كيفية تحصيل رتبة الامانة –شحادي الغاوي

image_pdfimage_print

الأمناء هم لتولّي السلطة وليس لإنتخابها.

الأمناء هم ليكونوا رجال السلطة ونساؤها وليس مصدرها.

لقد فتحت “الفينيق” في العدد 32 لشهر تشرين الأول ملف الثغرات الدستورية، في الحزب السوري القومي الاجتماعي. ومساهمة مني في مناقشة الثغرات الدستورية في الدستور الحالي المعدّل، أتقدم بهذه المطالعة.

أرى أن العلّة الرئيسة والخطأ الكبير الذي أدى للأخطاء المتتالية الأخرى وبالتالي أدى الى “إغتصاب السلطة في الحزب” هو في منح رتبة الامانة الخارج عن الاصول الدستورية، إن لجهة التساهل المفرط بالشروط الدستورية الصارمة وإن لجهة الكيفية والطريقة الخاطئة المتبعة في منح الرتبة منذ إستشهاد الزعيم الى اليوم، أو في الدور الأنتخابي المعطى لها خلافاً للغرض من إنشائها.

أولاً: مسلمات

  • نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي ديموقراطي ولسعادة نصوص كثيرة تؤكد على هذه الحقيقة، لعل أوضحها عبارته “مبدأي القومية والديموقراطية المتجانسان”.) نشؤ الأمم الفصل السادس “نشوء الدولة وتطورها.”(
  • الديموقراطية تعني أن الشعب (أعضاء الحزب) هو مصدر السلطات وليس فئة مختارة منه، ولسعادة نصوص عديدة تؤكد هذا الأمر.
  • نظامنا ديموقراطي تعبيري غير تمثيلي، ولسعادة نصوص واضحة وقطعية تثبت ذلك، منها مقالتين بعنوان: “الزعيم في سانتياغو” و”الزعيم في سانتياغو أيضا”. (الأعمال الكاملة الجزء الرابع.)
  • التمثيل في الديموقراطية يعني أن المجتمع مؤلف من فئات لها مصالح مختلفة تتمثل في السلطة، وتكون السلطة بالتالي، على صورة المجتمع ومثاله، مؤلفة من فئات سياسية كل واحدة تعمل لمصالح الفئة التي إنتخبتها لتمثلها وتمثل مصالحها.
  • التعبير في الديموقراطية التعبيرية هو التعبير عن الارادة العامة، وليس عن الرأي العام. الإرادة هي بنت المصلحة أما الرأي فلا. والتعبير عن الارادة هو أن نحققها وننفذها ونؤمن المصلحة التي هي وراءها.
  • القومية الاجتماعية تقول بأمة واحدة- مجتمع واحد، مما يعني مصلحة واحدة يجب أن نعبر عنها- نحققها وليس مصالح متعددة نمثلها في السلطة. (الامة جماعة من البشر موحدة المصالح موحدة المصير…)
  • التعبير عن الإرادة هو غير التعبير عن الرأي. التعبير عن الرأي هو قول عادي بمتناول الجميع. كل فرد يمكنه أن يعبر عن رأيه وهذا حقه الذي كفله له الدستور، ولا أحد يحق له أن يعبر عن رأي غيره. أما التعبير عن الارادة فهو شيء مختلف: هو تحقيق الإرادة وتنفيذها وتأمين المصلحة الواحدة التي هي وراء الارادة الواحدة، وهذا الأمر ليس بمتناول الجميع وليس بمقدور الجميع، إنه يتطلب امكانيات ومؤهلات ومزايا وصفات ممتازة. لذلك يقول سعادة أن التمثيل يتعلق بما قد حصل أما التعبير فغرضه إنشاء شيء جديد.
  • الديموقراطية التعبيرية تأتي بسلطة سياسية تتمتع بشرطين أثنين وليس بشرط واحد وحيد، وهما: شرط الانتخاب بالاكثرية لكي تكون ديموقراطية، و”شرط الأهلية” أي المؤهلات والصفات الممتازة التي تمكن أصحاب السلطة من التعبير عن الارادة العامة – أي تنفيذها وتحقيقها. بينما الديموقراطية التمثيلية تأتي بسلطة سياسية بشرط واحد وحيد هو الانتخاب بالأكثرية بغض النظر عن شرط الاهلية.
  • الأمناء في دستور سعادة هم رجال السلطة ونساؤها وليس مصدرها. هم بما يحملون من صفات الأهلية والجدارة قادرون على التعبير عن الارادة العامة الواحدة التي هي تحقيق غاية الحزب. أما مصدر السلطة فهم القوميون الاجتماعيون جميعهم وليس فئة منهم مهما كانت مؤهلاتها.
  • رتبة الأمانة هي شهادة بالمؤهلات وهي مثل كل الشهادات يتم تحصيلها بأثبات الجدارة عن طريق الامتحان وليس عن طريق الانتخاب. السلطة السياسية لا تعطي شهادات – رتب، ذلك ليس من مهمتها ولا يحق لها. والسلطة السياسية لا يجوز لها أن تنتخب من سينتخبها كما هو معمول حالياً في دستور الحزب المعدّل.

ثانياً: في كيفية تحصيل رتبة الأمانة

سأنقل هنا حرفياً القسم المتعلق بكيفية منح رتبة الامانة من دراسة عن الديموقراطية التعبيرية نشرتها لي الفينيق في عددها السابع، وهي على كل حال أفكارها منقولة بتصرف من الأمين الراحل هنري حاماتي، كما يلي:

أولا: إذا فهمنا نظام سعاده ومعنى الرتب ومحلّها في هذا النظام، ندرك أن الرتب تُحصّل تحصيلاً، تُكتسب إكتساباً، تُبنى درساً درساً وبرهاناً برهاناً، يومياً ودائماً في مسيرة نشاط ونضال وصراع مستمر، يبنى العضو خلالها نفسه وينمو ويتطور ويصعد في النظام، يتدرج في الرتب والمسؤوليات، ولا أحد يعطيه رتبة أويمنحه إياها منحاً.

إن سعاده كان هو “يمنح” رتبة الأمانة للعضو الذي يستحقها، كما كان هو يعين أعضاء في المجلس الأعلى كونه هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية وكون الحزب لا يزال في المرحلة التأسيسية ولم تكن قد وجدت كل مؤسساته الفرعية وكل اجهزته الملحوظة في الدستور انها ستنشأ.

إذا كان سعاده هو نفسه من كان يمنح الرتب فلا يجوز لنا بعد غياب سعاده ان نفتّش عمن سيتولى “المنح” بعده.  يجب أن نتجاوز مبدأ المنح بعد سعاده وننظر إلى استكمال مؤسسات ودوائر الحزب الملحوظة في الدستور  وهذه وحدها تعطي العضو شهادات يستحقها بناءً على طلبه هو. من عمدة الداخلية، من الندوة الثقافية، من عمدة الإذاعة، من عمدة الدفاع، من عمدة القضاء، خاصة عمدة القضاء، وليس من مجلس أعلى أو لجنة “منح”. 

في الدول الديمقراطية المستقلة لا تتدخل الأجهزة السياسية في البت باستحقاق الرتب العلمية والعسكرية والقضائية، ولا دخل للبرلمانات والحكومات في ذلك، لا صلاحية لها في ذلك.  كذلك لا يجوز أن تتدخل اجهزة الحزب السياسية في ذلك. لا صلاحية للمجلس الاعلى ولا للرئيس ولا لمجلس العمد ، كمؤسسة سياسية، ولا للجنة منح منتخبة، في ذلك. 

إن شرط “الأهلية” لا تصدّق عليه سلطات سياسية بل سلطات فنية، مختصة، مدرسة أو جامعة أو معهد قضاء أو شعبة عسكرية الخ… لكن شرط الأهلية واجب الوجود من أجل تولي السلطات السياسية.

إن شرط الأهلية معمول به في جميع مجتمعات العالم في مستوى المصالح الإجتماعية غير السياسية، وأن سعاده نقل العمل به الى مستوى المؤسسات السياسية العليا في الدولة، حيث هو أكثر وجوباً وأكثر لزوماً في الديمقراطية التعبيرية.(حاماتي- أفكار- تجربة ناقصة)

إذا راجعنا شروط الأهلية لرتبة الأمانة، الشروط الخمسة، نجدها شروط امتياز في الشجاعة والبطولة والمعرفة والإدراك العالي والحنكة والتجربة والإخلاص والإيمان… فهي يجب أن تتوفر في الذين يقودون إدارة الدولة حيث الدولة هي مؤسسة الشعب الكبرى التي تقرر في مصالحه العامة الأساسية، في مصيره كله.

فكما أنه لا يحق لك أن تكون رئيساً للجامعة إذا لم تكن دكتوراً، أو للمحكمة إذا لم تكن قاضياً، أو للجيش إذا لم تكن لواء، فكيف يحق لك أن تكون وزيراً أو عضواً في البرلمان او رئيساً للحكومة او للجمهورية او رئيسا للحزب إذا لم تكن أميناً؟ كيف يحق لك أن تكون منفذا عاماً في منطقتك إذا لم تكن مؤهلاً؟  كيف يحق لك ان تكون مديراً لمديرية قريتك او بلدتك أو ناحيتك إذا لم تكن جديراً؟

ثانيا: ماذا نقترح؟ لقد إقترح كثير من الرفقاء على مدى تاريخ الحزب إنشاء رتب أدنى من رتبة الامانة، لاستكمال الرتب المذكورة بصيغة الجمع في الدستور، ولتطبيق نظام الحزب المركزي التسلسلي حسب الرتب والوظائف. اقترحوا رتباً مثل رتبة الأركان ويسمى صاحبها ركناً، رتبة الصدر ويسمى صاحبها صدراً، رتبة المجازين ويسمى صاحبها مجازاً في العقيدة، رتبة الأهلية، رتبة الجدارة، رتب تتدرج من الأعلى الى الأدنى أو العكس، وكل موّظف أو صاحب مسؤولية إدارية أو سياسية معينة يجب أن يكون حاملاً لرتبة موازية تلائمها عملاً بنظام الرتب والوظائف ولتأمين القواعد الحيوية للنظام القومي الإجتماعي الجديد.  إذا درسنا الشروط الخمسة لرتبة الأمانة يمكننا أن نستخرج شروطاً أسهل لنيل رتب أدنى يتقدم طالبها شخصياً لنيلها من مؤسسات الحزب المختصة.  مثلا: من يكون قد مضى سنة كاملة على اعتناقه العقيدة والنظام، متمماً لواجباته المالية، مسدداً ضرائبه، إذا لم يكن معفى منها، وواجباته النظامية، غير متخلف عن واحد من الاجتماعات الدورية والاحتفالات العامة والمهمات الموكولة إليه جميعها، يتقدم لنيل إفادة بذلك من نظارة المالية ثم ناموسية المنفذية ويأخذها لعمد القضاء فتحقق هذه العمدة من صحة الإفادات وتمنحه رتبة “جدير” التي تمكنه من شغل وظيفة مدير مديرية او عضو في هيئة مديرية.  وإذا ما ثبت لعمدة القضاء أن الإفادات مطعون بها وغير صحيحة اوقفت الملف وأحالته الى المحكمة للتحقيق في أمر الموقعين على الإفادات المزورة.

ومن يكون جديراً (حاملاً لرتبة الجدارة) وأظهر تفوقاً جلياً في الإيمان والإدراك الصحيح للعقيدة والنظام وأثبت ذلك كتابة او خطابة أو أي مساهمة موثقة، تقدم بطلب للحصول على إفادة بذلك من لجنة النقد العقائدي او نظارة الإذاعة او الندوة الثقافية، ويأخذها لعمدة القضاء لتنظر في ملفه وتتحقق من صحته فإذا ثبت لها أن الإفادات التي يتضمنها هذا الملف صحيحة ووافية ، أعطته رتبة الأهلية التي استحقها ، والتي تؤهله ليشغل وظيفة ناظر إذاعة أو ناموس في عمدة الإذاعة أو الثقافة أو أي دائرة من دوائرها.  وإذا وجدت عمدة القضاء، ان تحقيقاتها قد أوصلتها الى نتائج توجب الطعن في صحة الإفادات المرفوعة إليها أوقفت الملف وأحالته الى المحكمة للتحقيق في أمر الموقعين عليها.

ومن يكون مؤهلاً ، أي حاملاً رتبة الأهلية ، ويكون مناضلاً ممتازاً بالفكر والفعل في سبيل القضية والعقيدة مجاهراً بها وقد قام بأفعال وتضحيات غير اعتيادية في سبيل العقيدة والنظام، ويكون في جيمع الظروف السهلة والصعبة مثالاُ في الإيمان بالزعيم والعقيدة والنظام… يتقدم بطلب للحصول على إفادات بذلك من المؤسسات الشاهدة على ذلك، قد تكون عمدة الداخلية أو الدفاع او أحد أجهزتها، ويرفع ذلك الى عمدة القضاء التي تمنحه رتبة الصدر أو ركن حسب درجة مؤهلاته….

الصدور هم ابطال الحركة، رتبهم تؤهلهم للمهام التي تقتضي الشجاعة والصلابة في المجالات العسكرية والسياسية وفي المهام السرية الخطيرة والخطرة.  الصدور هم الإداريون والعسكريون ورجال المخابرات المركزية، هم المنفذون العامون وهم أمّار مخيمات التدريب وقادة الوحدات المقاتلة الذين ينتصرون أو يستشهدون.

الأركان يتصفون بصفات فكرية ونفسية ونضالية وأخلاقية عالية، هم ممثلو الحزب في المجالات التي تقتضي الوعي والصلابة والرجولة، في مجالات السياسة والمفاوضات والإتفاقات، ينتدبون للمهام الحزبية وللأعمال التي تتطلب صلابة في الإيمان وصلابة في الفكر وصلابة في السلوك والأخلاق.

ومن يكون ركناً ويبرهن عن ثقافة عامة أو متخصصة في مصالح الحياة القومية وقضاياها الإقتصادية أو الحقوقية أو التربوية أو العسكرية أو السياسية أو الدولية، يتقدم بطلب لعمدة القضاء مرفقاً بإنجازاته الموثّقة في هذه المجالات أو في إحداها، فتدقق هذه في طلبه وتحيله الى المحكمة المركزية التي لها ان تصدر حكمها بإعطائه رتبة الأمانة أم لا، أو تحيله العمدة الى لجنة خاصة تابعة لها للبت به، ولصاحب الطلب حق رفع ملفه الى المحكمة الحزبية المركزية للبت به إذا لم يكن راضياً عن قرار عمدة القضاء.

وصف  أحد الرفقاء، لم اعد أذكر أسمه، ديمقراطية سعاده بديمقراطية الإمتحان. إن هذا الرفيق قد أصاب قلب الحقيقة.

عندما تستقيم عملية الحصول على رتبة الأمانة بالإمتحان والجدارة تنتفي جميع الشكوك وينتفي التشكيك بالأمناء وتعود الثقة بهم وبالمسؤولين وتعود للحزب هيبة النظام. وعندما يستقيم الدور المنوط بالأمناء وهو دور تولّي المهمات التي تتطلب صفات ممتازة، وعندما لا يعود الأمناء هم فقط مصدراً للسلطة خلافاً لمعنى الديموقراطية، عند ذلك يصبح إنبثاق السلطة عملية ديموقراطية صحيحة وعادلة ويعود الإستقرار الإداري وتنتفي الأزمات الداخلية التي شلّت الحزب وقسمته وأضعفته وأوقفت نموه.

 

في هذا العدد<< تلاوة-عفاف ابراهيمقراءة في كتاب “رقعة زرقاء” للدكتورة صفية سعادة- د. فاتن المر >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments