استحقاق ومن ثم أخلّوا بشروطها ففقدوها قبل طردهم من الحزب ونكتفي بمثلين: نعمه ثابت وفخري معلوف
- هناك من مُنحوا الرتبة عن غير استحقاق ومن ثم جهدوا ليكونوا أهلا بها، وهؤلاء قلّة نادرة
- هناك من مُنحوا الرتبة عن غير استحقاق ولم يعبؤا بذلك، وهؤلاء، في رأينا، هم الأكثرية الساحقة الآن، ويشكلون أكثرية في المجلس القومي.
من أسوأ ما مرّت به الرتبة احتكار حامليها لمصدر انبثاق السلطة بعد استشهاد الزعيم، ومن ثم تقرير من يكون في المجلس الأعلى بسبب مشاركتهم الحكميّة في انتخابه. وكونهم أكثر عددا من مندوبي الوحدات بنسبة كبيرة يعطي الرئيس هامشا واسعا في الإتيان بمجلس أعلى يوافق رغباته، وقد شهدنا تكرار هذا الأمر خاصة في الثلاثين سنة الماضية.
كل هذا بالرغم من انه ليس في دستور سعاده ما يشير إلى ان الأمناء هم هيئة ناخبة إطلاقا. لقد أصر سعاده بعد عودته من المنفى ان يكون أعضاء المجلس الأعلى حكما من الأمناء. الأمناء إذا، حسب سعاده، هم من يُنتخب منهم إلى المجلس الأعلى، ولكن ليسوا هم من ينتخب المجلس الأعلى.
هذه الحالة، والتي يمكن اعتبارها عملية سطو بامتياز على حقوق القوميين في أن يكونوا هم مصدر السلطات فعلا وليس قولا جميلا، شارك فيها معظم الذين تبوؤا رئاسة الحزب بعد سعاده. من هنا نسمع بأمناء عبد المسيح وأمناء أسد وأمناء عبدالله وأمناء إنعام وأمناء عصام وأمناء أسعد (فقّاسة كمال). هكذا!
ما هو المخرج، خاصة في ظل الأزمة القائمة، وفي ظل تزاحم مبادرات “الإنقاذ”، والتي تتمحور في معظمها حول “المجلس القومي” القائم والمشكّل من أمناء ومندوبين؟
ليس هناك من ذكر في دستور سعاده لكيفية انبثاق السلطة بعد غيابه. ولكن إذا أخذنا مرسوم الطوارئ لسنة 1936 والذي شرحناه أكثر من مرة على صفحات هذه المجلة، نجد ان سعاده أناط بمندوبي الوحدات انتقاء قيادة حزبية إذا حدث طارئ منع القيادة من ممارسات صلاحياتها.
إننا، انطلاقا من الوضع القائم، والمرشح للوقوع في ما هو أسوأ، نكرر ما سبق لنا إعلانه على صفحات هذه المجلة في أكثر من مقال:
- وقف العمل برتبة الأمانة
- دعوة الوحدات الحزبية لاختيار مندوبين حسب المرسوم الدستوري عدد أربعة
- يختار المندوبون قيادة انتقالية تتولى مهمة مراجعة الدستور الحالي وإجراء التعديلات الضرورية عليه
- مراجعة ملفات الأمناء الحاليين واتخاذ الإجراءات التصويبية اللازمة
- انتخاب قيادة جديدة وفق الدستور الجديد.
هذا ما نراه مسارا سليما لإنقاذ الحزب من التخبط الذي يعاني منه.