اللغة الآرامية في مواجهة الاعتداءات والنسيان!
Share
من منا لا يقول “مرحبا” التي تعني بالآرامية “مورحابا” أي الله محبة؟ التي كانت ومازالت تحيتنا السورية منذ مئات السنين .
شكلت سوريا التاريخ منذ بدايته، وما زالت تعيد صياغته في كلّ حين، فهي تعني السيدة، وقد جاءت من كلمة “سريت” السريانية، وسُمّي سكانها قديماً “سريانا” أو “سوريين”، واستخدم السريانيون اللغة الآرامية باعتبارها لغة الادارة والتخاطب.
كانت الآرامية لغة الحياة اليومية في الهلال الخصيب، وقد مرت بعدة مراحل، فتطورت من لغة محكية إلى فصحى، كما تعددت أقسامها ومنها الآرامية الغربية والآرامية الإمبراطورية والآرامية الشرقية التي تتضمن السريانية والسريانية الكلدانية والسريانية الفلسطينية التي كانت سائدة عند اليهود خلال فترة حياة السيد المسيح، وغيرها..
في البداية كانت تكتب بأبجدية أوغاريت وبالأبجدية السومرية، لكنها في عام 600 قبل الميلاد أصبح للآرامية أبجدية خاصة بها، حيث استخدمها العديد من الممالك وأنظمة الحكم المختلفة كلغة رسمية وإدارية وتجارية ولغة للتخاطب أيضاً مما ساهم في تألقها والحفاظ عليها، فوصلت إلى أوروبا غرباً والصين شرقاً.
كما استخدمت الامبراطوريتان البابلية والفارسية اللتان امتدتا من الهند إلى اثيوبيا اللغة الآرامية كلغة رسمية.
أثرت اللغة الآرامية في لغات عديدة ومنها لغة الضاد، ولكن عندما أخذت بالتداخل مع لغات أخرى دخلت المنطقة خاصة بعد الغزوات العربية، تضاءل عدد من يتقنون الحديث بها، وتقلص استخدامها نتيجة تبني الناطقين بها للعربية بشكل تدريجي، خاصة في زمن الخليفة المأمون عندما تحولت حركة الترجمة من الآرامية إلى العربية، فبقيت تتصارع معها إلى أن تحولت الآرامية اليوم إلى لغة منطوقة فقط مع تناقص أعداد من يتقنون كتابتها، وانحسرت ليقتصر انتشارها على بعض كيانات سوريانا وعلى رأسها الشام وفلسطين والعراق ولبنان.
لايزال سكان منطقة الجزيرة شمال شرق الكيان الشامي يتحدثون السريانية وهي الآرامية الشرقية التي أخدوها معهم إلى بلدان الإغتراب، في حين يتحدث سكان بلدات معلولا وجبعدين وبخعة في منطقة القلمون بريف دمشق الآرامية الغربية، وللأسف ربما يكون هؤلاء هم الشهود الآخيرون لذلك الجيل من رسل السيد المسيح الذين استمروا بالتحدث بها قبل حلول الروح القدس عليهم لأنهم لم يعرفوا غيرها.
سياسة الاضطهاد الوثني للمسيحية في القرن الثاني والثالث عشر، أثرت على الآرامية، عندما قطعت السلطات الجائرة ألسنة الناس الذين يتحدثون بهذه اللغة، وأصبحنا أمام سياسة تفريغ سوريا من مكونها الأصلي، بفعل ما سببته الحرب من نزيف مجتمعي سبب هجرة الناس وبخاصة المسيحيين، في عملية ممنهجة تهدف إلى إخلاء الشرق الأوسط من مكونه الأصيل، ومحاولة تذويب هويتهم ومعالمهم وتطعيم لغتهم وكتابتها بغير أبجديتها بذريعة إعطائها طابعاً دينياً وطمس هويتها القومية.
رغم كل محاولات فرض ذاكرة جديدة، لااتزال آثار الآرامية باقية حتى الآن، فعلى امتداد سوريا الطبيعية، من السهل أن نلاحظ انتشار الأسماء السريانية للقرى والضيع والبلدات التي بقيت محافظة على صيغتها الآرامية رغم محاولات تعريب هذه الأسماء أو إيجاد معان عربية غير معناها الأصلي.
للمدن السورية حكايات تطول، فدمشق التي أطلق عليها الآراميون تسمية “درمسق”، وهي الأرض المزهرة أو الحديقة الغنّاء. كما سمّاها السريانيون “درمسوق”، أي الدار المروية، وذلك لكثرة الينابيع في حواريها وغوطتها. أما الرومان فسمّوها “دومسكس”، أي المسك المضاعف، وتحوّل الاسم ليصبح “دومشق” ثم “دمشق”.
و اسم “داريا” آرامي الأصل وهو جمع لكلمة دار، أي بيت. أما “دوما” وبيرجع اسمها للعصر الآرامي ويعني السقف.. وتحمل كذلك جديدة عرطوز اسماً سريانياً بمعنى “المنتحية جانباً”. زملكا: وأصلها زم ملكا يعني صوت الملك بالسريانية. صحنايا: وتعني بالسريانية البلدة الصاحية لصحاوة جوها. صيدنايا: تعني مكان صيد الغزال حسب اللغة الآرامية السريانية. ويعني اسم بلدة معلولا في اللغة الآرامية “المدخل”. قطنا: التسمية آرامية سريانية وتعني المكان الضيق. معربا: ومعنى اسمها باللغة السريانية المغرب. أما إدلب باللغة الآرامية فتعني “قلب الإله إدد”. و حلب من “حلبا” في اللغة السريانية، وتعني البيضاء.
وتدمر فهي كلمة سريانية أيضاً وتعني الأعجوبة.
ويعود اسم حماة إلى الكلمة السريانية “حامات”، أي الحصن الحصين.
و “السويداء” “سودا”، أي السوداء الصغيرة، لأن المدينة بنيت بالحجارة البركانية السوداء.
عربين: اسمها الأصلي هو عربيل ويعني باللغة السريانية غربال أو كلمة عربانة السريانية بمعنى الصفصاف.
أما حمص، فقد أتى اسمها كتحريف عربي للاسم السرياني “إيميسيا”.
ويعود اسم درعا إلى الكلمة الكنعانية “أذرعي”، بمعنى القوّة أو الحصن، والقائمة تطول ويصعب على مقال واحد حصرها..
لهذا يجب أن نتكاثف ونطالب بالتوقف عن عمليات تغيير الأسماء الآرامية للكثير من الأماكن السورية وإعادة النظر بما تم تغييره لأن هذا أمر خطير وسلبي جداً فيما يخص الهوية والإنتماء، فهذه الأسماء تُمثل جزءاً مهماً من الوعي الجمعي للمجتمعات المحلية في سورية وتغييرها بهذا الشكل يؤثر سلباً على علاقة الإنسان بالمكان وانتمائه إليه….