خزّنوا الطعام.. حرب القمح والغاز ستشتعل!
Share
جاء تسرب الغاز من خطي “نورد ستريم” العابرين من سانت بطرسبورغ الروسية إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، ليؤكد اشتداد لعبة عض الأصابع بين الغرب وروسيا بعد أن صار الشتاء على الأبواب وأصبحت أوروبا التي تستهلك بين 240 – 350 مليار متر مكعب من الغاز معظمه من روسيا، أمام خيارات قاسية بسبب صعوبة تعويض الغاز الروسي بسرعة من دول أخرى مثل النرويج وقطر والجزائر، واضطرار القارة العجوز إلى فرض تقنين لم يسبق أن تعرض له الأوروبيون.
المستفيد من الاعتداء على خطي “نورد ستريم” على الأرجح هو واشنطن، التي سبق أن قال رئيسها علانية أن هذين الخطين سيتوقفان إذا غزت روسيا أوكرانيا، فالولايات المتحدة ستحظى بمكاسب اقتصادية عبر تسويق غازها بالسعر المناسب إضافة إلى حرمان روسيا من مليارات الدولارات التي كسبتها خلال الأشهر الماضية نتيجة ارتفاع أسعار الغاز الروسي واستخدام موسكو لهذا الإنتاج كعامل ضغط على الأوروبيين.
في الفترة الماضية نشر صندوق النقد الدولي دراسة حول الحلول المحتملة لأزمة الطاقة، وحسب الدراسة فإن على أوروبا وضع قيود شديدة على الاستهلاك سواء في المنازل أو الصناعة، وإذا تم ذلك ستختلف التبعات من دولة لأخرى حسب سياساتها في إدارة الموارد ومشاركتها مع باقي دول الاتحاد، فدول مثل بريطانيا التي لا تعتمد على الغاز الروسي بشكل كبير لن تتأثر مثل دول كتركيا التي تعتمد بنحو 34% على الغاز الروسي، يضيف خبراء أيضاً أنه لا يوجد حلّ جذري للمشكلة لأنه لا يمكن تعويض الغاز الروسي بهذه السرعة وإنما الهدف من مثل هذه السياسات هو تقليل الضرر لا أكثر.
أغلب صناعات أوروبا تعتمد على الغاز كوقود أساسي، وتقول الشركات أنها ستضطر لتدمير أغلب المعدات بالمواد الأولية التي فيها في حال تمّ تغيير مصدر طاقتها بين ليلة وضحاها، والخناق يضيق أكثر عند الأخذ بالحسبان أن الصيف كان قاسياً أيضاً على القارة التي عانت من الجفاف وقلة الطاقة الكهرومائية ولذلك نرى دولة مثل ألمانيا تعيد تنشيط محركاتها التي تعمل على الفحم وتعيد افتتاح محطتين نوويتين. فالنجاة من لعنة الغاز الروسي على أوروبا ليست عملية بسيطة بل تحتاج وقتاً وتجهيزات واتصالات مع الدول التي يمكن أن تعوض الغاز الروسي، وقد تسبب الحديث عن تسقيف الأسعار خلافات بين دول الاتحاد حيث رفضت النرويج هذا الإجراء خوفاً من الخسارات التي ستتعرض لها باعتبارها من مصادر الغاز البديل للغاز الروسي.
حرب الطاقة سلاح ذو حدين، ومن المؤكد أن الاقتصاد الروسي سيتضرر لأن الغاز يمثل أغلب صادرات موسكو ويشكل جزءًا كبيرًا من ميزانيتها. صحيح أن روسيا قد تلجأ لتصدير الغاز إلى حليفتها الصين، ولكن لا يوجد ما يضمن أن بكين لن تستغل الموقف وتعرض شرائه بثمن بخسّ أو مقابل بعض البضائع التي يصعب صناعتها في روسيا مثل الرقائق الالكترونية وغيرها، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي سينكمش بنسبة 6% في حال استمر الوضع على حاله.
بناءً على ما سبق يمكن القول بأن روسيا ستبحث عن طريقة أخرى للضغط على أوروبا، بما أن الطرفين سيتضرران ويمكن أن تكون ورقة موسكو التالية هي الحبوب، حيث قال بوتين منذ عدة أيام أن العقوبات الاقتصادية على روسيا سيكون لها أضرار جسيمة على الأمن الغذائي العالمي، وفي حال تم ذلك، ستعود روسيا إلى حصار الموانئ الأوكرانية وحرمان كييف من مدخولها بالعملة الأجنبية. في نفس الوقت يظن الروس أن هذه الخطوة ستجبر العالم على شراء محصولهم من القمح هذه السنة والذي سيبلغ حسب التقديرات 94.7 مليون طن.
لاشك أن الطاقة والغذاء سيكون لهما الدور الهام في حسم الحرب الروسية الغربية التي يمكن أن تتطور إلى مراحل تستخدم فيها جميع الأسلحة بلا تردد. ذلك أن الخاسر في هذه الحرب سيتحمل تبعات كبيرة على صعيد سيادة العالم وانهيار الاقتصاد ونشوء أحلاف جديدة وانهيار أخرى. لكن هذا لا يلغي الوصول إلى تسويات مفاجئة تحفظ ماء جميع الوجوه وتعيد موسكو كقطب ثان مع محورها في مواجهة حلف شمال الأطلسي. معركة كسر عضم، قد تمتد تداعياتها إلى سوريا والمنطقة إذا ما تفاقمت الأحداث ليتم الضغط على الأطراف في أماكن أخرى بعيدة عن ملعب الحرب الرئيسي في أوكرانيا. في هذا المشهد، تبدو منطقتنا ملحقة بالصراع الدولي ومتأثرة بالتبعات العسكرية والاقتصادية التي يمكن أن تحصل. يقول البعض: خزنوا الطعام.. حروب الغاز والقمح سوف تتفاقم!