النموذج
Share
“اذكروا فلسطين وسيناء والاسكندرون وكيليكيا والأحواز وقبرص.”
إن معظم ما نكتبه في الفينيق هو كلام للمستقبل. ففي زمن الانهيارات والأوبئة ينشغل الناس بحاضرهم عن مستقبلهم. ولكن الانهيارات سوف تتوقف، والأوبئة سوف تهزم، عندها، ربما يكون لكلامنا هذا فعل.
سؤال أساس:
إن أراضينا المحتلة والتي تأخذ شكل دائرتي احتلال خارجية وداخلية، هي جزء مهم من حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. بقاؤها في أيدي أعدائنا يمهد الطريق لاحتلالات جديدة فلا بد من استعادتها. لحصول ذلك لا بد من توفر عدد من الشروط الضرورية بما فيها تنامي قوتنا الداخلية، وضعف أعدائنا، واستحصالنا على قبول ودعم سياسيين دوليين لتغيير الخرائط. لنفترض أن كل هذا قد تأمن، يبقى هناك سؤال أساس لا بد من التمعن فيه. السؤال هو: لماذا سيقبل المواطن القاطن في أراض سورية محتلة، ويعرّف عن نفسه أنه تركي أو إيراني أو سعودي أو مصري مثلا، في أن ينقل ولائه من دولته الحالية إلى الدولة السورية؟
الجواب هو النموذج. النموذج الذي علينا تقديمه للمواطن في تلك الدول، والذي عليه ان يشكل جاذبا قويا، يتخطى جميع الاعتبارات القائمة، ويدفع ذلك المواطن لطلب الانتماء للدولة السورية. ما لم نبن هذا النموذج، تبقى كل الشروط الضرورية آنفة الذكر غير كافية.
بناء هذا النموذج يبدأ من عبارة سعاده الخالدة: “طلب الحقيقة الأساسية الكبرى لحياة أجود في عالم أجمل وقيم أعلى.” نقول يبدأ منها إذ على المؤسسات المختصة بناءه واختباره ودراسة مدى قابليته للحياة. ولكن هل قام هذا النموذج يوما؟ الجواب نعم. لقد مرّ، في رأينا في أربعة مراحل: مرحلة سعاده، 1932-1949، فمراحل ما بعد سعاده ونقسّمها كما يلي: 1949-1961، 1969-1990، و1990 حتى الآن.
في المرحلة الأولى، بنى سعاده الحزب على أساس نظرته تلك. وعد الناس بحياة أفضل، وقدم لهم عالما أجمل، ومارس قيما أعلى، فجذب ذلك العدد الكبير من الناس من مختلف المناطق السورية. كان ذلك الشرط الضروري الأول، أي بناء القوة الداخلية عبر تقديم نموذج متميز عن كل ما هو قائم.
كان من الطبيعي أن يصطدم ذلك النموذج بكل ما اصطدم به، وكان لا بد للحرب من أن تقع بين سعاده وخصومه وأعداء أمته. استخدم سعاده النموذج الذي بناه وأطلق ثورته الأولى استنادا إليه. لم يكن ذلك كافيا، وانتهت تلك المرحلة باستشهاده.
بين 1949 و1961 كان النموذج لا يزال حاضرا بقوة. حاول الحزب الوصول بواسطته الى السلطة مرتين: عبر انقلاب في الشام سنة 1956، توقف قبل ساعات من القيام به بسبب العدوان الثلاثي على مصر، وانقلاب في لبنان حصل وفشل، سنة 1961.
بعد الخروج من السجن، وبين 1969 و1990، لم يعد النموذج المميز هو المهم، بل العكس. أصبح التماهي – أي تقليد ما هو قائم – هو سياسة الحزب، فَتَمَرْكَسَ، وتَعَرَّب، ولحق بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأصبح العمل الجبهوي من ضمن الحركة الوطنية اللبنانية أهم من العمل المُرَكّز للوصول إلى الشعب واستقطابه حول عقيدة الحزب وغايته ونظرته. فَقَدَ الحزب تميّزه، ولكنه ظل في خندق “وطني” يمكن منه إعادته للتركيز على قواعد انطلاقه الأساس.
في المرحلة الأخيرة، 1990 وحتى الآن، انتقل الحزب إلى خندق التنين متعدد الرؤوس والذي تأسس للقضاء عليه: تنين الفساد والإقطاع والكيانية والنزعة الفردية.
بين التأسيس و1969، كانت الشدائد الخارجية تقوّي الحزب، تستنفر التضحيات من أعضائه، ولكم قدّموا من تضحيات! كان نادرا أن يخرج قومي من الحزب. من 1969 فصاعدا، ابتدأ النزف الداخلي، ولمّا يتوقف.
عودة إلى السؤال الأساس، ما هو النموذج الذي علينا تقديمه للمواطن في الأراضي السورية المحتلة كي يحلم بالعودة إلى وطنه الأم؟ الجواب هو بناء النموذج الذي يعيد القوميين إلى حزبهم أولا، ويقدم الجاذب للمواطن السوري بحيث يصبح الحزب فعلا حركة الشعب العامة الناطقة باسمه.
للبحث تتمة.