حذار- زهير جبّور ِ
Share
“حذارِ من تكرار ما جرى في روسيا (الاتحاد السوفييتي سابقاً!!!!
لقد كنت من الذين شهدوا سقوط الاتحاد السوفياتي عن كثب. السقوط الذي كان يمكن تلافيه لو استيقظ الشيوعيون الروس في الوقت المناسب، وتحرروا من هيمنة الحزب الواحد وسمحوا بتشكل معارضة ندّية لهم وأحدثوا إصلاحات اقتصاديه جوهرية. إذ لا يمكن لأي عاقل آنذاك أن يصدّق بأنّ الترهّل الإداري واستشراء الفساد والرشوة وقمع الرأي الآخر داخل الحزب الشيوعي وخارجه، كان يمكن أن يجعل من الاتحاد السوفياتي دولة نديّة للولايات المتحدة الأميركية. (إلا مخابراتياً وعسكرياً)
ورغم أنه لا يمكن تجاهل دور الولايات المتحدة في تسريع ذلك السقوط، إلاّ أن سرعة السقوط أذهلت حتى خصوم الاتحاد السوفياتي أنفسهم. لأنّ المسؤول المباشر عن ذلك السقوط كان الحزب الشيوعي وقادته والأجهزة الأمنية الفاسدة وغياب القوى السياسية الأخرى المنافسة للحزب الواحد!!!
ولعل الذي أوصل الاتحاد السوفياتي إلى نهايته الكارثية سياسة وإدارة بريجينيف التي قامت على الفساد وخصوصاً في النصف الثاني من قيادته للاتحاد السوفياتي، وإسكات الأصوات النزيهة والإصلاحية داخل الحزب الشيوعي. ولذلك عندما جاء غورباتشوف محاولاً إصلاح (بادّعاء أو بنية صادقة) ما خرّبه الفساد المزمن في المراحل السابقة، لم تساعده فصاحته ولا علانيته ولا نواياه في شؤون السياسة بالتقدّم خطوة واحدة على طريق الاصلاح، بل أقصى ما فعله أنه سرّع الانهيار. فقد غاب عنه أن القوى الحارسة للفساد لا يمكن أن تكون إصلاحية. حيث لا يمكن للإصلاح أن يقلّع بأدوات فاسدة ومنها الحزب الشيوعي والأجهزة الأمنية وقادة المؤسسات الكبرى من القطاع العام التي شكّلت هرماً فاسداً أصابَ الشعب الروسي بالإحباط إلى درجة فقدان الثقة بالموديل الاشتراكي. ولذلك كان الشعب الروسي لا مبالياً إزاء الحركة الانقلابية التي قام بها يلتسين ضد غورباتشوف والتي سرّعت بإعلان وفاة الإمبراطورية السوفياتية، لأنّ الذين كانوا يتهافتون ويتنافسون على نقد الفساد، هم أنفسهم الذين حاربوا الإصلاح لمفاقمة الأزمة وتسريع الانهيار وارتكاب الجرائم الغذائية وتخريب المعامل، والاستعداد لمرحلة ما بعد السقوط وتقاسم غنائم هذا السقوط الذي حصل بفعل قوى الداخل بشكل رئيسي. وهكذا أصبح لصوص الاقتصاد الاشتراكي هم أنفسهم دعاة الاقتصاد الحر لاحقاً وتحوّل الموالون السابقون إلى معارضين لدودين للنظام القديم بعد أن تمتعوا بكل امتيازاته!!!
وأشدّد على أنّ رموز الفساد عندنا يتشابهون في ممارساتهم مع أولئك الذين سبّبوا انهيار الاتحاد السوفياتي، فهم يريدون الإجهاز على أية بارقة أملٍ في الخروج من المأزق الذي نعيشه، ويتجلّى ذلك في نهج الإقصاء والإلغاء الذي تمارسه بعض القيادات الحزبية في الصفّ الأول باسم الحرص على مصلحة الحزب والوطن رغم أنها بممارساتها تهدد سلامة الوطن، ما دامت هذه القيادات عاجزة عن تقبّل النقد وكشف مواطن الخلل، وما دامت قاصرة عن إطلاق حوار داخل حزب البعث أولاً وإعادة الاعتبار للتيار التنويري العقلاني الوطني، والحوار مع القوى الوطنية الأخرى التي تتهدّدُنا وإياها أخطار واحدة، هذا إذا لم تحّفز مثل هذه القيادات الحزبية على استعداء الآخرين مجانياً، لأنها تعيش خارج الزمن ولا تدرك ما يجري حولها، بسبب الأمية السياسية الفاقعة، والدليل على ذلك هو خوفها من إشاعة نقد الخلل والفساد داخل المؤسسات المختلفة.
ما يدفعني اليوم للتذكير بما جرى في الاتحاد السوفياتي هو أن بعض القوى والرموز الفاسدة عندنا تكرّر هذه التجربة في سوريا وتجعل الداخل السوري في الظروف الرّاهنة مفتوحاً على احتمالات يصعب التكهن بها وقد تكون أكثر تدميراً من كلّ ما جرى حتى الآن!!
ولذلك أناشد جميع المسؤولين الوطنيين الحريصين على أمن الوطن ووحدته وسلامته بأن يفسحوا المجال أمام كل الأصوات والخبرات والشخصيات الوطنية من مختلف التيارات لسماعها، مستفيدين من آرائها وتحليلاتها ونقدها لمواطن الخطأ مهما كانت موجعة لصياغة مشروع وطني إنقاذي، لأنّ رموز الفساد والبوّاقين الكذَبَة، هم الذين يهيئون الظروف لقيادة الوطن إلى كارثة أخرى، قد تكون أسوأ بكثير مما جرى في الاتحاد السوفييتي، بل وأسوأ بكثير مما عانيناه حتى الآن!!!“