الزواج القومي الاجتماعي تحت المجهر
Share
كنت قد كتبت منشوراً على صفحتي على فيسبوك، تناولت فيه ما اتفق القوميون على تسميته بالزواج القومي الاجتماعي، وكان هذا المنشور قد جاء بعد انتشار فيديو على صفحات التواصل الاجتماعي، منذ أكثر من سنة، يظهر فيه طقوس الزواج القومي في صالة أحد الأعراس، وقد انتشر كالنار في الهشيم ولاقى سخرية واستهجاناً واسعين من الجمهور. تناولت في المنشور هذا الفيديو مع الإشارة أيضاً إلى الزواج الذي كانت قد رعته مؤسسة سعاده للثقافة في شهر تموز من هذا العام، والذي كنت قد تابعته كاملاً من خلال البث المباشر.
للأسف، لاقى المنشور الذي كتبته استياء من طائفة غير قليلة من الرفقاء. في هذا المقال سأحاول شرح الأسباب التي كانت وراء كتابته. وبهدوء وبعيداً عن التشنج والمواقف المسبقة، سأضع الزواج القومي الاجتماعي تحت المجهر لتحليله وبيان موجباته وآثاره. وسيكون الزواج القومي الاجتماعي هو المثال الذي من خلاله سأقدم وجهة نظري في النشاطات التي يقوم بها الرفقاء القوميون، وآمل أن يتسع صدر الرفقاء للكلام والنقاط التي سأثيرها.
الزواجُ عموماً، واحدٌ من أعقد الواقعات القانونيَّة والاجتماعيَّة، فالناتج عنه آثار تتجاوز العروسين، وعلى عدة مستويات، وبأثرٍ زمني متعددٍ أيضاً. فعند عقد الزواج تنشأ روابط أسريَّة جديدة، وحقوق ماليَّة، ومراكز قانونيَّة مختلفة. وقد استطاعت أنظمة الزواج المعمول بها حالياً، وخلال فترات طويلةٍ من الزّمنِ، الإجابةَ عن كثيرٍ من الأسئلة الّتي تنشأ مع نشأةِ رابطةِ الزواج. ففي الزواج الدِّيني نجد أنَّ الأديان، وخلال فترة تطوّرها، أوجدت أنظمةً كاملةً معقدةً وخاصةً بهذه الواقعة. ومع ظهورِ الزواج المدني أصبح العقد الّذي يتفق عليه الطَّرفان قادراً على الحلول محلّ الزواج الدِّيني عبر إعمال قاعدة “العقد شريعة المتعاقدين”؛ إذ أصبح بإمكانِ العروسين الاتفاق على تحديد المراكز القانونيَّة لكلٍّ منهما، وكيفيَّة تقسيم الميراث، وآليَّة تقاسم الدَّخل والمصروف، والالتزامات والحقوق. وهنا، يجب أن نسأل سؤالاً جوهرياً: أين ما يسمّى بـ “الزواج القومي الاجتماعي” من كلِّ هذا؟ والأسئلة الّتي سأطرحها أدناه مثالٌ، الهدف منها ليس الحصر، فلا نهاية لأثارِ الزواج.
إذا كان هناك زواج قومي اجتماعي، فهل هناك طلاق قومي اجتماعي؟ أو أنَّ الزواج القومي كالزواج الكنسي لا طلاق فيه. وهل هناك طقسُ طلاق قومي اجتماعي مشابهٌ لطقس الزواج؟ وماذا عن الميراثِ القومي الاجتماعي؟ وكيف سيُسجّل الأولاد؟ وإن كان أحد الرفقاء قد تزوج رفيقة في المنفذية، فهل يحق له الزواج من ابنتها؟ وماذا إن تزوج من الرفيقة في المنفذية وتزوج من شقيقتها في الكنيسة أو المحكمة الشَّرعيَّة، ما موقف المنفذ العام؟ وهل يترتب على الزواج القومي الاجتماعي محرمات مثل الزواج الدِّيني؟
وإن توجه رفيقان في منفذية “سيدني” مثلا، إلى المنفذ العام طالبين منه أن يزوجهما زواجاً قوميّاً اجتماعيّاً، وكان هذان الرفيقان من الجنس نفسه، وكما هو معلوم أنَّ الزواج المثلي قانوني في استراليا منذ العام 2017، فهل يحق للمنفذ العام رفض طلبهما؟ ولماذا؟ وإن افترضنا أنَّ رفيقين لنا مثليين يريدان الزواج، وهما يعيشان في لبنان الّذي لا يبيح الزواج المثلي، فهل ستتفق مؤسسة سعاده مع قاضٍ موجود في بلد يُبيح زواج المثليين ليعقد لهما الزواج “أونلاين” كما قامت بذلك سابقاً؟ ولماذا؟ وهل هناك اختلاف بين الهوية الطَّائفيَّة والهوية الجندريَّة؟
إنَّ الزواج مسألةٌ بالغةُ الخطورة وشديدةُ الحساسيَّة، والتَّصدي لها بحجةِ تقديم النِّظام الجديد دون الاستعداد فعلياً، ودون التَّزود بالأجوبة عن طوفان الأسئلة الّتي سيثيرها ظهور النِّظام الجديد ضربٌ من الجنون الّذي قد يطيح بهذا النِّظام فوراً لهشاشته. فالزواج ليس مجرد ترديدٍ لشعارات وألفاظ، ولا هو استعراضات وأداءات؛ بل هو نظامٌ كاملٌ ومتكاملٌ، ونتصدى له بنظامٍ كاملٍ ومتكاملٍ. وعلى هذا النِّظام الجديد أن يكون مقبولاً، وأفضل طبعاً، وقادراً على منافسةِ النِّظام القديم وإزاحته، وقد رأى كثيرون منّا أنَّ الاستعراض الّذي انتشر على الإنترنت لم يكن على هذا المستوى.
إنَّ النَّشاط الّذي قامت به مؤسسة سعاده، لا يخرج عن المناخ العام الّذي تنشأ في ظلّه الغالبية العظمى من نشاطات الرفقاء القوميين الاجتماعيين سواء أكان عبر الوحدات الحزبيَّة أم على هيئةِ مجهودات لأشخاصٍ أو لمجموعات، ولا يخرج عن العقليَّة الّتي تُنتج هذه النَّشاطات، والّتي أراها شخصياً بحاجةٍ إلى الكثير من التَّركيز والتَّجديد. فيجب أن ينتهي إلى الأبد النَّشاط لأجلِ النَّشاط، وعلينا البدء بالعمل على النَّشاط لأجلِ تحقيقِ غايةٍ محددةٍ مسبقاً.
إنَّ التَّرحيب الشَّديد الّذي لاقاه نشاطُ مؤسسة سعاده، يعود إلى حماس الرفقاء الشّديد للزواج المدني. وشخصياً؛ أرى في الزواج المدني المنظومة الاجتماعيَّة والقانونيَّة الأفضل، والأقرب إلى العدالة بالمجتمعات الحديثة، غير أنَّه ليس الغاية، فالزواج المدني وسيلةٌ من وسائلِ الوصول إلى الغاية، وهنا؛ جوهرُ المشكلةِ.
لقد وضعَت العقيدةُ القوميَّة الاجتماعيَّة مبادئ أساسيّةَ، وهذه المبادئ هي الأهداف الإستراتيجيَّة الّتي يجب أن نسعى إلى تحقيقها، وأحدها المبدأ السّادس الّذي يقول: إنَّ الأمةَ السُّوريَّة مجتمعٌ واحدٌ، ولأجلِ تحقيق هذا المبدأ وضعت القوميَّة الاجتماعيَّة مسارين إجباريين للعمل على تحقيقِ هذا الهدف الإستراتيجي، فكي تكون الأمة السُّوريَّة مجتمعاً واحداً علينا العمل على إزالةِ الحواجز بين مختلف الطَّوائف والمذاهب، ومنع رجال الدِّين من التَّدخل في شؤون السّياسة والقضاء القوميين.
الأمرُ بهذا الوضوح وبتلك البساطة، فالهدف هو مجتمعٌ سوري واحدٌ، وخطةُ العمل هي منعُ رجالِ الدِّين من التَّدخل في شؤون القضاء والسّياسة، وإزالةُ الحواجز بين الطَّوائف والمذاهب.
ما الوسائل؟
لا تنتهي، واحدةٌ منها الزواج المدني. فهو وسيلةٌ من الوسائل الّتي يُمكن من خلالها العمل على إزالةِ الحواجز بين الطَّوائف والمذاهب، وبصورةٍ تلقائيّةٍ سيتقلص تدخل رجال الدِّين في شؤون القضاء، وذلك بغيةَ الوصول إلى الهدف الإستراتيجي، والّذي هو المجتمع الواحد، وليس الزواج المدني.
إذن، أين الخلل؟
منذ بضعةِ سنوات، ومباشرةً قبل طلاقي من العمل الحزبي، كلفتني منفذية دمشق، وكنت يومها ناظراً للإذاعة، أنَّ أقدم دورةً تدريبيّةً إداريّةً للرفقاء في واحدةٍ من المديريات في المنفذية.
هذه المديرية تكاد تكون الوحيدة في الحزب القومي المكوّنة بمعظمها من رفقاء صغار بالسن نسبياً، شباب رائعين، يملؤهم الحماس والعزة بالنفس، ويتميزون بدرجةٍ عاليةٍ من الاعتداد بالانتماءِ إلى الحي الّذي ينحدرون منه ويعيشون فيه. وكان هذا الحي على تخوم خطوط التَّماس مع “داعش” قربَ دمشق، وبحالةِ خطرٍ دائمةٍ، وخوفٍ من هجومٍ مباغتٍ.
كان عدد الحضور يقارب الـ 15 رفيقاً، فقسّمتهم مع بداية الجلسة الأوّلى إلى ثلاث مجموعات، وكان الفرض أنَّ كلّ مجموعة من هذه المجموعات هي هيئة للمديرية، وأنَّ الحي الّذي يعيشون فيه قد تعرض لهجومٍ من قِبل “داعش”، وأصبح محاصراً بشكلٍ كاملٍ…
والسؤال؛ كيف ستدير المديرية الأزمة؟ وما الخطة الّتي ستضعها لأجلِ ذلك؟
طبعاً؛ فوجئ الرفقاء بشدةٍ من هذا التَّكليف، لأنَّ العادةَ جرت على أنَّ يكون منهاج الدَّورة الإداريَّة هو كيفيَّة ترقيم الصّادرات، ومسك السِّجلات، وما إلى ذلك من مسائل أكل عليها الدَّهرُ وشرب. أما المهمة الّتي كُلِفوا بها على أساسِ هذا الفرض فهي أمرٌ لم يُحضروا له، ولا أحد منهم يعرف كيف يجب أن يتعامل معه. وجرت الدَّورة بعد ذلك على كيفيّة عمل المديرية في المتحد، وكيفية وضع الخطة النِّظاميَّة، وكيفيّة التَّعامل مع المعلومات وتحليلها، وإحصاء الموارد وكيفية استعمالها…إلخ.
تماماً؛ هذا هو موضعُ الخلل، لا يوجد خطة، وليس هناك إحصاء، ولا معلومات، ولا منهجيَّة لتحليل المعلومات، ولا لكيفيّة التَّعامل معها، ولا يوجد آليَّة للاستفادة من الموارد وتوظيفها، ولا كيف يجب تحديد الأهداف ووضع الأطر الزمنيَّة لها، ولا أي شيء من ذلك، ولا ذاك…
لقد عملت على مستويات عدة في الإدارة الحزبيَّة، ولم يكن هناك أية لحظة، وعلى مدى عشرين عاماً من العضوية في الحزب القومي، أية خطة واقعيّة مبنيّة على أساس معلومات حقيقية، وتسعى إلى تحقيق أهداف حقيقية، فهناك نشاطات كثيرة؛ لكنها ليست أكثر من “طوشة عرب”، نشاطات من أجلِ النَّشاط لا أكثر…، ومع احترامي الشَّديد للنوايا الطيبة والحقيقية الّتي كانت وراءَ معظمها، لكن؛ كما اقتبس “مارتن لوثر”: الطَّريق إلى الجحيم مرصوفٌ بالنوايا الطيبة.”
نقرأ دوماً في الأخبار، عن أناس عقدوا زواجهم بطرق غريبة، منهم من يتزوج تحت الماء ومنهم من يتزوج على حبل متدل بين جبلين ومنهم من يتزوج أثناء القفز المظلي، هذه مسألة تقع حتماً ضمن خانة الحرية الشخصية للعروسين ولا علاقة لأحد بها. غير أن الأمر يختلف عندما نريد الحديث عن طقوس زواج قومي اجتماعي. هذا مصطلح كبير ويحمل من ورائه آثاراً خطيرة، لا طاقة للحزب ولا الرفقاء بها حالياً، ولعل استبدالها بطقوس عرس قومي اجتماعي فيه رقصات وأهازيج محددة، تكون منطقية أكثر ومعقولة أكثر ومقبولة من الجمهور أكثر، وإن كنت حقاً أفضل أن نعزز التراث الخاص بكل متحد والمتوافق مع الفكر القومي الاجتماعي وتحييد ما يخالفه أكثر من استبداله، كون هذا التراث جاء من خلال مسيرة المتحدات على مر الزمان.
ما يزال هناك المزيد مما يجب أن يقال، ولكني أكتفي الآن بهذا الحدِّ مع اعتذاري الشَّديد عن الإطالة.
ولتحي سوريا
تحيا سورية
الرفيق رامي جلبوط لديه وجهة نظر قانونية تقنية علمية واقعية عقائدية و أنا أؤيده بالنسبة لوضع خطط و عدم الاكتفاء بالنشاطات المظهرية.
إلا إنه لابأس من نشاطات تحرض المجتمع على الانتباه لفكرة الزواج المدني. كما أنه ليس جيداً أن نقول زواج سوري قومي اجتماعي، و برأي إذا سميناه حسب الواقع بأنه زواج مدني برعاية الحزب،،،، و نوضح أن هذا الزواج يخضع لشروط العقد في البلد الذي نُظم فيه.
لتحي سورية و ليحي سعاده
اكرم نوفل