ايران – حسان يونس
Share
مقدمة :
تشير الدراسات حول النزوع التاريخي للقوة الإیرانیة، خلال الفترة من 3900 ق.م. إلى الآن، أن الهلال الخصیب من أكثر الأقاليم استحواذا على جذب النفوذ الإيراني بالإضافة إلى إقلیمي القوقاز، وآسیا الوسطى. وهو انجذاب يرتبط بتوزیع موازین القوى، فحیثما توجد مناطق هشة تتزاید قوة الجذب نحوها. [1]
ويرتبط نزوع القوة الإیرانیة هذا باعتبارات تتعلق بكون إيران دولة ممتدة من حضارة كبیرة ذات عمق حضاري وتجربة تاریخیة، ما ساهم في تعزیز طموحات إيران الإقلیمیة والشعور بالتفوق الحضاري لدى أجیال متعاقبة من القادة الإیرانیین.
هذا المكون الأیدیولوجي المتمثل في القومية الإیرانیة یعلي من قیم الشخصية الإيرانية، ويجعل من الشعور القومي أساسا لفهم السياسة الإيرانية، وعلیه يصبح الإسلام أحد مكونات الشخصیة الإيرانية ولیس المكون الوحید، ما يفسر التعاطي البرجماتي مع الواقع الدولي دون قیود دینیة خاصة ان انتقال إيران إلى تبني المذهب الشيعي الاثني عشري هو ظاهرة حديثة نسبيا ترتبط وفق بعض الدراسات بمحاولة حفظ الهوية الفارسية من الذوبان في محيط الشعوب التركية المعتنقة للمذاهب السنية[2].
هكذا تمارس السياسة الخارجية الإيرانية نوعا من الرقص على الحبال بين ما تمليه المصلحة القومية وما تقتضيه الأهداف الأيديولوجية للنظام الإسلامي الحاكم ما بعد الثورة الإسلامية التي غيرت من مصادر التهديد للدولة الإيرانية والفرص السانحة أمام النظام الإيراني.
مقاربة الرؤية الإيرانية للهلال الخصيب:
تمحورت السياسة الإيرانية منذ قيام الثورة الإسلامية حول إسقاط النظام الإقليمي المعمول به منذ اتفاقية سايكس بيكو في الشرق الأوسط، وإعادة بناء نظام إقليمي جديد يسمح للوحدات الجغرافية والسياسية المجزأة والمتنازعة التي أنتجتها اتفاقية سايكس بيكو بالانتظام وفق خيط متصل من النفوذ الإيراني. وكانت العلاقة الخاصة التي ربطت دمشق بطهران منذ العام 1979 أولى مظاهر هذا الخيط المتصل. كما كانت الحرب العراقية إشهارا لهذه السياسة التي أصبحت أقرب إلى التحقق مع انهيار النظام العراقي عام 2003 بعدما لعب هذا النظام دور الحاجز الجيوسياسي بين عامي 1979-2003 أمام تمدد النفوذ الإيراني شرقا. لذا سمح انهيار هذا الحاجز بتدفق النفوذ الإيراني السياسي والعقائدي والميلشياوي والاقتصادي شرقا ليلتقي مع مراكز نفوذ أخرى – عمل الإيرانيون على بنائها بصمت ونفس طويل – في الشام ولبنان، فكان أن تعالت صيحات الخوف والتحذير والتنديد من هذا التحول الخطير في الجغرافيا-السياسية للهلال الخصيب وخرج إلى العلن مصطلح الهلال الشيعي[3] الذي كان أشبه ما يكون بشيفرة تختزل الصراع المذهبي القادم إلى المنطقة والذي جرى العمل على إشعاله والاستثمار فيه من قبل كافة الأطراف الدولية والإقليمية وكانت إيران إحدى هذه الأطراف.
ترتبط إيران بشبكة علاقات وتحالفات في المشرق العربي، وتوفر لها هذه التحالفات قوة دافعة لدورها الإقليمي، كما تجعلها طرفا مباشرا أو غير مباشر في قضایا عدیدة، مما یوفر لها فرصة المناورة السیاسیة. أبرز هذه التحالفات هو ما تصفه إيران بمحور الممانعة الذي یضم سوریا وحزب الله إضافة إلى المقاومة الفلسطینیة. عدا عن ذلك حاولت إيران الاستفادة القصوى من الأهمية الإستراتيجية لجغرافية الشرق الأوسط وخاصة الهلال الخصيب من خلال التمدد إلى حدود إسرائيل وإحاطتها بكماشة في جنوب لبنان والشام وفي قطاع غزة بالإضافة إلى التمدد في مناطق المضائق البحرية كهرمز وباب المندب وميناء حديدة اليمني.
كما عملت إيران منذ قيام الثورة الإسلامية وتعمل اليوم على منع قيام منظومة أمن قومي عربي بمعزل عن نفوذها. وتجلى ذلك بوضوح في موقفها من إعلان دمشق الذي صدر في العام 1991 بعد الاجتياح العراقي للكويت وقضى في أحد بنوده بمرابطة قوات سوریة ومصریة في الخلیج، الأمر الذي رفضته إيران بشدة فطالبت بتجمید إعلان دمشق، وأعلنت أنها ترید أمنا إقلیمیا لا دور فیه لكل من مصر وسوریا. وفي نيسان عام 2006 دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني في اقتراح قدمه خلال اجتماع منتدى الاقتصاد العالمي بالدوحة، إلى[4] تشكیل منظمة للأمن والتعاون في الخلیج تضم دول مجلس التعاون إضافة إلى العراق وإيران”. وتمتد السياسة الإيرانية كذلك إلى تفكيك منظومات الأمن القومي لكل دول المشرق العربي وهو ما يبدو جليا في إدارة إيران للفوضى السياسية والأمنية التي يشهدها العراق وسورية ولبنان.
تخشى إيران أن یتحول العراق، وهو قطب الرحى في كيانات الهلال الخصيب، إلى بلد معادي كما كان سابقا إذا تطورت قدراته العسكریة. كما تقلق طهران من أن یصبح العراق منافسا لها في الأوساط الشیعیة، باعتباره یحوي المزارات الشیعیة في النجف وكربلاء التي یمكن أن تهمش دور مرجعیة قم المرتكزة على ولایة الفقیه. لذلك عملت على ملء الفراغ الاستراتيجي الناجم عن انهیار الدولة بعد الاحتلال الأميركي في 2003 من خلال إستراتيجية ذات أبعاد متنوعة یمتزج فیها السیاسي بالاقتصادي والأمني بالمذهبي، واعتمدت بالأخص على الدعم الأمني والعسكري للمیلیشیات الشیعیة، حیث یقدم فیلق القدس الإمدادات والمعدات والأسلحة إلى المیلیشیات الشیعیة في العراق. كما تستغل إيران وكلاءها المحاربین لإیقاد التوترات الطائفیة وإذكاء عنف سیاسي، كي تتدخل عندئذ دبلوماسیا لحل تلك الصراعات، فتضمن لنفسها دور الوسیط في العراق. وهذه الجماعات المسلحة تمد طهران بمصدر بدیل في حال تبین أن حلفاءها السیاسیین ليسوا موضع ثقة، وبوسائل الرد على القوات الأميركیة في حال ما تعرض منها القومي للخطر.
التشيع والتشييع
تعتمد السیاسة الإيرانية على نشر قیمها الثقافیة وتصدیر نموذجها الفكري بطرق غیر عسكریة، باستخدام الأسالیب غیر المباشرة للنفوذ والتأثیر مثل : إنشاء المراكز الثقافیة والدینیة لتعمیق الحوار وتوسیع المعلومات، وتقدیم المنح الدراسية لطلاب بعض الدول الإسلامیة، ومد جسور مع المذاهب الأخرى وتطویر المفاهیم والتقلید لتصبح نافذة ومؤثرة.
كما تعتمد إيران على نشر التشیع السیاسي المؤمن بنظریة ولایة الفقیه كإستراتيجية للتوسع. وفي ظل تنامي ظاهرة التشیع في الفترة الأخیرة كظاهرة اجتماعیة ذات بعد سیاسي، أصبح التشیع بعدا مهما في السیاسة الخارجیة الإيرانية، خاصة مع ارتباط المكونات الشیعیة المتزايد بإيران، وسعي الأخیرة منذ انطلاق الثورة أن تكون مركزا وحیدا للمذهب الشیعي. فهي تسعى من خلاله إلى السیطرة على الحوزات العربیة[5] وعلى رأسها حوزة النجف، في سبيل تعزیز مكانة “قم” كحوزة مركزیة ومرجعیة رئیسیة للشیعة في العالم.
اشتعل هذا الصراع حول المرجعیة بعد سقوط نظام صدام حسین[6] وإمكانیة عودة مرجعیة النجف لتلعب دورها الروحي لدى الشیعة، مما یمثل تهديدا للنفوذ الإيراني. فالسیطرة على الحوازات الدینیة خاصة النجف، یعطي لإيران قدرة تأثیر كبیرة جدا لدى المقلدین الشیعیة، ویساهم في انتشار فكرة ولایة الفقیه التي تعتبر من أهم ركائز النظام الإيراني وأدوات السیاسة الخارجیة لإيران. لذا كان في طلیعة أهداف الجمهوریة الإسلامیة منذ قیام الثورة، جعل إيديولوجيتها الرسمیة تحتل الصدارة خاصة في المجتمعات الشیعیة في مختلف أنحاء العالم. فساندت علماء دین إيرانيين مدربین في قم ومتشربین بالايدولوجيا الرسمیة المعنیة بالحكم الدیني، وأنفقت لتمویل نشاطات علمائها من أجل الهیمنة على مدرسة النجف، خاصة بعد أن توفي في 2010 آیة الله العظمى محمد حسین فضل الله العلامة اللبناني النافذ والذي درس في النجف ودخل في مواجهة مع المراجع الشیعیة في قم نتيجة أفكاره الإصلاحیة للمرجعیة الشیعیة[7] حیث اعتبر الرجل منافسا للمراجع الإيرانية في الساحة العربیة، خاصة أنه عارض طرح مرجعیة السید على خامنئي مرشد الثورة معتبرا أنه “غیر كامل الشرائط”، لذلك اعتُبِر من المعادین للنظام الإيراني ما تسبب بزيادة التباعد بین فضل الله وحزب الله .
ظهر استخدام التشییع في السیاسة الخارجیة أكثر وضوحا وفاعلیة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 مما أدى إلى تقویة دور ونفوذ إيران في قضایا العراق ولبنان وسورية بشكل عام من خلال دعمها للأطراف الشیعیة الموالیة لها مثل القوى الشیعیة في العراق كحزب الدعوة وحزب الفضیلة والمجلس الأعلى، وهو ما مكنها من التأثیر والنفوذ في عراق ما بعد الاحتلال. كذلك بالنسبة لحزب الله، الذي انشئ بدعم إيراني حیث یقوم على إيديولوجية ولایة الفقیه.
لم تقتصر السیاسة الإيرانية في سورية على البعدین الاقتصادي والعسكري فقط، بل اعتمدت كذلك على العامل المذهبي في تعزیز تأثیرها الداخلي في سوریا. وفي سياق تعزيز الوجود الشيعي في سورية، تمَّ التركيز على إعادة بناء وتطوير الرموز الشيعية في سورية كظاهرة مقام السيدة زينب من حيث إنشاء المقام ثم توسيعه، ثم التوسع حوله بشراء العقارات وإنشاء البنى التحتية والحوزات والمدارس الدينية بتمويل وإدارة إيرانيين. أمر تكرر في مقام السيدة رقية في مدينة دمشق القديمة، إذ رغم حساسية وأهمية المنطقة تم إقامة مبنى ضخم للمقام يتضمن مدرسة ومسجدًا كبيرًا، انتهى إعماره عام 1990 وتتولى إدارته جمعية إيرانية. تكرّست هذه السياسة في كل من مقامي عدي بن حجر الكندي في ريف دمشق، وعمار بن ياسر في محافظة الرقة، ومقام (سكينة بنت علي) ومقام (محسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب) في حلب، بحيث أصبحت سورية من خلال إعادة إحياء الرموز الشيعية القبلة الثالثة للحجاج الشيعة وازدهرت السياحة الدينية بين إيران سورية بشكل مضطرد خلال سنوات ما قبل الحدث السوري.
سورية
بنيت العلاقات السورية الإيرانية وفقا للمصالح والخصوم المشتركين (الولايات المتحدة وإسرائيل والعراق). وتخطت هذه العلاقات كل المشاكل التي ظهرت في طريقها، بل إنها تطورت وتعمقت وفقا لكل التحديات فأصبحت نوعا من الرهان الاستراتيجي المتبادل. وعندما حصل نوع من تداخل وتشابك المصالح والنفوذ على الساحتين اللبنانية والعراقية استطاعت الدولتان إدارة هذا التباين من أجل استمرار هذه العلاقة الحيوية للطرفين.
وجدت إيران في سوریا الحلیف الذي تبحث عنه في مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية والعزلة الناجمة عنها، حيث كانت سوريا في حالة عداء مع واشنطن باعتبارها حلیفا للاتحاد السوفیاتي، إضافة إلى عداءها مع النظام البعثي في العراق. فكانت أجرأ ملامح سیاسة الأسد الخارجیة التي أعید تشكیلها لمواجهة عالم كامب دیفید، هي وقوفه وتحالفه مع إيران الثورة، مما خلق شیئا جدیدا تماما في المنطقة أي محورا یمتد من طهران عبر دمشق إلى جنوب لبنان.
بعد انتهاء الحرب الباردة، أصبح التحالف أكثر حيوية لكلا الطرفين. فقد تعاونا في تطویر الصواریخ البالیستیة وفي تسلیح ودعم حزب الله والمقاومة الفلسطینیة، عدا عن التأثیر في الأحداث اللبنانیة و الفلسطینیة. وترسخ هذا التحالف كذلك بعد احتلال العراق في 2003، إذ رحب الطرفان ضمنا بسقوط نظام صدام حسین عدوهما المشترك، وجمعهما الخوف من أن یكون أحدهما الهدف المقبل لإدارة بوش الإبن.
شكل احتلال العراق تحولا مفصليا في توازن العلاقة السورية الإيرانية، بعد ضغط المجتمع الدولي على سوريا، واتهامها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، فاندفعت السياسة السورية نحو مزيد من التشبث بالعلاقة مع طهران، فأصبحت سوريا بذلك الطرف الأضعف في هذه العلاقة التي فقدت توازنها. وبناء على ذلك وقع الطرفان بين عامي[8] 2004– 2007 أربع اتفاقيات للتعاون الاستراتيجي العسكري والأمني والاستخباري. وفي خلال حرب تموز 2006 قدم الحلف الإيراني – السوري اسطع صوره، من خلال الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي اللا محدود لحزب الله بالإضافة إلى الدعم المقدم لحركة المقاومة الإسلامیة حماس وحركة الجهاد الإسلامي خلال حصار قطاع غزة.
وفي العام 2010 وقعت إيران [9] اتفاقية خاصة بالغاز الطبیعي مع سوریا والعراق بقیمة 10ملیار دولار، بغرض إنشاء خط أنابیب غاز یبدأ من إيران و یمر عبر سوریة ولبنان والبحر المتوسط لیصل إلى عدة بلدان غربیة.
في شباط 2010 ظهر الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني احمدي نجاد وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله معا في دمشق في عشاء رسمي. بدا الأمر كنبوءة بولادة جنين الصراع الطائفي الذي تحبل به أحشاء المنطقة، ثم كان الحدث السوري. وبرز بوضوح الدعم الإیراني الكبیر للدولة السورية فشهد هذا الدعم أبعادا مختلفة اقتصادیة وعسكریة وسیاسیة، وأفصح عن حجم وأهمیة سوریا في الإستراتيجية الإيرانية.
اختصرت التصريحات الإيرانية ما جرى في سورية من أحداث منذ عام 2011 بأنه مؤامرة أمريكية صهيونية واندفعت السياسة الإيرانية باتجاه مواجهة مفتوحة على الأرض السورية مع كل القوى الإقليمية والدولية الداعمة لفصائل المعارضة السورية المسلحة. وكان السلوك الإيراني مبررا بالخشية من ضیاع جهد أكثر من ثلاثة عقود من الاستثمار السیاسي والعسكري والأمني والمالي والإيديولوجي في المنطقة العربیة، إذ أن سقوط النظام السوري سینهي النفوذ الإيراني في بعض المناطق و یقلصه في مناطق أخرى.
عمل الإيرانيون خلال السنوات الماضية بنفس طويل وصمت على استيعاب المتغيرات الميدانية داخل سورية وإعادة هندستها، فكان ظهور قاسم سليماني في بلدة الحاضر جنوب حلب هي ذروة عملية “دبيب النمل” التي أشرف عليها الحرس الثوري الإيراني وطبقتها بالدرجة الرئيسة المليشيات المدعومة إيرانيا، وعلى رأسها حزب الله، إلى جانب المليشيات الباكستانية والأفغانية والسورية والعراقية وأبرزها وأكبرها “النجباء” العراقية بغطاء جوي روسي وسوري كثيف. فانتهت بعد عام بالسيطرة على مدينة حلب ما بين تشرين الأول عام 2015 وكانون الأول 2017.
في نهاية العام 2017، ظهر قاسم سليماني في بلدة البوكمال السورية الحدودية مع العراق؛ فكان العام 2017 هو العام الذي وصل به التوسع الإيراني في أربع دول – سوريا والعراق ولبنان واليمن – لذروته خلال خمس سنوات، وضعت فيها طهران كل ثقلها العسكري والاستخباراتي، في مشهد جسد القدرة الإيرانية على الاستجابة للتحديات وتحويلها إلى فرص.
كما مارست إيران خلال السنوات الماضية إعادة هندسة ديمغرافية لبعض المناطق السورية من خلال عمليات التبادل السكاني التي جرت بين بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين مع سكان الزبداني في 2015 تحت إشراف حزب الله، إضافة إلى دعم صمود سكان بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب وتقديم الدعم اللازم لهما لتكونا رأس حربة في “عملية دبيب النمل” التي أفضت إلى السيطرة على محافظة حلب في عام 2017. وهناك معلومات[10] عن منح الجنسية السورية لعناصر حزب الله المنتشرين على طول الحدود السورية الإسرائيلية بغية إخفاء تواجد بؤرهم في تلك المنطقة المحرمة دوليا.
في آذار 2019 عقد اجتماع[11] ثلاثي عسكري إيراني عراقي سوري في دمشق لبحث تأمين طريق طهران – دمشق للنقل البري، وتأمين الحدود السورية – العراقية، وفتح معبري القائم والوليد عليها. وخلال اللقاء صرح مسؤول في الحرس الثوري الإيراني أن لديهم مئة ألف مقاتل في سورية وكذلك مئة ألف مقاتل في العراق منتشرين ضمن مجموعات الحشد الشعبي. وبغض النظر عن مدى دقة هذه الأرقام يشير التصريح إلى أن إيران أصبحت تملك في سورية ذراعا عسكريا أمنيا بمعزل عن بنية الدولة السورية. وهو ذراع يستطيع أن يمارس عند الحاجة دور الدولة الموازية للدولة السورية أسوة بالحرس الثوري[12] في إيران والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان، وهي جميعا بنى تنظيمية عسكرية أمنية اقتصادية سياسية إيديولوجية تعمل باستقلال عن النظام الرسمي الموجود إلى جوارها.
القضية الفلسطينية
تعمل السياسة الإيرانية وفق البعدين القومي والإسلامي. لكن هذين البعدين المتوازيين وجدا نقطة تلاقي في القضیة الفلسطینیة كأحد أهم محاور استمرار إيران في تأدیة دور مهم كقوة إقلیمیة في المنطقة وإبقاء الشرق الأوسط ساحة مواجهة مفتوحة. وهذا يتفق مع الأدبیات الإسلامیة الثوریة المعتمدة على سياسة العداء لإسرائيل، وانتقاد كل جهود التسوية السياسية للاعتراف بإسرائيل من قبل بعض الدول العربية، والخطاب المركِّز على دعم حركات المقاومة باعتباره أساسًا من أسس السياسة الخارجية الإيرانية والذي يؤمّن لها دورًا بارزًا في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه مرتكز إلى شرعية النظام الإيراني وعقيدته السياسية.
تراوح الخطاب الرسمي الإيراني منذ قيام الثورة الإسلامية ما بين الدعوة إلى إزالة إسرائيل من الوجود، على حد وصف الرئيس الإيراني المحافظ احمدي نجاد، وصولا إلى اعتبارها كيان غير شرعي قام على المذابح، على حد وصف الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. ولا تزال فلسطين والدعوة للجهاد من الأبعاد الثورية الهامة في الخطاب الأيديولوجي الرسمي بالرغم من انفصام عرى العلاقة بين السياسة الخارجية الإيرانية وكثير من المبادئ الأيديولوجية الثورية مثل تصدير الثورة وغيرها، فالحل النهائي لمشكلة الفلسطينيين عند خامنئي ما زال يكمن في الجهاد الكامل ضد النظام الصهيوني.
لقد كان عرفات أول مسؤول أجنبي يزور طهران إثر تحول مبنى السفارة الإسرائيلية إلى مقر لتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن قطعت القيادة الإيرانية الثورية علاقاتها مع إسرائيل، ثم بعد ذلك مع مصر بسبب معاهدة السلام المبرمة بين الدولتين. كما كونت الجمهورية الإسلامية الإيرانية علاقة خاصة بحماس التي تعد أحد أهم أدوات السياسة الخارجية الإيرانية في تعاملها مع قضايا الصراع العربي الإسرائيلي.
بدأت علاقة إيران بحركة المقاومة الفلسطینیة حماس منذ سنة 1992، بعدما طردت إسرائيل مئات من قادة ونشطاء الحركة إلى لبنان خلال منتصف فصل الشتاء. حدثت حینها اتصالات مع حزب الله، ومن بعده الحرس الثوري في لبنان ولاحقا في طهران. وبدأ دعم إيران لحركة حماس إثر انتفاضة الأقصى او الانتفاضة الثانية سنة 2000، وكذلك بعد حرب تموز 2000، حیث رأت المقاومة الفلسطینیة في حزب الله مثالا یحتذى في كیفیة شن الحرب ضد الجیش الإسرائيلي. وتم استنساخ تجربة الحزب بكل ما تحتاجه من بنية تحتية وزرعها في قطاع غزة بدعم إيراني من خلال وكيلها الشرق أوسطي حزب الله. يضاف إلى ما سبق عامل آخر ساهم في تعزيز علاقة إيران بحركة حماس هو الحب من طرف واحد الذي يربط إيران بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين والذي تنضوي حماس تحت مظلته حيث كانت إيران من أشد المدافعين عن التنظيم بعدما تم تصنيفه مؤخرا كتنظيم إرهابي من قبل الولايات المتحدة.
لكن الحدث السوري والمواقف المتباينة تجاهه تسبب في إعادة ترتيب العلاقة بين إيران وحركة حماس حيث تم تخفيض الدعم الإيراني للحركة إلى حدود دنيا دون أن يتم اقتطاع شعرة معاوية. فيما أعاد العدوان الأخير على قطاع غزة الحديث عن حجم النفوذ الإيراني في القطاع إلى الواجهة بعدما اغتالت إسرائيل مسؤول الارتباط المالي حامد الخضري بين الفصائل في القطاع وبين إيران بعملية جوية موجهة هي الأولى من نوعها منذ حرب غزة في 2014. وجرى الحديث عن أن الاشتباك الأخير بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل تم بإدارة إيرانية[13] كرد على الحصار والتهديدات الأمريكية المتصاعدة ضدها بعد ثماني سنوات من المد والجزر في علاقة إيران بالفصائل الفلسطينية في القطاع.
لبنان
أسهم التزام حزب الله المعلن تجاه ولاية الفقيه وولعه بـ “الثورة الإسلامية” في ربطه بطهران منذ البداية، وهي رابطة لم يحاول أي من الطرفين إخفاءها ما دفع إلى هيمنة الاعتقاد الشائع بأن حزب الله كان بالأساس أحد المشروعات الإيرانية الهادفة إلى مناوشة إسرائيل من أحد المواقع القريبة بحكم احتلالها لجنوب لبنان. لذا لم يكن مستغربا أن تكون طهران هي من دربت الطليعة الأولى لمقاتلي الحزب عبر كتائب الحرس الثوري التي تدفقت إلى لبنان بتنسيق مع الحكومة السورية المسيطرة على البلاد آنذاك.
وفي ضوء ذلك، كان الدعم الإيراني بالمال والعتاد أمرا حاسما لحزب الله وقت تأسيسه. فقد ساعد هذا على امتلاكه القاعدة الشعبية الضرورية التي وفرتها له جموع الشيعة المتدينين المهمشين، واليائسين بفعل الحرب الأهلية طويلة الأمد. كان حزب الله في بدايته يفتقر إلى أدنى مقومات الاستقلال المالي، وهو ما دفعه إلى الاعتماد على الأموال الإيرانية في تشغيل هياكله الإدارية، وتفعيل شبكته الخدمية التي أسسها بهدف بناء قاعدة جماهيرية أكبر بين الشيعة اللبنانيين، وحتى في تمويل عملياته العسكرية ضد الإسرائيليين والأميركيين.
تشير التقديرات إلى أن طهران قدمت مساهمة ثابتة[14] لا تقل عن 100 مليون دولار سنويا لحزب الله منذ نشأته، زادت بشكل متصاعد لتتراوح خلال عام 2013 بين 800 مليون إلى مليار دولار. ولكن الدعم الإيراني لحزب الله لا يقتصر على الدعم المالي فحسب، بل يمتد لأبعد من ذلك نحو الدعم العسكري المباشر، حيث يُدرّب العديد من مقاتلي حزب الله في إيران. كما يتلقى الحزب تدريبات إيرانية تبدأ من حروب العصابات، مرورا بتطوير الصواريخ وإطلاقها والحروب البحرية، ووصولا إلى تشغيل الطائرات بدون طيار. كما تقوم إيران بتوريد الأسلحة للحزب اللبناني بشكل مباشر بما يشمل البنية التحتية الرئيسة لترسانة صواريخ الحزب، وبعض الأسلحة المدفعية وحتى الطائرات بدون طيار.
بفعل انتصاراته في صراعه مع إسرائيل، وتنامي قدراته وتأثیره في الداخل اللبناني وحتى خارج لبنان، أضحى حزب الله فاعلا إقليميا مؤثرا في المشرق العربي، سواء في المعادلة الأمنیة من خلال الصراع مع إسرائيل، أو من خلال تدخله الأخیر في الأزمة السوریة. كما أن تحالف إيران معه سمح لطهران بإطلالة جغرافية وسیاسیة وعسكریة على شمال إسرائيل، وقد تأكدت إمكانیة استهداف العمق الإسرائيلي بالفعل أثناء حرب 2006. لذا فإن إيران أضحت بموجب هذا التحالف طرفا أساسیا في التطورات الإقلیمیة والحراك السیاسي في المنطقة من حدودها الغربیة مع العراق وحتى جنوب لبنان، وبشكل یفوق الحضور الأميركي وتحالفاته في المشرق العربي.
لفهم آلية عمل منظومة الأمن القومي الإيراني في ضوء ما يحدث من حشد وتجييش عسكري أمريكي في الخليج، والذي يتمحور حول إيقاف إيران تطوير منظومتها الصاروخية وتفكيكها، لفهم ذلك يمكن العودة إلى العام 2006، حيث جربت إيران فاعلية منظومة الردع القائمة على الصواريخ تلك بشكل غير مباشر، من خلال ترسانة صواريخ “حزب الله” المستمدة من إيران والتي نجحت في إلحاق أضرار اقتصادية وسياسية بالغة بإسرائيل خلال الحرب التي خاضها الطرفان في ذلك العام، رغم أن غالبية صواريخ حزب الله آنذاك كانت من الصواريخ المدفعية قصيرة المدى نسبيا. لكن ضرباتها كبّدت[15] الاقتصاد الإسرائيلي خسائر قُدّرت بـ ـ3.5 مليار دولار، بعد أن أجبرت الشركات الإسرائيلية على الإغلاق. فدفعت السلطات لإنفاق أموال طائلة على التأمين واستدعاء قوات الاحتياط، علما أن تجربة الردع الصاروخي هذه اختبرها الإيرانيون كذلك في قطاع غزة خلال حربي 2014 و2019 وتثبتوا من نجاعتها.
اليوم يمتلك “حزب الله” – فضلا عن إيران نفسها- ترسانة صاروخية[16] أكثر قوة تقدر بـ 130 ألف صاروخ تتميز بمدى أطول ودقة محسنة، بما في ذلك صواريخ فاتح وصواريخ فجر وحتى صواريخ سكود الأصلية، في الوقت الذي عززت فيه إيران من ترسانة الصواريخ الخاصة بها ونشرتها على مساحات جغرافية أوسع، خاصة في سوريا التي تستضيف اليوم صواريخ إيرانية متوسطة المدى ومصانع ميدانية لتركيب الصواريخ.
العراق
كان سقوط العراق تحت الاحتلال الأميركي تحولا بالغ الأهمیة في البیئة الإقلیمیة لإيران، أدخل المشرق العربي كله في مرحلة جدیدة، وساعد على إعادة بعث الدور الإقلیمي الإيراني في المنطقة. كما أصبح خطرا آخرا لها بسبب التواجد العسكري الأميركي وتهديداته المتتالیة بتوجیه ضربة لها. لكن في المقابل أصبحت إيران صاحبة نفوذ قوي في العراق منافس للنفوذ الأمریكي، كما وجهت لها اتهامات أمریكیة بدعم الملیشیات الشیعیة، فالصراع على النفوذ وعلى مستقبل العراق هو أحد ملامح التنافس الأمریكي الإیراني، لكن لدى الطرفین جملة مصالح مشتركة یدركها كل طرف فالولایات المتحدة یهمها أولا ضمان تدفق النفط، وكلا الطرفین یسعیان لعدم عودة العراق كقوة إقلیمیة تغیر من التوازنات في المنطقة.
رغم أن كافة التقديرات رأت في الوجود العسكري الأمريكي على الحدود الإيرانية تهديدا مستمرا لإيران إلا أن الإيرانيين حولوا هذا التهديد إلى فرصة من خلال ابتزاز الأمريكيين باستهداف قواتهم في العراق عبر الميليشيات العراقية المدعومة إيرانيا، ومن خلال إقامة علاقات وثيقة مع النخب العراقیة، والممتدة إلى ما قبل الاحتلال و الذین كان لهم دور بارز في تعقید المشروع الأمریكي .
لقد استغل الإيرانيون عملية ملء الفراغ الناجم عن سقوط الدولة العراقية إلى أقصى حد, ما مكنهم من المشاركة في تركیب المشهد الأمني بعد الاحتلال، من خلال الآلیة الأمنیة العسكریة التي تعتبر من أهم أذرع التدخل الإيراني في العراق, وهي الية بدأت مع عمليات التجنيس التي اتبعتها إيران اتجاه عشرات آلاف العراقيين الذين تم طردهم من العراق خلال حكم البعث العراقي وكانت البداية عام 1970 عندما قرر نظام حزب البعث العراقي تهجير عدد كبير من العوائل العراقية بحجة أصولهم الإيرانية، وبعد عقد من الزمن، تكرر المشهد عندما أصدر ما يسمى بـ “مجلس قيادة الثورة” قراره رقم (888) القاضي بتجميد الجنسية العراقية من شريحة اجتماعية واسعة بنفس الحجة، وزاد عليها حجة معارضة النظام في شهر تموز عام 1979. هذا التغيير الديمغرافي انعكس في العام [17] 2003 عندما احتل الأمريكيون العراق واسقطوا النظام والدولة العراقيين واسقطوا العراق في الفوضى الشاملة, حيث زج الإيرانيون بهؤلاء المجنسين -الذين اخضعوا لتدريب وتنظيم جيد- في خضم هذه الفوضى فأصبحوا إحدى الأعصاب المؤسسة للسلطة العراقية الجديدة وللنفوذ الإيراني في العراق, وفي العام 2014 أعادت بعض كوادر هؤلاء المجنسين – اعتمادا على فتوى السيستاني – إنتاج وقيادة الحشد الشعبي الذي كان له دور بارز في التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وإعادة إنتاج النفوذ الإيراني في العراق وتنظيمه .
حاولت إيران عبر هذه الإستراتيجية الحفاظ على الأوضاع في العراق بطریقتها الخاصة من خلال ” الفوضى المسیطر علیها ” ، ومفادها أن إشاعة نوع من الفوضى القابلة للسیطرة علیها في الأمد القصیر في العراق یعد السبیل الأمثل لتحقیق المصالح الإيرانية وقد ركزت إيران مواردها بدایة على حلفاءها التقلیدین في فیلق بدر التابع للمجلس الإسلامي الأعلى في العراق ،لكنها سرعان ما وسعت نطاق مساعداتها لیشمل جیش المهدي التابع للصدریین و جماعات خاصة ،و بحلول عام 2010 كانت إيران قد ضیقت دائرة دعمها فجعلتها تقتصر على ثلاث جماعات شیعیة مسلحة هي) لواء الیوم الموعود (خلیفة جیش المهدي و (عصائب أهل الحق) و (كتائب حزب الله).
في العام 2010 ورغم تصدر القائمة التي يرأسها إياد علاوي – وهي القائمة المدعومة سعوديا – في الانتخابات البرلمانية, إلا أن إيران تدخلت مع الكتل الشيعية الأخرى ودفعت بنوري المالكي للوصول إلى رئاسة الوزراء, حينها صرح[18] علاوي” أن تشكیل الحكومة تأثر ب 60% بايران و 30% بأمریكا، أما سوریا فهي محایدة”, وبعد عام من ذلك وعلى خلفية النزاع السياسي حول المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري انسحب عشرة وزراء يتبعون حلفاء إيران من الحكومة اللبنانية في 2011, ما أفضى إلى إقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري خلال لقائه الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في مشهد اظهر الإمساك الإيراني بإسقاط وتسمية رؤساء الوزراء في كل من العراق ولبنان فتصاعد التوتر السياسي في المنطقة وهو واقع انعكس في التصريحات الإيرانية الرسمية وغير الرسمية, حيث يحضر هنا تصريح مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني[19]، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي في أيلول 2014.
وفي العام 2014، عندما أصدر أكبر رجل دين في المذهب الشيعي في العراق آية الله علي السيستاني نداءً للمقاومة لوقف الهجوم الوشيك على بغداد من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. تم تشكيل عشرات الآلاف من المقاتلين في وحدات الحشد الشعبي التي تدرب العديد منهم في إيران واستطاعت هذه الوحدات دحر تنظيم الدولة الاسلامية في العام 2017 كما كان لها دور رئيسي في افشال عملية الاستفتاء على استقلال كردستان العراق في 2017 من خلال اقتحامها كركوك حيث تصادمت وحدات الحشد الشعبي المدربة ايرانيا مع مقاتلي البيشمركة المدربين امريكيا واجبرتها على التراجع, وكان قاسم سليماني حاضرا في ذلك المشهد .
واللافت ان تشكيلات الحشد الشعبي الموالية لإيران (منها عصائب أهل الحق، حزب الله العراقي، وسرايا الخراساني ومنظمة بدر ومنظمة النجباء) استمرت في ممارسة دورها بعد دحر داعش كدولة موازية داخل العراق أسوة بالحرس الثوري في إيران وبحزب الله في لبنان, فدخلت هذه الجماعات المسلحة المدعومة إيرانيا نتيجة ذلك في نزاع[20] مع مرجعية السيستاني وهو نزاع يعكس صراع المرجعيات الشيعية بين إيران والعراق .
يضاف إلى ما سبق العلاقة الاقتصادية لخاصة بين العراق وإيران والقائمة على تجاوز الحكومة الإيرانية للسلطة المركزیة العراقیة وإبرامها مشروعات تنمویة في محافظات الجنوب العراقي بالتفاوض المباشر مع المحافظین، ومد شبكة سكك حديدية بين البلدين وإعادة بناء مطار النجف لتطوير السياحة الدينية بين البلدين والتاثير الثقافي المتبادل وما يعنيه ذلك من تأثير للقوة الناعمة الايرانية, هذه العلاقة الاقتصادية الخاصة تمثل بالنسبة للإيرانيين بوابة لكسر الحصار الأمريكي وتجاوز العقوبات الدولية وهو ما يعيدنا إلى الحديث عن الاجتماع الثلاثي العسكري الإيراني العراقي السوري في دمشق في آذار 2019 لبحث تأمين طريق طهران – دمشق للنقل البري، وتأمين الحدود السورية – العراقية، وفتح معبري القائم والوليد عليها كآلية لتجاوز الحصار والتجييش العسكري الذي تمارسه الولايات المتحدة في الخليج .
الخاتمة
خلال اربعة عقود من الحرب المفتوحة الباردة والساخنة على امتداد الهلال الخصيب توسعت الهيمنة الإيرانية عبر بغداد ودمشق، وتقدمت حتى البحر الأبيض المتوسط, وغدت كلًا من العراق وسوريا ولبنان الخط الأمامي من هذا المد المتصاعد للقوة العسكرية والاقتصادية الإيرانية.
وإن تمهيد طريق من الخليج الفارسي إلى البحر الأبيض المتوسط. سمح لفيلق الحرس الثوري وقوات القدس التابعة له بنقل الأسلحة والإمدادات فقط بل أيضًا بنقل الأيديولوجية والنفوذ إلى عمق الأراضي العربية كما يسمح للاقتصاد الإيراني بإيجاد متنفس عبر هذه الجغرافية المفتوحة أمامه على مصراعيها, تجنبا للخنق الاقتصادي الذي يبدو أن الأمريكيين عازمين على ممارسته اتجاه إيران. ويُعتبر حزب الله هو الحلقة الحاسمة في هذا التطور, إذ يتم الآن تكرار إستراتيجية حزب الله المُجرَّبة والمُختبرة في جميع أنحاء المنطقة, فقد شُكلت المليشيات الشبيهة بحزب الله في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مع عدم مراعاة الحدود الدولية، حيث أصبح الانتشار السريع لهذه القوات أسهل بكثير.
يضاف إلى ذلك أن الهيمنة والنفوذ الإيراني المتصاعد في الإقليم يستجيب للمشروع الإيراني القديم الجديد بتقديم البديل السياسي القادر على تغيير المعادلة الإقليمية لتكون في صالح “شعوب المنطقة” بدلاً من أن تكون لصالح الغرب والأنظمة المتعاونة معها.
[1] ولید عبد الحي، بنیة القوة الايرانية وآفاقها، دراسات الجزيرة، 15 ايار 2019
[2] عبد العزيز بن صالح المحمود الشافعي، عودة الصفويين، اعداد الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية في مصر .
[3] حذر العاهل الأردني في تصريح نشرته الواشنطن بوست في الثامن من ديسمبر في 2004 خلال زيارته للولايات المتحدة من وصول حكومة موالية لإيران إلى السلطة في بغداد تعمل بالتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال يخضع للنفوذ الشيعي يمتد إلى لبنان ويخل بالتوازن القائم مع السنة
[4] عبد العزیز شحادة المنصور، أمن الخلیج العربي بعد الاحتلال الأمریكي للعراق: دراسة في صراع الرؤى، والمشروعات، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادیة والقانونیة ، المجلد 25 ، العدد الأول، 2009.
[5] يتركز شيعة العالم في منطقة الشرق الاوسط حيث يشكلون 37.5% من مسلمي المنطقة ويمثلون البيئة التي عملت وتعمل ايران على جعلها بيئة حاضنة لايديولوجيتها ونفوذها , ولید عبد الحي , المرجع السابق .
[6] حامد محمود ، هل تسیطر ايران على المرجعیة الشیعیة العربیة بعد رحیل فصل الله؟.الاهرام الاستراتيجي ، العدد 189 .سبتمبر 2010 .
[7] حامد محمود , المرجع السابق .
[8] شنين محمد المهدي , السياسة الخارجية الايرانية اتجاه المشرق العربي , جامعة محمد خيضر , 2013- 2014 , ص 179.
[9] شنين محمد المهدي , المرجع السابق .
[10] ذكر معهد «ميمري» تجنيس عناصر «حزب الله»، المنتشرين في جنوب سوريا، على طول الحدود مع “إسرائيل” , صحيفة الشرق الاوسط , 20 ايار 2019 .
[11] قائد الحرس الثوري الإيراني جعفري يشير إلى أن إيران “نظمت في سوريا 100 ألف مقاتل ضد جبهة النصرة وداعش والمعارضة” , جريدة الشرق الأوسط 20ايار 2019 .
[12] شبكة النبأ،” الحرس الثوري الايراني، من مؤسسة عسكریة إلى نفوذ یهیمن على الدولة”، 15ايار 2019.
www.annabaa.org./ubanews/2010/02/223.htm
[13] ايران تعطي الضوء الاخضر لحركتي حماس والجهاد نحو التصعيد العسكري. صحيفة راي اليوم , 20 ايار 2019.
[14] شنين محمد المهدي , المرجع السابق , ص 193 .
[15] ميدان الجزيرة , 20 ايار 2019
[16] “موقع “ستراتفور” الاستخباراتي الأميركي يكشف يمتلك “حزب الله” -فضلا عن إيران نفسها- ترسانة صاروخية[16] أكثر قوة تقدر بـ130 ألف صاروخ” , المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية, 20 ايار 2019 ,
[17] الجماعات شبه العسكرية تحدي لإعادة بناء دولة فعالة , 30/7/ 2018 , مجموعة الأزمات الدولية .
[18] شنين محمد المهدي , المرجع السابق , ص 141 .
[19] الجزيرة , اعتبر علي رضا زاكاني “أن العاصمة اليمينة صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد” ’ 20ايار 2019 .
[20] دعا المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني، إلى دمج المتطوعين الذين شاركوا بالقتال ضد تنظيم “داعش” الإرهابي إلى مؤسسات الدولة العراقية, قناة العالم , 20 ايار 2019 .
مقال جميل شامل وموضوعي , حيّاك الله أستاذ حسان وشكرا لموقع الفينيق على نشر هذا المقال الجميل
لولا شماعة فلسطين لما نجح لص واحد يمتطي قناع العفة ان يمرر مآربه الخاصة ،،،منذ سيكس بيكو و سيازنوف و بلفور..افيون الدين و القومية الشعوبية ..