المجرّب
Share
المأثور الشعبي عندنا واضح، “من جرّب المجرّب …”، خاصة متى كان المجرّب قد جُرِّب وأثبت عدم جدواه. ونحن إذ نكتب هذه الكلمات فأننا كيفما تلفتنا نجد من يصر
على تكرار التجارب الفاشلة، بالأشخاص أنفسهم وبالأساليب نفسها، متوقعًا نتائج مختلفة عن سابقاتها.
بدأ بعض السوريين القوميين الاجتماعيين بالإعداد للمؤتمرات الفرعية التي تُعقد دوريًا في الحزب تمهيدا للمؤتمر العام الذي يعقد كل أربع سنوات، ويتم في نهايته انتخاب قيادة جديدة. هذه خطوة جيدة لولا أن التجارب، أقله منذ سنة 2004 – أي أربعة مؤتمرات على التوالي، حملت كمًا هائلا من الأفكار والمقترحات والرؤى التي صرف القوميون في صياغتها مئات من ساعات العمل، فماذا كانت نتيجتها؟ لا شيء. لقد انتهت كلها، إما في كتيبات يغمرها الغبار، او في بيانات ختامية سخيفة لا تحمل من المضمون إلا الكلام الفارغ مما شاء الرقيب أن تضمه.
يبدو أن ما يتجاهله هؤلاء القوميون هو أن نتيجة المؤتمر محسومة سلفا، وليس لصالح النهضة السورية القومية بل لأعدائها. لماذا؟ لأن الذين سوف يشاركون في المؤتمر، بغالبيتهم، هم من الذين مُنحوا رتبة الأمانة ليس بسبب استحقاقهم لتلك الرتبة، بل العكس تمامًا. إنهم المطيعون الذين لا يتطلعون إلى أبعد من الكيدية السياسية الضيقة. وطالما أن السلطان فاتح لهم معجنه ليأكلوا من زاده في الموسم، فإنهم بسيفه ضاربون.
بالأمس هاجم رئيس المجلس الأعلى في تنظيم الروشة الحكومة اللبنانية الجديدة واصفاً إيّاها بـ “حكومة الطوائف والمذاهب والملل، وليست حكومة وحدة وطنية”. هذا مجرَّب يحاول أن يمحي أثر الماضي المعيب من سجله. ولكن القوميين لم يسكتوا هذه المرّة. فهاجموا هذا التصريح ومطلقه بسؤال بديهي: “هل حين كنت حضرتك او المحسوبون عليك وزراء في الحكومات السابقة، كانت تلك الحكومات حكومات وحدة وطنية؟ وحتى حين كنتم وزراء في حكومات الطوائف والمذاهب والملل، هل كانت ممارستكم مميزة عن سواكم؟” كلا، إنكم مجرَّبون كاذبون.
هناك مؤشرات أخرى نضعها برسم الذين يجرِّبون التحضير للمؤتمرات وكأن الدنيا في ألف خير. فقد أصدر رئيس تنظيم الروشة قراراً بإقالة عميد وهذا حق كفله له الدستور. قام المجلس الأعلى بنقض قراره بشكل تعسفي! فأضطر الرئيس الى رفع دعوى في المحكمة الحزبية التابعة لعمدة قضاء عميدها صهر رئيس المجلس الأعلى. وهذا الصهر جيء به بعد أن أقال المجلس الأعلى جهاز المحكمة السابق لأنه رفض تعديلا “لا دستوريا” للدستور يتعلق برئيس المجلس الاعلى! كل جملة في هذا المقطع تحمل تجربة فاشلة ومجربين فاسدين ودليلا إضافيًا على تضارب المصالح والسِفاح الإداري Incestious Administration الذي يتحكم بهذه المؤسسة. ما يستوقفنا هو هذا الإصرار على تكرار التجربة.
هذا تنظيم لا عدالة فيه، ولا قيادة، ولا غاية، ولا أهداف قومية ولا من يفكر بأي من هذه المسائل. مع هذا تجد قوميين متحمسين لتنظيم المؤتمر العام وخوض الانتخابات الحزبية. قلة تفكر أنه في الأوضاع الاستثنائية نحتاج إلى وسائل تفكير استثنائية.
وترى فريقا آخر يتوجه بوفد لتهنئة وزير في تنظيم طائفي محاولا أن يجد لنفسه موطئ قدم في نظام المحاصصة والطوائف نكاية بذاك المتمرس بالكار. إنه مجرِّب ٌجديدٌ يحاول تقليد مجرِّبٍ قديم. يا صاحبي، قوة الحزب هي في قوة أعضائه وليس في استجدائه تنظيما من هنا واستبقاء على غداء من هناك. النظام الطائفي والقائمون عليه مجرمون بحق الوطن، فكيف تذهب لتتلطى في فيء فسادهم؟
إن أسوأ أنواع التجارب هو أن تجرب التعايش مع رموز النظام الطائفي المذهبي، إن لم تصدق فاسأل من جرّب قبلك. انهم يستخدمونك ومن ثم يرمونك. إن موقعك الطبيعي هو في محاربة هذا النظام وليس في مداهنته.
نحن بحاجة إلى عقد مؤتمرات، ولكن ليس تمهيدا لمؤتمر عام سيراكم على الفشل فشلا، بل لدراسة وضع الحزب المنهار، ووضع المافيات المتحكمة بمفاصله، والمتحالفة مع أعدائه الطبيعيين من مذهبيين وتجار شنطة.
نحن بحاجة لأن ينظم القوميون أنفسهم من تلقاء أنفسهم. لأن ينبذوا كل ما هو قائم وينشئوا مديريات ومنفذيات جديدة مستقلة عن أي من المراكز القائمة، واضعين نصب أعينهم جمع ما تبقى من إمكانيات نظيفة أخلاقية لا همَّ عندها سوى تحقيق غاية حزبها، ومن ثم تضع الخطط للمستقبل.
قبل هذه الخطوة، كل تجربة هباء.
مقال يشير الى نقاط تعتبر اداة لسوء الادارة والى جر الحزب الى موقع الخاضع لشخص واخد همه المناصب والمنافع فقط. وهذا دور ينسف الأسس التي قام عليها ولأجلها هذا الحزب. لكن الحل المقترح ارتجالي وغير مجدي ومتسرع ولا يشكل اي دفع باتجاه تصويب النهج. اظن ان عملية الإصلاح والخروج من هذا الوضع المذري والذي يبشر ويقود للتهلكة. يحتاج الى تصميم وتخطيط دقيق يفوق بمرات القوة المدافعة باتجاه الانحراف عن المسيرة الحقيقية لهذا الحزب الذي اراده مؤسسه وجموع كثيرة قوة وعزيمة لارتقاء والنهوض