الموسيقا-عفاف إبراهيم
Share
حين تُخفق الأبجدية في تشكيل الكلمات الملائمة وتعجز اللغة عن التعبير، تتكوّر المصطلحاتُ في سجن معانيها تنتظرُ لحظة الإفراج من أسر القواميس وضوابطها…
وحيثُ لا تجرؤ الكلمات عبورَ مسارات وأروقة النَفْسِ الدقيقة وأسلاكها الشائكة وطرقاتها الملتفّة وأنفاقها وسراديبها الطويلة المتعرّجة الممتدّة منذُ بدء الخليقة – مظلمةً كانت أم مُضيئة…
عند إعاقة الأحرف اجتياز تراكمات الحياة والمشاعر السحيقة خشية الخدش أو الجرح، الاصطدام أو فشل المرور، تسري الموسيقا حُرّةً طليقة.. ميساء رشيقة في حنايا الرّوح عابرةً تفاصيل الجسد وثنايا خلاياهُ الأبعد لتُحيل كلّ منها روضةً نجلاء شاسعة المدى مفتوحة الجهات على أصقاع وارفةٍ نديّة.. عطريّة.. مخمليّة النفَس.. نقيّة.. حريريّة الملمس في حال الفرح أو الحزن النبيل الجميل..
تخلقُ منك كائناً محلّقاً من دون أجنحة، نافضاً عنه لون وشكل وحتى وزن الرّيش؛
كائناً يُطيّرُ الأنفاس والفراش إلى السماوات البعيدة حيثُ لا يجرؤ الخيال أن يصل أو يعيش!
كائناً من خميرةٍ لا من عجين.. قادراً على الفعل والخلق والتكوين..
كائناً ليّناً تسهل معه ولهُ زوايا الرؤى القاسية ومصاعبَ التأويل..
كائناً عابراً للقارّات والأزمنة ولكلّ ما يُرى وما لا يُرى..
كائناً شفيفاً يعكس كلّ ضوء ويمتصُّ كلَّ شوق..
كائناً مُنصهراً قابلاً للتشكيل وإعادة التدوير..
كائناً حالماً بما هو أبعد من طيف اللون..
كائناً بوسع الكون..
كائناً خفيفاً متخفّياً ومختلفاً..
كائناً من ندف الغيوم..
من رحم شدو البلابل..
من هدوء سريانِ السّواقي..
من تواشيح الغروب في الكروم..
كائناً يطرّزُ حوافّ السّماء بالنجوم..
كائناً يتلاشى بصمتٍ إلى أن يذوب..
كائناً يقطّر الحبّ غِماراً في الدروب..
كائناً غيرَ موجود، بل هو الوجود..
كائناً يُعاينُ الخالقَ في الخلود..
كائناً في الكلّ..
كائناً للكلّ..
كائناً مِن كلّ..
كائناً مَن كان..
إنسان.