حديث مع جان دايه عن مخترع السعتقية… ناحت المصطلحات… القومي الخفيرفي الذكرى 116 لولادة سعيد تقي الدين- تحضير فادي خوري
Share
إعداد فادي خوري
صادف يوم الخامس عشر من أيار الجاري تاريخ الذكرى المائة والسادسة عشرة لمولد الأديب السوري القومي الاجتماعي سعيد تقي الدين. وفي هذه المناسبة رأينا أن نسلّط الضوء على تقي الدين بواسطة مصباح الكاتب والصحافي الرفيق جان دايه. بالرغم من أن كثيرين تناولوا سعيد تقي الدين، إما من خلال مباحث أو مقالات أو غيرها، إلاّ أن دايه سبر أغوار تقي الدين ودرس تلافيف كتاباته وتخضرمه ما مكّن جان دايه من إصدار “ستة كتب عنه وعشرين كتاباً له”.
س: سعيد تقي الدين، كاتب تميّز أسلوبه عن غيره من الكتّاب بعناصر عدّة، ويذهب البعض إلى حد اعتباره ظاهرة أدبية قلَّ نظيرها، لا بل قد لا تتكرّر. هل توافق على هذا التصنيف؟ وبماذا تفرّد تقي الدين عن معاصريه ومَن سبقه؟
ج: النهج العلمي الذي أتبعه، لا يسمح بالقول إن سعيد ظاهرة أدبية لا تتكرر. قيل ذلك عن جبران ، فكان سعيد. أما القول بانه ظاهرة أدبية قل نظيرها، فهذا صحيح. وعلى ذكر الظاهرة (phénomène)، فسعيد ليس فقط ظاهرة أدبية، بل حزبية. فنادرا ما تجد أديبا مبدعا قطع شوطا في العمر والنتاج والشهرة، ينتمي إلى حزب كما فعل سعيد وهو في السابعة والأربعين. في العادة، الأدباء الواعدون ينتمون إلى الأحزاب، حتى اذا ريَّشوا يطيرون. في الحزب القومي أمثلة كثيرة كأدونيس ومحمد الماغوط وخليل حاوي.
واذا قلبنا الصفحة على تفرُّد سعيد، نجد أكثر من ناحية. ولأننا في مقابلة، أكتفي باختصار خمس منها:
- مجموعة مواهب: هو مجموعة مواهب أدبية قلّما اجتمعت في أديب واحد. كتب في المسرح، والقصة القصيرة، والمقالة الأدبية والاجتماعية والسياسية، والخطبة، والرسالة، ورفة الجناح، والمذكرات. وأبدع في كل لون أدبي ذكرته، وبنسب متفاوتة. كانت قصصه القصيرة موضوع أطروحة دكتوراه لسهيل ادريس في السوربون. وبعض رفات جناحه يتداولها القراء يوميا، كفصاحة الآدمية عندما تحاضر بالعفة. ومذكراته محفوظة عن ظهر قلب وبطنه أيضا. الخ
- الأدب الشخصي: هذا المصطلح نحته سعيد، ربما، ليُعَنوِنَ ميزةً أساسيةً في أدبه، وهي حضور شخصه الكريم، مباشرة أو مداورة، في أدبه. وهذه الشخصانية خطرة لمن لا يتقن التوازن بين الذاتية والموضوعية. لذلك تجنبها الأدباء في كل نتاجهم باستثناء المذكرات والرسائل. ونجح سعيد في أدبه الشخصي، وقد ساعده في النجاح عاملان سأتوقف فيما بعد عند كل منهما: الصدق والسخرية. وعلى سبيل المثال، حين اكتشف الشاعر حليم دموس خطأين قواعديين لسعيد في مقال صغير نشره في جريدة (بيروت المساء)، رد عليه سعيد باكتشافه ضعف ناقده بقواعد اللغة: ” ولو؟غلطتان فقط!
”
لقد برر الصدقُ والسخرُ الأدبَ الشخصي، وساهما، مع شهرته الواسعة، في جاذبية أدبه.
الصدق: نظرا لممارسة معظم الأدباء عكس ما يكتبونه، فإن صدق سعيد يساهم في رفع مستوى أدبه، لأنه يجعل القارئ واثقا بالأديب بقدر إعجابه بأدبه. واذا أخذنا كتابات سعيد عن سعاده وخصومه، نجد قيمة الصدق في أدبه. وعلى سبيل المثال : “حدثني الكاهن الذي عرفه” غدت قطعة أدبية مميزة لدى الكثيرين ممن سمعتهم، وبعضهم من خصوم سعاده.
- السخرية: لم يكن سعيد أول أديب ساخر عندنا. هناك ساخرون كبار سبقوه وعاصروه ولحقوه، أمثال أحمد فارس الشدياق، سليم سركيس، الشيخ إسكندر العازار، سعيد فريحة، ومحمد الماغوط. ولكن لكل ساخر نهجه. واذا قارنا بين نهجي فريحة وتقي الدين، نجد الفرق بين السعيدين. فريحة في كتابه “من الجعبة” يروي مغامراته مع النساء أو شجر الجميز على حد تعبيره، بأسلوب جذاب وفِكْهٍ لا تصنّعَ فيه. وتقي الدين كتب مقدمة الجزء الأول، وأبدى إعجابه بموهبة سميه في السخرية، ولكنه انتقده بالسؤال التالي: ماذا تريد أن تقول؟ أو ماذا تهدف؟ وهنا يكمن الفرق بين النهجين. ساخر بعقلين في أي نص له، يستهدف محق الطائفية، أو الفساد، أو الإقطاع، أو الاستيطان اليهودي لفلسطين، او الكذب، الخ.
كانت سخرية سعيد تقي الدين قبل الانتماء وبقيت بعده، ملتزمة. ولم تكن أبدا من أجل السخرية والفكاهة والضحك. إنها وسيلة مغناطيسية لتحقيق هدف قومي أو اجتماعي او مناقبي. وقد نجحت في تحقيق ما استهدفت.
- نَحْتُ مصطلحاتٍ واختراعُ أفعال: صَهَرَ سعيد بعض الأسماء والكلمات، وصنع منها مصطلحات. مثلا، كتب مقالا لم ينشر عن رئيس الجمهورية كميل شمعون اثر مماطلته بخصوص الإفراج عن القوميين، ومنهم الأمين عجاج المهتار، بعنوان “ك.ك.” أي كميل الكذاب. وحين اكتشف في صديقه الدكتور شارل مالك مثالب في أدائه النيابي في الكورة أو في تأمركه السياسي، نحت من اسمه الكامل مصطلح “الشملكة“. أما تكاثر الخانعين من سياسيين وكبار الموظفين ناهيك عن الكُتّاب والصحفيين ومنهم الزميل المصري الشهير محمد التابعي، فقد أوحى له بمصطلح “الزحفطون” من الزحف على البطون، والمصطلح المصدر “الزحفطة”.
وفي إحدى رسائله إلى رفيقه وصديقه الشاعر أدونيس المعجب بشعره ،داعبه بمصطلح “المَنْيَرِة” أي المن..ة وأكل الخرا.
أما “السعتقة”، وهي المصطلح الذي نَحَتَه لمدرسته الأدبية، فقد انبثقت من صَهْرِهِ لاسمه الكامل سعيد تقي الدين.
ومن الأسماء والأفعال التي اخترعها: سندش من “سندويش”، عتليت من “athlete”، تَطَرْبَشَ من “طربوش”، تَمَحدَلَ من “المحدلة”، سَرْغَسَ وهو فعل عامي يرادف فعل فرح ، حَلقَظَة من “حلم اليقظة”، السَّاديَّة من “Sadism”، صرعزة من “صرح عزام باشا” أمين عام الجامعة العربية، المشهور بكثرة تصريحاته وعنترياته، غطوزة من “غطرسة الموظف”، الخ.
ولكن بعض الأسماء الحقيقية الطريفة، تركها على حالها، بعد أن نسب إليها صفات سلبية. بدأ بشمدص جهجاه، وكرت المسبحة: بندر علوش، قرقحفوش المستكي، الخ.
وردّاً على بعض الأدباء والصحفيين الذين يستشهدون بأقوال كُتّابٍ أجانب، نقرأ في أحد مقالاته الإسمين الأجنبيين المخترعين: ألكسندر طلبتوخسكي الروسي، أو جون ج.م.ز. جونسون الإنكليزي.
ودخلت بعض المصطلحات السعتقية في كتابات الأدباء والزملاء، وبخاصة اسم “شمدص” الذي يرمز إلى كل فاسد في لبنان، بدءاً بالنواب والوزراء والرؤساء. ومصطلح السعتقة الذي يرادف المدرسة الأدبية التي أسسها.
والغريب هنا، أن ناحِتَ هذه المصطلحات كان يستعين ببعض المتمكنين من صرف العربية ونحوها لشدشدة براغي قواعد مقالاته وخطبه ومذكراته، أمثال سهيل ادريس ووليم صعب وجورج مصروعه، ومحمد يوسف حمود الذي سمّاه “حمّودَوَيْه”. .والشيء نفسه ينطبق على من يتصدر وإياه لائحة الأدباء المبدعين، جبران خليل جبران.
***
س: لا شك أن تغييراً ما حصل في كتابات سعيد تقي الدين، كما في مواقفه السياسية وآرائه حول أمور متعدّدة، وذلك بعد اطّلاعه على عقيدة سعاده، وبالتالي إيمانه بها وانتمائه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، مقارنةً بكتاباته قبل اطلاعه على هذا الفكر. هل تعتبر ما حصل من تغيير هو نتيجة انعطاف كلي عن السابق أم أن كان ثمّة نواحٍ في شخصية تقي الدين هيّأته لتقبل الفكر النهضوي والمجاهرة به؟
ج: عندما شرح له عرّابه في الحزب الأمين عبدالله قبرصي، عقيدة سعاده، أجابه سعيد بسؤالين: أهذه هي عقيدتكم؟ لِمَ تأخرتم في الاتصال والشرح؟؟ وما قصده سعيد مداورة بالسؤال/الجواب، هو بعض العقيدة، وتحديدا المبادئ الإصلاحية التي كان مؤمنا بها من غير أن يقرأها في دستور الحزب، وقد عبّر عنها في أكثر من نص أدبي ، كمسرحيته “نخب العدو“، حيث نادى بمحق الطائفية والإقطاع.
أما المبادئ الأساسية، فاقتصرت مقاربته لها على المسألة الفلسطينية. ولنتوقف هنا بعض الوقت لذكر عناوين هذه الناحية الهامة.
قبل انتمائه، بدأ يكتب عن فلسطين منذ أن كان في السابعة عشرة، وقد احتلت مقالته “من هنا وهناك” عرش افتتاحية جريدة البرق البيروتية في العام 1921، لصاحبها الأخطل الصغير. وترافقت سلسلة كتاباته مع مواقفه المتواصلة حتى أداء قسمه في 15 تشرين الأول 1951. ومن أبرز ما كتبه، رسالة من مغتَرَبه الفلبيني إلى أخيه بهيج حين ترشح للانتخابات النيابية اللبنانية في العام 1947، وقد حذّره فيها من الغرق في مستنقع المختار والناطور، وحرَّضه على مقاربة المسألة الفلسطينية، وتشريع قانون لصالحها. ومن الفلبين، كَرَّس منصبه كقنصل للبنان قبيل عودته إلى الوطن في ربيع 1948، لخدمة القضية الفلسطينية.
وبُعَيد عودته، ترأّس جمعية متخرجي الجامعة الأميركانية في بيروت، ومَحْوَرَ مجلتها الإنكليزية، التي تولى رئاسة تحريرها، على فلسطين. وخلال ذلك زرع في بعض الدوريات (الحياة، بيروت، بيروت المساء، الصياد)، عشرات المقالات ورفّات الأجنحة، عن فلسطين. وبعد الانتماء، تابع الكتابة والكفاح الفلسطينيين، وباللغتين الإنكليزية والعربية، في صدى لبنان والبناء الدمشقية والزوابع وغيرها من الدوريات الحزبية والمتعاطفة مع الحزب القومي. كما أصدر ثلاثة كتيبات عام 1957 باللغة الإنكليزية تمحورت على المسألة الفلسطينية ودعم أميركانيا للمحتلين اليهود، بعناوين: “Bridge Under the Water“, “The Political Scene in the Middle East“, “Report to Washington D.C.” .
وكان أهم وأخطر ما قام به حيال فلسطين، تأسيسه وترؤسه للجنة كل مواطن خفير، في العام 1954، حيث كشف أسماء الشخصيات والمؤسسات “الوطنية” والأجنبية، التي كانت تعمل لصالح إسرائيل. أما باقي الكيانات السورية، فلم يكتب كثيرا عنها، باستثناء لبنان. ولكنه نشط من أجل الشام، وكان جزاؤه حُكمَين غيابيين أحدهما بالسجن الطويل والثاني بالإعدام. ولكن ذلك، لا يعني عدم تأثير العقيدة على أدبه بعد الانتماء. فعلى الصعيد الكمّي، زاد نتاجه خلال حياته الحزبية رغم أنها لم تدم أكثر من عشر سنين. وعلى مستوى النهج، فإن كتاباته خلال الانتماء أصبحت نهضوية قومية اجتماعية، بدءا بسلسلة “خفق الأجنحة” التي افتتح بها حياته الحزبية، وانتهاء بكتابه “أنا والتنين” الذي ختمه بعبارة “لنصرك يا سورية هذا القليل“. هنا، لا بأس من تلخيص ما رواه لي الأمين جورج بلدي الذي استضاف سعيد في كولومبيا، قبيل رحيله. لاحظ سعيد وجود مطبعة صغيرة في المنزل ،فسأل جورج عنها خلال تناولهما العشاء، فأجابه: “لقد اشترتها الوحدة الحزبية لإصدار مجلتها“. وسأله: “اين هي المجلة؟” أجاب: “سيصدر عددها الأول، حيث نأمل تتويجه بافتتاحية منك“.
ولما كانت علاقة سعيد بالقيادة سلبية، فقد صاح به: “حل عني انت والحزب!“. فغير جورج الموضوع. في صباح اليوم التالي، تروَّقا، وكعادته سأله جورج اذا كان يريد شيئا قبل مغادرته إلى عمله، فأجابه سعيد: “أريد أن أسلِّمَك ما طلبته مني بالأمس“. ثم ناوله الافتتاحية. ولما لاحظ سعيد استغرابه، سأله: “اذا طعنتني بهذا السكين، ماذا يخرج من الطعنة؟” أجاب: “دم أحمر“. فقال سعيد: “بل زوابع حمراء“.
أما لماذا تخربطت علاقة سعيد بقيادة الحزب؟ وهل نتج عنها أي تدبير بحقه من مثل إبعاده عن المسؤولية؟ أو فصله؟ أو عدم منحه رتبة الأمانة؟ فكنت اعرف الجواب على سؤال من أصل الأربعة حتى تاريخ حصولي على عدة رسائل متبادلة بين عبدالله قبرصي وسعيد، خلال وجوده في كولمبيا. فقد كان واضحا أن سعيد لم يعد عميداً أو مسؤولاً بعد توليه عمدة الخارجية خلال رئاسة الأمين مصطفى رشيد، في العام 1956. ولكن قراءتي للرسائل وما تلاها من حوار مع الأمين عبدالله، وفّرت الأجوبة على سؤالين من الأسئلة الثلاثة الباقية. سأل عبدالله سعيداً اذا كان غضبانا عليه، فطمأنه سعيد بأن اسمه ليس موجودا على اللائحة. وسأله بدوره: “هل لي أن اعرف سبب حجب رتبة الأمانة عني؟” وأجاب عنه : “أنا أعرف. ولكن، لو منحتها، لرفضتها على صفحات الجرائد“. وقال: “ليس مهما أنكم فصلتموني، ولكن الأهم، حل الأزمة الحزبية“. وسألت الأمين عبدالله عن سبب فصل سعيد؟ أجاب بعد تردد: “لقد فصل لمدة شهر بسبب الكتيب الإنكليزي اللغة (جسر تحت الماء) الذي لقب سعيد فيه الرئيس شمعون برئيس العصابة. ولكن قرار الفصل لم يعمم“. أما حجب رتبة الأمانة عن سعيد، ومنحها لمن ادنى منه جهادا وفهما للعقيدة ومناقبية، فان متابعتي لحياة سعيد الحزبية، وفرت الجواب الأكيد، وخلاصته قطع طريق ترؤسه للحزب حيث توفرت له كل الشروط باستثناء رتبة الأمانة التي تمكنه من الترشح لرئاسة الحزب .
هاجر سعيد للمرة الثانية لسببين: الأول، تصميم المكتب الثاني الشامي لاغتياله كما اغتال غسان جديد. وقد نصحه الرئيس فؤاد شهاب بالسفر ريثما يتغير القرار. السبب الثاني طفره، بل غرقه في بحر من الديون. وعندما يتحقق الهدفان بسرعة، كما كان يتوقع سعيد، فسيعود إلى عاصمة بعقلين بيروت ليشارك في انقاذ حزبه، رغم تلميحه في مذكراته إلى قرار تقاعده.
أقول ذلك، لأن من يقرأ جيدا سعيد الإنسان، لا يجد للتقاعد وجودا في حياته، حتى لو بلغ السادسة والتسعين .فكيف، وهو لم يتجاوز، عند فراغه من تدوين “أنا والتنين” ، السادسة والخمسين؟
يمكن القول في ختام هذا الجواب بأن تأثير العقيدة والحزب على صعيدي حياة سعيد وأدبه، كان عميقا. بات محورُ أدبه أمتَه بعد أن كان يتمحور على سعيد ولبنان معا. وكان تأثيره على حياته أكثر عمقا، حيث تماهى سعيد بسعاده والأعضاء العاديين الأبطال وبعض المسؤولين.
***
س: من خلال قراءتك لسعيد تقي الدين ترى أنه كان “لولب حركة”، من كاتب مسرحي لأديب لصحفي لمحلل لسفير لعميد، إلى جانب كونه محاضراً (رغم كرهه للمحاضرات). كما تجد في مقالاته دروساً في التاريخ يعرّفك بواسطتها إلى كبار الرؤساء والمندوبين والوزراء وغيرهم. برأيك، ما الذي شكّل الحافز عند تقي الدين، أو العامل الذي دفعه، لتقديم كل هذه العطاءات خلال الفترة القصيرة من عمره؟
ج: عاملان لا ثالث لهما شكلا الحافز: ذاتي نابع من عقل سعيد ووجدانه، وموضوعي منطلق من أزمة ثقافية سياسية مجتمعية أخلاقية.
منذ أن “تخيّر” سعيد بعقلين دار مولد، ولد قائد إصلاحي خضاض agitator / agitateur وبرزت موهبته القيادية خلال حياته الجامعية. ولنتوقف عند بعض الأمثلة في تلك الفترة المبكرة.
كان ميالا للمسرح وهو طالب في الجامعة الأميركية. ويردد رفة جناحه “نحن نخلق مسرحنا حين نخلق مسرحياتنا” في كل مرة يشارك في تمثيل مسرحية مترجمة يخرجها البروفسور “فريد مدور”، أستاذ المسرح في الجامعة. لذلك، حين أسند إليه دور الفارس الأسود في مسرحية (الفارس الأسود) عام 1922، تذرع بهزال الدور، وانسحب. ولأنه قيدوم “العصابة”، انسحب معه كل الممثلين الهواة. كان ذلك في بداية العطلة الصيفية التي أمضاها في بعلبك، لأن والده محمود كان قائمقام مدينة الشمس.
وبدلاً من تمضيته الصيف باللهو، وهو في الثامنة عشرة، ألّف مسرحية “لولا المحامي”. وانتمى سعيد عام 1921 إلى (جمعية العروة الوثقى) التي اشترك في تأسيسها طلاب الجامعة، ومنهم محي الدين النصولي. وبعد عامين، انتخب رئيسا لها، حيث تولى، في الوقت نفسه، رئاسة تحرير مجلتها التي كانت تصدر بخط اليد.
نشر سعيد، إضافة إلى الافتتاحية، أكثر من موضوع في كل عدد منها، بتوقيعه الصريح وبتواقيع مستعارة منها “بشار”. وهنا أيضا برزت موهبته في الحداثة والعطاء وقيادة الجمعيات السياسية. كان يتأفف من قصائد رئيس الدائرة العربية في الجامعة أنيس الخوري المقدسي، التي كانت تنشرها صحف بيروت في صفحاتها الأولى، لأنها، بنظره، مجرد نظم، وبخاصة سلسلة الوقفات: وقفة على النيل، وقفة على التايمز، وقفة على بردى، الخ. فنشر قصيدة ساخرة في مجلة العروة بعنوان (وقفة على حنفية ماء). وقامت قيامة المقدسي وهدد بالاستقالة.
والجدير أن سعيد، الذي كتب قصائد عند الحشرة، كان يتمتع بثقافة شعرية عميقة دفعته إلى توجيه شاعرين كبيرين: ابراهيم طوقان، وأدونيس. ونشر في عدد آخر مقالا عن ثلاثة عمال فقراء كانوا يهتمون بحدائق الجامعة، وطالب زملاءه بمساعدتهم ماديا. ومن يقارن عضوية ورئاسة سعيد للعروة، برئاسة وعضوية أي رئيس اخر، يجده متميزا. لذلك، نوهت الجمعية به في محضرها الذي دون وقائع الجلسة الأخيرة التي حضرها سعيد، قبيل سفره إلى الفلبين اثر تخرجه عام 1925. كذلك اشترك مع رفيق صفه متى عقراوي الذي تولى بعد تخرجه رئاسة جامعة بغداد، في إعداد مشروع يعيد الجامعة إلى تدريس المواد التعليمية باللغة العربية، كما كانت منذ تأسيسها في العام 1866 حتى 1882، ولكن رئاسة الجامعة رفضت المشروع لأسباب ليست كلها أكاديمية.
ولم تنل سني الاغتراب الطويلة من نهجه السياسي الإصلاحي. فقبيل عودته من مانيلا بعد هجرة دامت 23 سنة بعث برسالة إلى زميله في الجامعة محي الدين النصولي، طلب منه فيها تأسيس حزب سياسي بقيادة عشرة لا يهابون الموت، وهو أحدهم. ولكن الوزيروالصحافي ورئيس جمعية الكشاف المسلم، نصحه أن يترشح لرئاسة جمعية المتخرجين. وقَبِلَ النصيحة، وترأس الجمعية لدورتين، فبنى مركزا لها من عدة طوابق، حيث تبرع بخمسين الف دولار لورشة البناء. وأصبحت مجلتها تضاهي رصيفاتها في بيروت، وكانت أعوام 1948-1952 العصر الذهبي للجمعية العريقة، ما حدا بمن خلفه بالرئاسة إلى اطلاق اسم سعيد تقي الدين على قاعة المحاضرات فيها.
ولم تشبع الجمعية طموحه. فبدأ يفتش من جديد عن المؤسسة التي تحقق “جموحه” النهضوي. وحين اقترفت جريمة العصر التي تم بموجبها اغتيال سعاده الرسمي في تموز 1949، بدأت رحلة انتمائه إلى الحزب، الذي برهن زعيمه انه لا يهاب الموت. ثم قطع شوطا في الرحلة الصعبة، عندما تلقى رسالة من السجين عجاج المهتار رد فيها على اعتراف سعيد بعجزه من إقناع أمه بالكف عن معاملته وكأنه ما زال طفلا، حيث قال له بما معناه : “اذا كان مهماً إقناع امك بأنك لم تعد طفلا، فالأهم أن تقنع أمتك بأنك صرت رجلا.”
وبالرغم من بلوغه السابعة والأربعين، وتحقيقه شبكة غير محدودة من الأصدقاء السياسيين والصحفيين والأدباء، ومعظمهم من خصوم الحزب القومي، فقد قفز فوق تلك الحواجز العالية، ومنها حاجز (الست نقاقيط) على حد تعبيره، أي لقب الشيخ (3 نقاط فوق الشين ونقطتان تحت الياء ونقطة فوق الخاء)، ويعود سر ذلك إلى أن طاقته الروحية الداخلية على مصارعة التنين لا تحد. وقد تجلى ذلك، خلال حياته الحزبية القصيرة، وبخاصة في معركتين صعبتين، إحداهما تأسيسه وترؤسه لـ “لجنة كل مواطن خفير” لكشف عملاء إسرائيل، والثانية قيادته لمواجهة مؤامرة تصفية الحزب بذريعة اغتيال عدنان المالكي.
***
س: استتباعاً للسؤال السابق، وفرضيّا، لو كان سعيد تقي الدين حيّاً اليوم، ونحن في عصر توفر المعلومات بواسطة الإنترنت وغيرها من الوسائل لتكون بمتناول الكثيرين، كيف كنت ترى إلى عطاءاته الفكرية اليوم، سيّما وأن المناخات السياسية في سورية والعالم العربي لم تتغير كثيراً، إذا ما قارنّاها بما ورد في كتاباته في خمسينيات القرن الماضي؟
ج: رغم اني ضد النهج الافتراضي، فسأجيب على السؤال الافتراضي، لسبب وجيه وهو أن سعيداً حي بيننا. أولم يقل في إحدى رفات جناحه: “الرجل الكبير لا ينتهي بمأتم“؟ وإن هذا القول ينطبق عليه حفراً وتنزيلا، بدليل حضوره الدائم في كتابات الكُتّاب وحوارات القراء. وهذا الحضور لم يتراجع ولم يراوح مكانه بفعل الكورونات الاجتماعية والقومية والسياسية، بل هو يتكثف بسببها وفق خط بياني تصاعدي، لأنه يحتوي في مختبره على لقاحات فعّالة ضدًها.
ومن مؤشرات الحضور السعتقي خصوصا، تكاثر أطروحات الماجستير والدكتوراه الجامعية عن سيرته وأدبه، لدرجة أن طالباً عراقياً من “المكون” الكردي، على حد تعبير العراقيين، يدعى بولامير معروف، جاء من السليمانية ليعدَّ في إحدى جامعات بيروت أطروحة ماجستير عن (المقالة) السياسية والأدبية في أدبه. وبالمناسبة، فقد زودني هذا الطالب، إضافة إلى هدية المن والسلوى، بمعلومة طريفة مجهولة وهي أن سجل المسرح العريق في السليمانية يفيد بأن مسرحية (لولا المحامي) تُرجمت للكردية وقُدِّمت هناك في العام 1926.
ولنعد إلى الموضوع الذي لم نخرج منه. من المؤكد أن حضور سعيد في وسائل الإعلام، بدءا بالفضائيات والفايسبوكات، سيكون كثيفاً، ليس فقط لأنه إعلامي بامتياز رغم عدم إحترافه، بل لأن الإعلام بنظره “شر” لا بد منه لكل أديب، خصوصاً اذا كان نهضويا. لذلك، لن تدفعه الأسئلة السخيفة وموضة المقاطعة البشعة، التي يتبعها معظم محاوريه، إلى رفض دعواتهم كما فعل إدوارد سعيد، ولكنه سيجيب مضيفيه من الجنس العنيف على سؤالهم التقليدي (سعيد تقي الدين من أنت؟): “أنا لست شمدص جهجاه“. وردا على أسئلة الجنس اللطيف الأطول من ألسنة المرشحين للنيابة، والمتميزة بعرض العضلات الثقافية، سيقول: “لو كنت مطرحكن، لطرحت أسئلة لا أجوبة!” ولكن نقده للجنسين رداً على سيل مقاطعاتهم سيقتصر على جملة مختصرة مفيدة: “أشفق عليكم، لأن لديكم ألسنة تحكي وليس اذانا تسمع.” وأتوقع امتلاكه لموقع إلكتروني فايسبوكي لسببين سعتقيين وجيهين. فهو يهوى المختصرات المفيدة ويتمنى محق المطولات والمرادفات. إضافة إلى حلمه في إبادة موضة عرض الصور أو نشر الآراء التافهة والنكات البائخة، الرائج سوقها في معظم المواقع. لذلك، سيكون فايسبوكه كناية عن مجلة ثقافية سياسية، ينشر فيها بعض مقالاته ولمعاته، ويستقبل بعض الضيوف المهضومين والواعدين الذين يمارسون أصول الضيافة.. وليس أولئك الذين يعطونه دروساً خصوصية حول كيفية الكتابة الأدبية، ولا يتحلَّون بذرة من التواضع، ويكتبون بأحرف أجنبية مطعّمة ببعض الأرقام السورية. ولأن المجلة الفايسبوكية تختلف عن المجلة الورقية، لجهة مصير كتابات قراء هذه سيكون مصيرها سلة المهملات اذا كانت خنفشارية، في حين أنها تنشر في الدورية الفايسبوكية رغم خنفشاريتها. فإني أتوقع نشاطاً ملحوظاً لسبابة يده اليمنى نتيجة كبساتها على كلمة block التي تقطع الطريق، ليس فقط على مسلسل الكتابات الضعيفة المبنى والسخيفة المعنى، بل تلغي “صداقات” المدسوسين والمغرورين والمتهاضمين. وباعتبار أن شيئا جوهريا لم يتبدل أو يتغير في لبنان وسورية الطبيعية والعالم العربي، منذ عشرينات القرن الماضي حتى عشرينات هذا القرن، فإني أتوقع، أن يعيد سعيد نشر معظم ما نشره بالأمس، لأن عدد الشمادصة الجهاجهة كثر وفسادهم تفاقم، إضافة إلى أن اللقاح السعتقي الذي أبدعه ضد فيروساتهم ،ما زال صالحا وفعالا.
***
س: هل تدعو القرّاء عامة، والقوميين بشكل خاص، لقراءة سعيد تقي الدين اليوم، ولماذا؟ وبأي كتاب تنصحهم أن يبدأوا؟
ج: نعم، أدعو المواطنين إلى قراءة سعيد تقي الدين، ولا أستثني القوميين بل أبدأ بهم، لأن معظمهم تراجعوا عن صداقة الكتاب تأثراً بتراجع المواطنين، بدلا من التأثير عليهم، بعد ان كانوا يتصدرون لائحة القراء. ولكن، اذا كان لا بد من نصيحة حول تحديد نقطة البداية، فستكون بقافلة جمال، إذا بدأوا من الكتاب الأخير (أنا والتنين). والأسباب كثيرة، أكتفي بثلاثة منها:
- لأن القارئ عادة يرغب في معرفة الكاتب،
- ولأن حضور سعيد في هذا الكتاب طغى على مذكراته التي هي خلاصة لتجربته الحياتية الجهادية
- أضف إلى ذلك أن شخصية المؤلف فكهة آسرة.
وبالطبع ،لا تقتصر النصيحة على الكتاب، بل تشمل أيضا بعض النصوص التي يحتضنها هذا الكتاب وبقية كتبه ال 25. ولأن كل المقالات والمقابلات والمسرحيات والقصص القصيرة والخطب والرسائل ورفات الأجنحة ألوان أدبية مستقلة متميزة، ناهيك بأن كل لون منها يعج باللمعات، فإني أنصح بقراءتها كلها بدءا بالنصوص التالية:
- المقالات الأدبية: علمتني الحياة. من كتاب “غبار البحيرة“.
- المقالات السياسية. حكاية دخولي الحزب. من كتاب “تبلغوا وبلغوا“.
- مقابلة له: حدثني الرجل الذي انتحر “مقابلة مع الرئيس بشارة الخوري”. من كتاب “شمدص جهجاه”
- مقابلة معه: قطرة حبر (أجراها وسيم تقي الدين). من كتاب “غبار البحيرة”.
- قصة قصيرة: المرساة. من كتاب “غابة الكافور“.
- مسرحية: نخب العدو. كتاب “نخب العدو“.
- خطاب : بنو بكر وبنو شيبان. (ألقاه في حفل تخرجه عام 1925). من كتاب “سيداتي سادتي”.
- رسالة: إلى جمال عبد الناصر. من كتاب “يدي إلى قلبي“.
- رفة جناح: أنصح بقراءة الرفة التالية المنشورة في الصفحة 17 من كتاب “رفة جناح”، “سئل الأستاذ سعيد تقي الدين – وقد بدأ الناس يشبهونه بمارك توين – عن رأيه في ذلك فأجاب: “في بلادنا عادة ذميمة يجب الإقلاع عنها، هي الإسراف في مدح الأجانب“.
***
س: تناول جان دايه العديد من منارات الفكر في عشرات من الكتب، لكن يشعر القوميون أن دايه خصّ سعيد تقي الدين ما لم يخصّه لغيره. لماذا؟
ج: أعترف أني كتبت عن سعيد تقي الدين ونشرت له، أكثر من أي كاتب مبدع آخر، ولا أستثني جبران الذي أصدرت عنه كتابين ضخمين، وسعاده الذي نشرت له وعنه عدة كتب. ناهيك بعشرات المقالات والدراسات التي نشرتها في الدوريات عن جبران وسعاده.
أما سبب رجحان سعتقيتي على جبرانيتي أو سعاديتي، في مجال البحث والنشر، فيعود إلى أن ساخر بعقلين كان ممنوعا من الصرف خلال الفترة التي بدأت فيها أكتب عنه وأنشر له، في الوقت الذي يجهل معظم القراء أصله وفصله وأدبه ورفات جناحه التي يقول فيها عن الآدمية إنها تتسلق قمة الفصاحة حين تحاضر بالعفة.
صحيح أن سعاده كان محاربا، ولكن بعض نتاجه بدأ يصدر في (الآثار الكاملة)، في هاتيك الأعوام.
ثم إن سعيد لا يقل أبداعاً عن جبران، وفي حين يصدر في لبنان عن جبران، كل عام، عشرات الكتب ومئات المقالات، إضافة إلى الأطروحات الجامعية، يسدل ستار رسمي والى حد ما شعبي على سيرة سعيد ونتاجه. خلال المرحلة الشهابية، خصوصا بعد أن منع الوزير كمال جنبلاط مهرجان الأونسكو في أوائل ستينات القرن الماضي، بحجة أن رئيس الحزب القومي الدكتور عبدالله سعاده كان في عداد الخطباء، وهي طبعا حجة لا تقلي عجة، لأن سعيد تقي الدين كان عضوا ومسؤولا في الحزب، ومن الطبيعي ان يتكلم في ذكرى رحيله رئيس حزبه.
ورحت أنحت في صخر الممنوع رسميا، والبعبع شعبيا، منذ أوائل سبعينات القرن الماضي. فأصدرت ستة كتب عنه، وعشرين كتابا له، ناهيك عن مئات المقالات. وخلال ذلك عقدت عشرات الندوات في جمعية متخرجي الجامعة الاميركانية وغيرها، وتوجت بمهرجان الأونسكو الذي جرى في العام 2000، وأصررت أن يكون رئيس الحزب جبران عريجي خطيبه الأول.
وحل العام 2020 ولم تنته رحلتي السعتقية لأني ما زلت أكتشف مقالات ورسائل له، رغم أن كتابيه الأخيرين (سقط سهوا) و(المليون الضائع)، اللذين أصدرتهما في العام الماضي، يحملان الرقم 25 و 26 في مجموعته المتكاملة.
جزيل الشكر للكاتب والمحقق جان دايه على المعلومات التي شاركنا بها، والتي لا شك ستسلط مزيداً من الضوء على الأديب سعيد تقي الدين. ولئن دأبت المرجعيات الرسمية، من وزارات ولجان مناهج تدريسية ومؤسسات إعلامية، في العديد من كيانات الأمة، وخصوصًا لبنان، على التعتيم على هذا الأديب المميز – ونرجّح أن تكون الأسباب فقط لأنه آمن بالعقيدة السورية القومية الاجتماعية وانتمى لحركتها النهضوية – فإن أقلام الحريصين على نشر الحقيقة والمجاهرة بها سيبقون أمناء على نشر مؤلفات وحكايات سعيد تقي الدين وأمثاله. وكلّنا أمل بأننا سنستمر في الإضاءة على مبدعين آخرين ممّن أغنوا المكتبات الأدبية والفنية والثقافية بكثير من أعمالهم.
_____
سعيد تقي الدين في سطور
إعداد فادي خوري
وُلد سعيد تقي الدين في بلدة بعقلين (الشوف – لبنان) في الخامس عشر من أيار عام 1904 لوالديه محمود سعيد تقي الدين وزهية أمين عبد الملك، وهو الولد الثاني بعد أديل (زوجة خليل علم الدين). أما أخوته الأصغر منه سنّاً فهم خليل وبهيج ومنير وبديع ونديم.
حصل على دراساته الأولى في بعقلين ومن ثمّ المعهد الأنطوني في بعبدا. في العام 2017 التحق بالجامعة الأميركية في بيروت، وفي عام 1925 تخرّج منها ثم هاجر إلى الفليبين بعد إقناعه من قِبل عمّه الدكتور نجيب تقي الدين (طبيب ومن ثمّ كولونيل في الجيش الأميركي إبّان حملته في الفلبين)، بأنه من “الأفضل أن يعمل في الفلبين من أن يسافر إلى العراق للعمل هناك”.
خلال دراسته في الجامعة الأميركية، التحق بجمعية “العروة الوثقى”، وترأس سعيد الجمعية بين عامي 1923-1924، كما ترأس تحرير المجلة التي كانت تصدرها الجمعية.
في العام 1931، وسعيد في سن السابعة والعشرين، أحبّ بياتريس جوزف وتزوجها (أبوها توماس جوزف من أصل عراقي (موصلي) وأمها نجيبة باصيلا من زحلة). وفي العام 1933 وُلدت ابنته الوحيدة ديانا، التي سارت في خطى والدتها كعازفة بيانو بارعة، وتوفيت في الرابع عشر من حزيران 2018.
في السادس من آب 1946 عيّنته الحكومة اللبنانية قنصلها الفخري في الفلبين، وبقي في هذا المنصب حتى أيار 1949. وخلال تولّيه هذه المسؤولية استطاع أن يقنع رئيس جمهورية الفلبين، لكونه صديقه الشخصي، بتغيير موقف بلاده في الأمم المتحدة من تقسيم فلسطين.
في الثالث من شباط عام 1948 عاد سعيد تقي الدين مع عائلته إلى لبنان.
في السابع عشر من كانون أول عام 1948 انتخب سعيد تقي الدين رئيساً لجمعية متخرجي الجامعة الأميركية، وامتدت رئاسة سعيد للجمعية لثلاث سنين تقريبًا.
انتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في تشرين الأول عام 1951، وعُيِّن في عام 1953 منفذاً عاماً لمنفذية بيروت.
في مطلع عام 1954 أسس لجنة “كل مواطن خفير”.
في العام 1955 تم تعيينه عميداً للإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي. وفي العام نفسه، وعلى إثر مصرع الضابط “عدنان المالكي” أصدرت الحكومة الشامية مذكرة لاعتقاله وحكم عليه بالإعدام غيابياً.
في التاسع من أيلول عام 1958، سافر سعيد إلى روما حيث التقى بزوجته وابنته ، ومن ثم انتقلت العائلة إلى المكسيك.
في أوائل أيلول من العام 1959، سافر سعيد إلى بارانكيا في كولومبيا، فجزيرة سان أندرس حيث توفي نتيجة إصابته بنوبة قلبية في الخامس عشر من شباط 1960.
المسرحيات: لولا المحامي (1923) / قضي الأمر (1925) – رأى سعيد أن المسرحية غير جديرة بالطبع فأتلف مخطوطاتها / نخب العدو (1937) ودفعها إلى الطبع عام 1946 / الدروب الموحشة (1944) / حفنة ريح (1948) / أقدام عارية (1953) / المنبوذ (1953)
القصص: الثلج الأسود (1939) / غابة الكافور (1949) / ربيع الخريف (1954).
الكتب: سيداتي سادتي (1955) / تبلغوا وبلغوا (1955) / غبار البحيرة (1956) / غداً تقفل المدينة (1956) / رياح في شراعي (1960) / أنا والتنين (1961)
شُكراً للرفيق جان دايه على أبحاثِه في مُخلَّفات رفيقنا الراحل سعيد تقي الدين، وشكراً على الأجوبة التي أتحفنا بها في هذا الخصوص. ما جَلَبَ انتباهي مع ذلك هو التعليق على “طيران” الثلاثي الفكري: أدونيس، محمد الماغوط وخليل حاوي، وهو تعليقٌ أسمعه من كثيرٍ من القوميين ولا أزال، وقد سكونُ صحيحاً وقد لا يكون، وإنَّما مع التجربة التي نعانيها الآن فقد آنَ الأوان لمراجعة ذلك ، وما حَصَلَ بين سعيد تقي الدين والقيادات السياسية دعوة أخرى لمراجعة هذا الموضوع. لقد تطاولنا ( ولا أقصد رفيقنا جان دايه) في السابقِ على النخبة الفكية في حزبنا، التي ما استوعبتها بعض القيادات الحزبية والسببُ هوسُ السلطة وخوفها على مراكزها من النخبة، والحسدُ والغيرة قد يكونُ لها فعلها في كثيرٍ من الأحيان. لا بد من قراءة ما كتبه أدونيس في كتابه ” ها أنت أيها الوقت” عن أنطون سعاده وأثرهُ على حركة التحديث التي شملت كل المجالات وكان القوميون أعمدتها، وهي الحركة التي بنت عصر بيروت الذهبي وكانت عصراً ذهبياً لكلِّ الهلال الخصيب، ولا مجال هنا للتوسُّعِ في هذه الحركة. ÷م برأيي لم يطيروا ولكن طُيُّريو.
وشكراً