أثار انعقاد ملتقى الاستثمار السياحي الذي أقامته الحكومة السورية بدمشق، جدلاً على مواقع السوشيال ميديا، وقد طالب البعض بتركيز جهود الحكومة على المشاريع الإنتاجية، في حين رأى آخرون أنه جزء من التنمية الشاملة.

وتعوّل الحكومة على جذب رجال الأعمال العرب للاستثمار في 25 مشروعاً جاهزاً للاستثمار مباشرة، بهدف تحريك الاقتصاد وتوفير فرص عمل والحصول على مورد للعملات الصعبة.

وسبق للحكومة السورية أن أصدرت عام 2021، قانون الاستثمار رقم 18 منحت من خلاله ميزات وإعفاءات كبيرة للمستثمرين في كافة القطاعات.

وتعرض المؤتمر لانتقادات تركزت حول إمكانية الاستثمار في السياحة في وضع تعاني فيه البنية التحتية من ضعف في بعض القطاعات مثل الكهرباء والمحروقات.

وقالت مديرة الدراسات في هيئة الاستثمار السورية ندى لايقة خلال المؤتمر: “إن المؤتمر قدم 25 فرصة استثمارية جاهزة للعمل مباشرة مع التسهيلات اللازمة، و23 فرصة ترويجية يمكن التقدم إليها لتجهيزها”.

وبغض النظر عن الآراء المنتقدة، فإن المؤتمر يكرس خروج سوريا من العزلة الاقتصادية بعد مشاركة سفراء ورجال أعمال عرب من عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة في الفعاليات.

وبحسب مدير عام هيئة الاستثمار السورية مدين دياب، فإن الحكومة “أصدرت 47 إجازة استثمارية خلال العام الماضي، وفّرت 4100 فرصة عمل”. لكن ذلك لم يترك أثراً ظاهراً على الاقتصاد الذي تقول الأمم المتحدة إنه يعاني من نسبة تضخم تصل إلى 140%.

ويقول تقرير للأمم المتحدة صدر في بداية العام، إن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وإن 12 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و14.6 شخص يحتاجون للمساعدات الإنسانية.

ويرى المراقبون أن التعويل على “السياحة الشعبية” سيجد الكثير من العقبات في ظل الفقر وتدني مستوى دخل الفرد إلى أقل من 30 دولاراً شهرياً.

وطالب المنتقدون على مواقع السوشيال ميديا، برفع الرواتب كهدف أوّلي، يمكن أن يترك أثراً في التنمية، بالإضافة إلى دعم المشاريع الإنتاجية.

وتساءل الكاتب نزار صباغ إن كان من أولويات الحكومة “الاستثمار بالنقل الجماعي ضمن المدن أم أن الاستثمار محصور بالسياحة؟” ومن المعروف أن سوريا تعاني من أزمة نقل بسبب الضغط السكاني وقلة المحروقات.

كما حذر الباحث الاقتصادي عامر شهدا من “سحب السيولة المالية من المصارف لصالح الاستثمار السياحي، لأن رجال الأعمال في هذه الحالة سيستثمرون بأموالنا!”.

ويأتي ذلك بعد إعلان وزير المالية السوري كنان ياغي أمام المستثمرين في السياحة، عن وجود فائض سيولة جاهز للإقراض في المصارف!.

ورغم أن تنشيط الاستثمار يعتبر حيوياً للاقتصاد، إلا أن تحويل الكتلة المالية الضخمة للمشاريع السياحية الاستهلاكية، عوضاً عن المشاريع الإنتاجية، قد يكون له تداعيات عكسية، نظراً لحاجة قطاعي الزراعة والصناعة للكثير من الدعم.

وسبق للحكومات السورية المتعاقبة، أن جربت العديد من السياسات الاقتصادية ووصلت اليوم إلى الخصخصة على حساب القطاع العام، مع زيادة التضخم والبطالة وبقاء المواطن السوري ضمن قائمة الأقل دخلاً في العالم!.

وتعاني سوريا من أزمتين جوهريتين هما النفط والغاز. ومن الصعب القيام بمشاريع دون حلهما. وتقول وزارة النفط إن الولايات المتحدة تسرق من الآبار السورية 66 ألف برميل نفط يومياً، وإن خسائرها النفطية منذ بداية الحرب تصل إلى 105 مليار دولار.

الحكومة السورية تبحث اليوم عن بدائل تعوّض خسارات سنوات الحرب. فبعد أن كانت سوريا تنتج أكثر من 4 ملايين طن من القمح، وتحتفظ بمخزون استراتيجي يكفي لسنتين، باتت تستورد القمح. وهذا الأمر ينطبق على النفط.

ويتركز النقاش اليوم على الأولويات الحكومية للتغلب على حصار قانون قيصر، وخسارة الدولة للعديد من آبار النفط والأراضي التي تنتج عادة مخزونها البلاد من القمح. هل نذهب باتجاه الاستثمار السياحي؟ أم نركز على مشاريع الإنتاج؟ أسئلة مازالت مثار جدل!.

الدكتورة رشا سيروب، تقول بوجود مشكلة في هوية الاقتصاد السوري، فهو ليس اشتراكياً وليس رأسمالياً، ولا يخضع لاستراتيجيا واضحة المعالم. ويبدو اليوم أن الاتجاه نحو الخصخصة يتفاقم ويطال مختلف مؤسسات القطاع العام نتيجة ضعف الميزانيات والكوادر الإدارية وغير ذلك. ذلك القطاع الذي قُدم على أنه انجاز كبير، يتقهقر منذ سنوات سبقت الحرب بلا مبرر علمي، والمواطن يتساءل إذا كان لم يحصل على الطبابة الجيدة والتعليم الجيد والمواصلات والمواد الاستهلاكية الجيدة عن طريق القطاع العام، فهل يعقل سيقدمها له القطاع الخاص على طبق من ذهب؟ وهل سنكتشف بعد سنوات طوال أن هذه الاستراتيجيا الجديدة كانت خطأ في التقدير لنعود مرة أخرى إلى الصفر؟