المناهج في الكيانات السورية.. كوارث قومية وأخطاء علمية!
Share
يغيب المنهج العلمي عن المناهج التعليمية في الكيانات السياسية لسوريا الطبيعية، وتحل حدود سايكس بيكو مكان الحدود الطبيعية، كما يختلف رسم الخريطة بين منهاج وآخر، فتخرج المناطق المغتصبة خارج الحدود الطبيعية، وأحيانا يحضر بعضها ويغيب الآخر! ويقع المؤلفون في إشكالية المصطلحات، كأن يُسمى شعب سوريا قبل الميلاد بالشعب العربي! وأيضاً عندما يتم استخدام عبارة “الشعوب المسيحية والإسلامية في سوريا” كأن الدين يعطي صفة القومية. أما بالنسبة لمنهاج التربية الدينية، فلم تستطع جميع مناهج سوريا الطبيعية الخروج بمنهاج وطني يجمع المشتركات بين الأديان عوضاً عن وضع كتابين للديانة المسيحية والإسلامية، وهو ما يفرض عملياً على الطلاب المسيحيين أن يخرجوا من الدرس عندما يكون إسلامياً والعكس صحيح!
في كتاب التاريخ للصف السابع الإعدادي، يرسمون الخريطة تضم المناطق المغتصبة في الشمال “كيليكيا واسكندرون”، لكنهم يغيبون منطقة “الأحواز”! ويتساءل المتابع إن كان الأمر يتم لاعتبارات سياسية وليست تاريخية علمية؟
تتفق جميع المناهج التربوية في العالم، على موضوع التربية وسرد الوقائع التاريخية والجغرافية بلا تعديلات سياسية، لأن القضية لها علاقة بتربية الجيل ونقل القناعات الراسخة التي يفترض ألا تتبدل ولا تتأثر بفعل التحالفات السياسية الطارئة في كل مرحلة. لكن في المناهج السورية تغيب تلك الحقيقة، ويمكن أن يتناقض المنهاج بين مرحلة عمرية وأخرى، حسب اللجنة المختصة بتأليف الكتاب وقناعاتها أو مدى اطلاعها، وهو أمر شديد الخطورة.
اللافت في هذا المنهاج، حضور الخريطة الطبيعية أيام الامبراطوريات السورية التي نشأت وامتدت بحكم الانتماء الطبيعي للأرض، كنوع من دراسات تاريخ تلك الدول، وهو ما يؤكد غياب المنهج العلمي في إعداد الكتاب، فكيف للمناطق المغتصبة أن تكون حاضرة في الوعي السياسي للسوريين القدماء، في حين تغيب عن الخرائط الحديثة لمؤلفي المناهج؟ بالتأكيد لم تكن زنوبيا مضطرة للاعتبارات السياسية في إعداد خريطتها عندما امتدت إلى طوروس وشملت سيناء ووصلت إلى مصر، وكذلك الملك سرجون الأكادي عندما وحد كل سوريا الطبيعية. فمن هنا لابد أن تنطلق القاعدة العلمية ودلائلها الكثيرة في التاريخ القديم، ولا يفترض أن تتبدل تحت أي ظرف.
لا تعترف المناهج السورية بجزيرة قبرص السورية، رغم قربها الشديد إلى الشواطئ السورية وامتدادها الجيولوجي الطبيعي للساحل السوري. ويبدو القول بسورية جزيرة قبرص، نوعاً من الخيال بالنسبة لمؤلفي المناهج التربوية، بعدما فقدت الأمة الكثير من مناطقها الحيوية بفعل الاقتطاع والاحتلالات، لكن هذا الظرف الطارئ وإن ظهر صعباً على التغيير، يجب ألا يؤثر على الجانب العلمي الذي يقول إن الجزيرة تنتمي لأقرب شاطئ كما ورد في القانون الدولي، فكيف لا تكون قبرص سورية وهي تبعد عن اللاذقية أقل من تسعين كيلومتراً، وأقل من ذلك بكثير بالنسبة للشواطىء السورية المحتلة من قبل تركيا؟ عدا عن تاريخ الجزيرة المعروف ووجودها ضمن الحدود الإدارية للدول السورية القوية في التاريخ.
لا يوجد منهج استراتيجي فكري وتربوية في إعداد المناهج التربوية في الكيانات السورية الغارقة في الاعتبارات الكيانية والتحالفات، وبالتالي فإن حالة من الفصام ستحدث أثناء تبدل العلاقات السياسية، كأن تحضر المناطق الشمالية المغتصبة في الخرائط، أثناء توتر العلاقات مع تركيا، في حين تغيب عندما تتحسن تلك العلاقات!
تحكم العامل الديني في موضوع المناهج أمر واضح، وهو يحصل إما بسبب عدم حسم العلاقة مع الدين على صعيد الدول الكيانية، وإما نتيجة سيطرة القناعات الدينية على لجان مؤلفي الكتب، أو بوجود العاملين معاً، وهذا الأمر يؤدي إلى مغالطات علمية كبيرة، وتسويق قناعات خاطئة وخطيرة على النشء الجديد.
لا يمكن اعتبار قضية المناهج التربوية، مسألة ثانوية، حتى في المراحل التي تظهر فيها الأمة منقسمة مشرذمة وخاسرة للكثير من المناطق الجديدة، فالاعتبارات مهما كانت، لا يمكن أن تلغي فلسطين من الخريطة، حتى لو وقعت بعض الدول العربية اتفاقيات مع الكيان الغاصب، فالتاريخ دائماً محكوم بالراسخ المستقر، وليس بالطارىء المتبدل.