الحوكمة الشاملة في النهضة – الجزء الثاني – د. ميلاد السبعلي
Share
دستور الحزب
وضع سعاده الدستور منذ بدايات التأسيس، وتحديداً في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1934، وصنفه في 20 يناير/كانون الثاني 1937، وقام بعدّة مراجعات طفيفة بعد ذلك في الأربعينات.
وفي طبعة 1952 – دمشق، التي تمثل آخر نسخة من دستور سعاده قبل مسلسل التعديلات التي طالته في العقود اللاحقة، نجد مقدمة تثبت مفهوم التعاقد الحرّ بين المقبلين على الدعوة وبين الشارع صاحب الدعوة، على أساس الغاية والمبادئ الأساسية والاصلاحية، المثبتة في متن الدستور. كما ثبّت الدستور سلطة الزعامة، وأعطى الزعيم حق إنشاء “إدارات تنفيذية ومجالس إستشارية تشريعية وتنفيذية وهيئات اقتصادية لتعاونه في إدارة الحزب وخدمة القضية القومية الاجتماعية التي من أجلها نشأ الحزب السوري القومي الاجتماعي”.. وحدد وجود مجلس أعلى للحزب يجتمع بناءً على “دعوة من الزعيم لإبداء الرأي وإعطاء المشورة في شؤون الحزب الخطيرة ولتقرير سياسة أو خطة فاصلة أو حل مشكل ذي نتائج خطيرة في حياة الحزب الداخلية ولتعديل الدستور الحالي”. كما يجتمع المجلس الأعلى في حال “حيلولة أي مانع طبيعي دائم دون ممارسة الزعيم سلطاته لانتخاب خلف له”، تكون له “السلطة التنفيذية فقط وتحصر السلطة التشريعية من دستورية وغير دستورية بالمجلس الأعلى”. وسنعود لاحقاً لمناقشة تفاصيل مرحلة ما بعد غياب الزعيم.
كما يتضمن الدستور عدداً من المراسيم الدستورية التي أصدرها الزعيم، تحدد مهام وهيكلية الحزب، على المستوى المركزي (المرسوم عدد 1: مؤسسات العمد ومجلسهم)، أو على مستوى المناطق الإدارية (المرسوم عدد 2: مؤسسة المنفذيات)، والفروع (المرسوم عدد 3: مؤسسة المديريات)، إضافة الى مؤسسة رقابية منتخبة على مستوى الفروع والمناطق الإدارية (المرسوم عدد 4: مؤسسة لجان المديريات ومجالس المنفذيات)، تم تهميشها وإهمالها بالكامل على مدى مراحل تاريخ الحزب. إضافة الى القانون المالي (المرسوم عدد 5) الذي يضبط بدقة متناهية وشفافية مسائل التخطيط المالي والموازنة وآليات الصرف وتنظيم الإيرادات والاعتمادات، وتحديد المسؤوليات لكل من له علاقة بالشأن المالي على مستوى المركز أو الفروع، ويضع ضوابط صارمة للصرف حتى على الزعيم نفسه. كما يتضمن الدستور قانون الضرائب المحلية (المرسوم عدد 6) لتنظيم جباية الاشتراكات وضبط موازنات المناطق الإدارية. ويتضمن أيضاً تنظيم إنشاء رتبة عليا تسمى رتبة الأمانة (المرسوم عدد 7)، يمنحها الزعيم لمن يستحقها وتتوفر فيه شروط محددة، حيث “يؤتمن حاملو رتبة الأمانة على الأسرار الخطيرة في المهمات وينتدبون للأعمال التي تقتضي صفات ممتازة”. وتجدر الإشارة أن المادة الخامسة من الدستور حددت أن “نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب والوظائف التي تنشأ بمراسيم يصدرها الزعيم”. وبالتالي تكون رتبة الأمانة، كرتبة عليا هي أول رتبة تصدر بمرسوم من الزعيم. وكان من المتوقع بالتالي صدور مراسيم أخرى لرتب أدنى أو أعلى منها بحسب الحاجة لتنظيم الإدارة.
سنتناول هذه المؤسسات وهيكلتها وعلاقتها ببعض من زاوية أبعاد وسمات الحوكمة الشاملة، لعلنا نستطيع تحديد نقاط القوة والضعف، في الأساس الدستوري وفي الممارسة العملية، خاصة بعد غياب الزعيم، بهدف تصحيح الأخطاء وتفادي المخاطر في المستقبل.
فلنبدأ من الفروع وننتقل الى المناطق الإدارية ثم الى المركز، ونكتشف مدى تطابق منظومة الحوكمة التي ابتدعها سعاده على كل من هذه المستويات، مع السمات والأبعاد المعاصرة لمفهوم الحوكمة قبل ظهور هذا المفهوم بسبعة عقود.
المديرية: هيئة معينة تدير ولجنة استشارية تقدم المشورة وتراقب
يحدد المرسوم الدستوري عدد 3 المتلعق بمؤسسة المديريات، صلاحية المدير بما يلي:
-
إدارة مديريته وفاقاً لدستور الحزب وقوانينه وأنظمته والتعليمات الواردة إليه من رؤسائه بالتسلسل
-
عقد جلسات هيئة المديرية
-
عقد الاجتماعات العامة المنظمة لجميع أعضاء مديريته
-
ممارسة حقوقه في مجلس المديرين
-
اتخاذ التدابير الإدارية لحفظ معنوية الأعضاء عالية
-
الإشراف على ممارسة الأعضاء حقوقهم وواجباتهم الحزبية والنظامية
-
القيام بالأعمال اللازمة لتعزيز موقف الحزب ورفع هيبته
ويعاونه ناموس ومحصل للمال ومذيع يشكلون معه “هيئة المديرية”. وجميع أعضاء الهيئة بما فيهم المدير يعيّنون من قبل المراجع الإدارية في المنفذية أو المركز كما يلي:
المدير: يعيّن من قبل عميد الداخلية بناءً على اقتراح المنفذ العام
المدرب: يعيّن من قبل عميد الدفاع
الناموس والمحصل والمذيع: يعيّنون من قبل المنفذ العام بناءً على اقتراح المدير
الملاحظة الأولى من ناحية الحوكمة، هي أن تعيين المدير لا يحصل من قبل مسؤوله المباشر، أي المنفذ العام، حتى لا يتحكم أي منفذ عام بمنطقة كاملة من خلال تعيين المديرين فيها. بل يعود ذلك الى العميد، المسؤول في الإدارة المركزية عن المنفذ العام، لتأمين العدالة والمعاملة المنصفة والمسؤولية وإبقاء إمكانية المساءلة والتأكد من الكفاءة وضبط أي إمكانية لجنوح خارج أخلاقيات النهضة لأي سبب، ومنع التبعيات والفئويات والتكتلات. ومع ذلك، يطلب من المنفذ العام اقتراح المدير، احتراماً لواقع أنه هو من سيشرف على عمل المدير ويتعاون معه، ويجب أن يكون له رأي في اقتراح من يرتاح للعمل معهم. وهنا نرى جانب آخر من أهمية الحفاظ على المرونة في ظل الضوابط التي تمنع التجاوزات.
ولنفس السبب، لا يقوم المدير بتعيين معاونيه في هيئة المديرية، بل يقترح اسماء لكل مسؤولية، على أن يقوم المنفذ العام بتعيينهم، مع إبقاء وضع خاص للمدرب، حيث يعين مباشرة من عميد الدفاع. وهذه ميزة خاصة لها علاقة بطبيعة عمل المدرب والحفاظ على أمن وسلامة الحزب.
وبالرغم من وضع هذه الضوابط المتعلقة بتعيين المدير واعضاء هيئة المديرية، ممن يتوسم فيهم المنفذ العام أو عميدي الداخلية والدفاع خيراً، لا يمكن ضمان استمرار الجودة في العمل بدون الاشراف ومراقبة الأداء، سواء من المسؤولين المباشرين، وفي هذه الحال، المنفذ العام وهيئة المنفذية، وأيضاً من طرف آخر غير المسؤولين المباشرين الذين يتلقون التقارير من المدير وأعضاء الهيئة عن عمل المديرية. مما يعني أن هذه التقارير قد تظهر أحياناً أن الأمور كلها تحت السيطرة وتحاول إخفاء أية مشاكل أو تقصير أو مخاطر، بهدف حماية الإدارة المحلية.
لذلك، وضع سعاده المرسوم الدستوري عدد 4، الذي يرسم فيه أن تنشأ في كل مديرية لجنة استشارية تسمى «لجنة المديرية»، منتخبة من الأعضاء لمدة سنة بواسطة الاقتراع السري في اجتماع عام علني مخصص بهذا الغرض. ويحدد مهمتها (وليس مهمة رئيسها) كما يلي:
-
التعاون مع هيئة المديرية بدرس شؤون الحي أو الناحية أو القرية الحزبية والسياسية
-
إعطاء المشورة في كيفية معالجة شؤون المكان السياسية والمالية التي يقصد تطبيقها
-
اقتراح المشاريع على المدير
-
إبداء ملاحظاتها على التدابير الإدارية التي قد تولّد ما هو غير مستحب
يتضح من هذه المهمة دور مشارك في تقديم التشخيص للواقع المحلي الاجتماعي والسياسي والمالي، وتوسيع دائرة التفكير في اقتراح الحلول والمشاريع حتى لا تبقى محصورة بالمدير وهيئة المديرية، ومراقبة التدابير الإدارية وإبداء الملاحظات حولها. وهذه المهمة ترفد الإدارة المحلية المعينة بفريق متعاون يساعد على البحث والتحليل والتخطيط لكيفية التعامل مع الواقع وتطوير الأداء ورفع جودة الخطط والقرارات، كما تبقي هذه الإدارة المحلية المعينة تحت مجهر المراقبة والتقييم لقراراتها، والنصح بتحسين الأداء وتجنب المخاطر والمشكلات والأخطاء. وهذا نوع متطور من الحوكمة المحلية المشاركة الإيجابية والضابطة بنفس الوقت.
كما تضع لجنة المديرية المنتخبة تقريراً ربعياً (كل ثلاثة أشهر) بأعمالها واقتراحاتها وملاحظاتها ويحضر المدير وهيئة المديرية الجلسة التي يصير فيها تلاوة هذا التقرير. وبعد مصادقة اللجنة على قراءته يرفع إلى مجلس المنفذية. وهذا أيضاً نوع متقدم من الشفافية والمتابعة، بحيث أن تقرير اللجنة قد يتضمن شكاوى أو مقترحات أو خلاصات معينة، قد لا تكون متوافقة مع توجهات هيئة المديرية، لكنها ترفع الى مجلس المنفذية بعلم المدير وهيئته من خلال التقارير الربعية، مما يعطي هذا المجلس صورة دقيقة عن حقيقة الواقع الفعلي في كل مديرية. وهذا المجلس مؤلف من أعضاء يمثلون لجان المديريات، حيث تنتخب لجنة المديرية أحد أعضائها ليكون ممثلاً لها في «مجلس المنفذية» لدورة واحدة مدتها سنة.
وتجدر الملاحظة هنا، أن سعاده الذي تكلم عن الديمقراطية التعبيرية، التي تربط اختيار الأفراد لشغل وظائف معينة بكفايات ومواصفات ورتب محددة، لم يضع أية شروط على انتخاب الأعضاء للجنة المديرية، ولا على انتخاب احد أفراد لجنة المديرية الى مجلس المنفذية. فيما أبقى المسؤوليات المعينة خاضعة لتقييم أكثر من مسؤول (يقترح المدير ويعيّن المنفذ، أو يقترح المنفذ ويعيّن العميد)، مما يعني خضوع مواصفات الشخص المعين لتقييم كفاياته ومدى مناسبته للوظيفة التي سيتسلمها من قبل شخصين على الأقل. ولو تسنى لسعاده الوقت الكافي، برأينا، فإنه كان من الممكن أن يقوم بتحديد توصيف لكل وظيفة، ويحدد الكفايات المطلوبة، وربما يصدر مراسيم لإنشاء رتب متنوعة، بحيث يكون من شروط تولي وظيفة أو مسؤولية معينة هو أن يكون العضو حاصلاً على رتبة محددة بالحد الأدنى.
وبالتالي فإن ضبط العمل الإداري على مستوى المديرية، يتم من خلال تطبيق النظام المركزي التسلسلي، حيث يتم التعيين من السلطات الأعلى، ويتم الإشراف والتوجيه من قبل المنفذ العام وهيئة المنفذية، التي تصلها تقارير دورية وتتابع تطور سير العمل في أكثر من مديرية ضمن نطاق المنفذية. وهذا أحد أعمدة الإدارة التي عادة ما تنفذ الخطط من أعلى الى أدنى.
كما أن لجنة المديرية والدور التعاوني والتشاركي والرقابي المعطى لها في الدستور، تشكل نموذجاً متطوراً للحوكمة المحلية، التي تدرس الواقع المحلي وتراقب خطط الإدارة المحلية وتقترح الحلول وتبدي الملاحظات على القرارات، خاصة المضرّة منها، وترفع التقارير الى مجلس المنفذية. ولا تستقيم الحوكمة المحلية بدون قيام لجنة المديرية بدورها كاملاً. وفي حال غيابها، فإن الإدارة المحلية تترك بدون متابعة ومراقبة وتصويب وتغذية راجعة، مما يجعل العمل الإداري المحلي هشاً يعتمد فقط على أخلاق وخبرة المدير والهيئة المعيّنة، التي قد تعمل بغَير مراقبة ومتابعة وتقييم، باستثناء اشراف ومتابعة المنفذ العام وهيئة المنفذية، ودون ضوابط محليّة وأدوات لتحسين الأداء ورفع الجودة والتطوير المستمر للعمل.
المنفذية: هيئة معينة تدير ومجلس يقدم المشورة ويدرس المشاريع ويقرر الضرائب ويقر الموازنة ويراقب ويقيّم
يحدد المرسوم الدستوري عدد 2 المتلعق بمؤسسة المنفذيات، صلاحية المنفذ العام بأنها “إدارية بحتة” ويفصّلها كما يلي:
-
اتخاذ جميع التدابير النظامية لتنفيذ شؤون الإدارة في منطقته، التي تحدد بالقوانين الداخلية، وتطبيق نظام الحزب، وتنفيذ خططه الإدارية وقرارات الزعيم والعمد المختصين وقرارات مجلس المنفذية
-
الإشراف على أعمال النظار وقيامهم بما وضع عليهم
-
اتخاذ المقررات اللازمة في جلسة رسمية لهيئة المنفذية للدفاع عن الحزب في المنطقة وبسط نفوذه وتقوية معنويته فيها
-
اقتراح إنشاء مديريات في منفذيته واقتراح تعيين أشخاص للوظائف الإدارية التابعة لمنفذيته
-
يحق للمنفذ العام اتخاذ قرار في جلسة رسمية لهيئة المنفذية بفصل أي عضو، يجد، بعد المداولة، أنّ فصله المستعجل ضروري، فصلاً مؤقتاً، ويجب أن يقدم في الحال تقريراً بذلك إلى عمدة الداخلية واقتراحاً بالطرد معللاً إذا وجد الأسباب كافية.
ويعاون المنفذ العام ناموس وناظر مالية وناظر إذاعة وناظر تدريب يشكلون معه “هيئة المنفذية”. والمنفذ العام والنظّار جميعهم معينون من الإدارة المركزية كما يلي:
المنفذ العام: يعيّن بمرسوم من الزعيم
ناظر التدريب: يعيّن بقرار من عميد الدفاع
الناموس: يعيّن بقرار من عميد الداخلية
ناظر المالية: يعيّن بقرار من عميد المالية
ناظر الإذاعة: يعيّن بقرار من عميد الاذاعة
كما في حالة المديرية، الملاحظة الأولى من ناحية الحوكمة، هي أن تعيين المنفذ العام لا يحصل من قبل أي عميد، بل من الزعيم مباشرة، أيضاً لتأمين العدالة والمعاملة المنصفة والمسؤولية وإبقاء إمكانية المساءلة والتأكد من الكفاءة وضبط أي إمكانية لجنوح خارج أخلاقيات النهضة لأي سبب، ومنع التبعيات والفئويات والتكتلات.
ولنفس السبب، لا يقوم المنفذ العام بتعيين النظار في هيئة المنفذية. بل يأتي التعيين بقرار من العميد صاحب الاختصاص بناء على اقتراح المنفذ العام. والنظّار دورهم أشمل من أعضاء هيئة المديرية، وعليهم مسؤوليات تخصصّية بتنفيذ خطط العمدات التابعين لها. كما أن قرارات المنفذ العام يجب أن تتخذ في جلسة رسمية لهيئة المنفذية، بينما لم يحدد المرسوم الدستوري عدد 3 أن قرارات مدير المديرية يجب أن تتخذ في جلسة رسمية لهيئة المديرية.
مقارنة أخرى بين صلاحيات المدير والمنفذ العام، فالمدير ينفّذ التعليمات الواردة إليه من رؤسائه بالتسلسل، بينما المنفذ العام ينفّذ خطط الحزب الإدارية وقرارات الزعيم والعمد المختصين وقرارات مجلس المنفذية. أي أن المنفذ العام، إضافة الى تنفيذ قرارات (وليس تعليمات كما في حالة المدير) رؤسائه بالتسلسل، عليه أيضاً أن ينفّذ قرارات مجلس المنفذية، الذي له صلاحيات أوسع من لجنة المديرية، كما سيرد فيما يلي.
لا يمكن بالتالي ضمان استمرار الجودة وقياس وتقييم تطوير الأداء في عمل هيئة المنفذية، بدون المتابعة والمراقبة من قبل طرف غير معيّن من السلطة التنفيذية وغير تابع لها. فالعمد يشرفون على عمل المنفذية وهيئتها، كل بحسب اختصاصه، ويتلقون التقارير من هيئة المنفذية والنظار. ويمكن أحياناً أن تُظهر هذه التقارير أن الأمور كلها تحت السيطرة وتحاول إخفاء أية مشاكل أو تقصير أو مخاطر، بهدف حماية الإدارة المحلية.
لذلك، تنص المادة التاسعة من المرسوم الدستوري عدد 4، ضرورة أن ينشأ في كل منفذية مجلس تمثيلي إستشاري له صفة تشريعية في الضرائب المالية (الاشتراكات) المحلية ويتألف من ممثلي لجان المديريات المنتخبين ويسمّى هذا المجلس «مجلس المنفذية». وتحدد صلاحيته (وليس مهمته كما في لجنة المديرية) كما يلي:
-
درس شؤون المنطقة الحزبية والسياسية والمناقشة فيها
-
إعطاء المشورة المستخرجة من هذا الدرس في كيفية معالجة شؤون المنطقة الحزبية والسياسية
-
درس مشاريع وتدابير سياسية ومالية واجتماعية واقتصادية محلية
-
تقرير الضرائب (الاشتراكات) المحلية ودرس موازنة المنفذية وإقرارها كما هي أو بإحداث تخفيض في اعتماداتها
-
الاطّلاع على إدارة مالية المنفذية وحساباتها بواسطة لجنة مالية ينتخبها المجلس من أعضائه (لم تقترن عملية الانتخاب هنا بأية كفاءة أو مواصفات)
يتضح من هذه الصلاحية دور مشارك في درس وتشخيص للواقع المحلي الاجتماعي والسياسي والمالي، وتوسيع دائرة التفكير في اعطاء المشورة في كيفية معالجة شؤون المنطقة الحزبية والسياسية أيضاً، ودرس المشاريع والتدابير السياسية والمالية والاجتماعية والاقتصادية في نطاق المنفذية، حتى لا تبقى هذه المسائل محصورة بالمنفذ العام وهيئة المنفذية. وقد أضيف الى الدور الرقابي والمتابع والمشارك في درس الواقع واقتراح الحلول ودرس المشاريع والتدابير، دوراً مهماً لا يمكن أن ينتظم دور المنفذية بدونه، وهو دور تشريعي تقريري يتعلق بالضرائب المحلية والموازنة والاطلاع على إدارة مالية المنفذية. وهذه الصلاحية الموسعة ترفد الإدارة المعيّنة في هيئة المنفذية بفريق متعاون يساعد على البحث والتحليل والتخطيط لكيفية التعامل مع الواقع وتطوير الأداء ورفع جودة الخطط والقرارات، كما تبقي العمل الإداري تحت مجهر المراقبة والتقييم المحلّي على مستوى المنطقة، وتقديم النصح بتحسين الأداء وتجنب المخاطر والمشكلات والأخطاء. إضافة الى دور اساسي وحاسم في تقرير الاشتراكات وإقرار الموازنة ومراقبة أداء الإدارة المالية. وهذا نوع من الحوكمة المحلية الفعالة والمشاركة والإيجابية، والضابطة للتجاوزات بنفس الوقت، يتكامل مع الحوكمة على مستوى المديرية، ويبني مدماكاً إضافياً في بناء الحوكمة الشاملة على كل المستويات.
ويضع مجلس المنفذية بياناً ربعياً بأعماله ويرفعه إلى مجلس العمد ويرسل نسخة منه إلى المجلس الأعلى. وهذا مدماك آخر، لاستكمال منظومة الحوكمة الشاملة. أهميته أن تقارير مجلس المنفذية، التي قد لا تكون متطابقة مع تقارير هيئة المنفذية، وقد تتضمن أحياناً نقداً لأداء الإدارة المحلية المعيّنة، تصل الى الإدارة المركزية التنفيذية المتمثلة بمجلس العمد، حيث ترد أيضاً تقارير هيئة المنفذية، مما يظهر أمام مجلس العمد أي خلل أو خطأ أو شكوى أو عدم انسجام أو فعالية أو تجاوزات في فهم وتطبيق الخطط المركزية التنفيذية ويساعد على المعالجة المبكرة والفعالة.
كما أن إرسال نسخة من تقارير مجلس المنفذية (دون تقارير هيئة المنفذية) الى المجلس الأعلى، تسهم أيضاً في استكمال الخط التصاعدي لتقارير الهيئات المنتخبة من لجنة المديرية الى مجلس المنفذية الى المجلس الأعلى، خلال فترة وجود الزعيم، والذي كانت مهامه وقتها “إبداء الرأي وإعطاء المشورة في شؤون الحزب الخطيرة ولتقرير سياسة أو خطة فاصلة أو حل مشكل ذي نتائج خطيرة في حياة الحزب الداخلية ولتعديل الدستور الحالي”.
وقد أجاز المرسوم الدستوري عدد 4 للمنفذ العام بحل لجنة المديرية، ولمجلس العمد مجتمعاً بحل مجلس المنفذية، بشروط صعبة، من أجل حماية الجهات الرقابية المنتخبة من عبث الإدارة المعنية مباشرة، في حال تضمنت تقاريرها نقداً أو اعتراضات على أداء الإدارة المعينة. فحلّ لجنة المديرية ليس من مهام المدير، بل من مهام المنفذ العام، الذي يحق له “حلّ لجنة مديرية غير قائمة بأعمالها أو متعدية على صلاحياتها أو متخذة موقفاً سلبياً أو لا تعاونياً تجاه الإدارة، بناءً على مطالعة مقرر كفؤ ينتدبه لهذه الغاية ويجب عليه أن يبلغ عمدة الداخلية في الحال كل تدبير من هذا النوع والأسباب الحيوية الباعثة عليه”. كما أن حل مجلس المنفذية يحتاج الى قرار من مجلس العمد مجتمعاً، بناءً على “اقتراح معلل من المنفذ العام مبني على قرار مجلس المديرين ومطالعة عمدة الداخلية”. حيث أن مجلس المديرين يتشكل من كافة مديري المديريات في المنفذية، وينعقد مرة كل ثلاثة أشهر برئاسة المنفذ العام واشتراك هيئة المنفذية في موعد تقرره عمدة الداخلية. وصلاحية مجلس المديرين هي “درس الأعمال والأحوال الإدارية المختصة بالمنفذية ووسائل تقوية الروابط الإدارية وتسهيل تنفيذ المهمات الإدارية واتخاذ قرارات رسمية في هذا الصدد”. ومن هذه القرارات قرار حل مجلس المنفذية في حالات معينة بشكل معلّل بالوقائع.
مؤسسة العمد ومجلسهم: مجلس تنفيذي لمعاونة الزعيم
يحدد المرسوم الدستوري عدد 1 دور وهيكلية وصلاحية مؤسسة العمد، الذين يعيّنهم الزعيم لمعاونته في إدارة الحزب وممارسة السلطة التنفيذية. بحيث تسير إدارة الحزب وفاقاً للتصنيف الفني للمصالح الرئيسية ويجري تعيين العمد على أساس هذا التصنيف. ويعلن المصالح الآتية: الداخلية والمالية والخارجية والإذاعة والقضاء والاقتصاد والدفاع والثقافة والفنون الجميلة مصالح عامة رئيسية في الحزب. ويؤلّف العمد المعيّنون لهذه المصالح العامة الرئيسية مجلساً تنفيذياً يسمى مجلس العمد يكون له رئيس وناموس يعيّنهما الزعيم.
هنا أيضاً نجد أن العمد الذين يكوّنون أعضاء في مجلس العمد المعيّن، لا يعينهم رئيس مجلس العمد بل الزعيم. وتحدد صلاحية مجلس العمد بما يلي:
-
تقرير التوافق الشكلي والنهج المشترك لتنفيذ سياسة الزعيم وخططه ومقرراته
-
التناقش في مشاريع كل عميد التي تتعلق بالخطط العامة وسياسة الحزب قبل عرضها على الزعيم
-
إبداء الرأي في المسائل التنفيذية التي يطلب منه الزعيم درسها
-
التناقش في الموازنة العامة وإقرارها مبدئياً ورفعها إلى الزعيم للمصادقة مباشرة أو بتعديل
-
اتخاذ قرارات إدارية عامة
بينما تحدد صلاحية العميد بما يلي:
-
وضع مشاريع عمدته الإدارية والتنفيذية لتأمين تنفيذ سياسة الزعيم العامة وعرضها على مجلس العمد للمناقشة ثم على الزعيم للحصول على المصادقة
-
اتخاذ جميع التدابير التي هي من صلاحية عمدته لتنفيذ سياسة عمدته المقررة والمصدّقة
-
العميد مسؤول عن سياسة عمدته ومسؤوليته تجاه الزعيم رأسا
العميد اذا هو مسؤول عن سياسة عمدته، وهذه المسؤولية ليست تجاه مجلس العمد أو رئيسه، بل تجاه الزعيم رأساً. فهو معاون له في اختصاص معين، يضع لعمدته مشاريع إدارية وتنفيذية، وسياسة للعمدة، لتأمين تنفيذ سياسة الزعيم العامة. وتصبح سياسة العمدة ومشاريعها الإدارية والتنفيذية نافذة بعد مناقشتها في مجلس العمد ومصادقة الزعيم عليها.
فيما مجلس العمد هو مكان للتنسيق بين العمد وتبادل الخبرات والتجارب، والتناقش في مشاريع كل عميد التي تتعلق بالخطط العامة وسياسة الحزب قبل عرضها على الزعيم. والمجلس يهدف الى تقرير التوافق الشكلي والنهج المشترك لتنفيذ سياسة الزعيم وخططه ومقرراته.
ومن ناحية الحوكمة، يقوم الزعيم بشكل مباشر بالإشراف والتوجيه من جهة، وبالمراقبة والمتابعة والمحاسبة لمجلس العمد ولعمل كل عميد من جهة ثانية. وهذا كان واضحاً من خلال سيرته في قيادة الحزب ومن خلال رسائله الموجودة الى العمد في مراحل عديدة.
كما يتلقى مجلس العمد تقارير دورية من مجالس المنفذيات وأخرى من هيئات المنفذيات، تعطيه صورة حقيقية عن واقع المناطق، يستطيع من خلالها وضع الخطط وتعديلها ومناقشتها في المجلس قبل عرضها على الزعيم.
سلطة الزعامة: مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية
نرى مما تقدم، أن الزعيم هو رأس السلطة التفيذية، الذي يعود اليه إقرار الخطط التنفيذية التي يعرضها عليه مجلس العمد، إضافة الى الإشراف المباشر على عمل المجلس وترأسه ساعة يشاء، ومن خلال تعيين العمد وتقييم عملهم. كما تحدد المادة الرابعة من الدستور أن زعيم الحزب هو قائد قواته الأعلى ومصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وتتضمن صلاحية مجلس العمد “تقرير التوافق الشكلي والنهج المشترك لتنفيذ سياسة الزعيم وخططه ومقرراته”. إذا للزعيم خطط ومقررات وسياسة، هو يقررها، أحياناً بصفته مصدر السلطة التشريعية، وأحياناً كونه رأس السلطة التنفيذية.
وتذكر مقدمة الدستور أن معتنقي دعوته ومبادئه يدافعون عن قضيته و”يؤيدون الزعيم تأييداً مطلقاً في كل تشريعاته وإدارته الدستورية”، وعلى هذا الأساس يتم التعاقد بين العضو وصاحب الدعوة. فيكون العضو قد التزم على أساس هذا التعاقد الحر، بالتأييد المطلق للزعيم في كل تشريعاته وإدارته الدستورية.
وتشير المادة السابعة من الدستور الى أن “كل مراسيم الزعيم وقراراته وتشاريعه خطية وتنفّذ بطريقة التسلسل”. وهنا تحديد دقيق لما يصدر عن الزعيم: مراسيم وقرارات وتشاريع.
من الواضح إذاً أن زعيم الحزب هو مصدر السلتطين التشريعية والتنفيذية، وبالتالي هو مرجع ورأس كل من هاتين السلطتين. وإذا كان مفهوم السلطة التنفيذية ومهامها واضحة لجهة تنفيذ سياسة الزعيم وخططه ومقرراته، فهل هذه السياسة والخطط والمقررات يصدرها كرأس للسلطة التنفيذية أم كرأس للسلطة التشريعية؟ وهل المراسيم والقرارات والتشاريع المذكورة في المادة السابعة يصدرها بصفته رأساً للسلطة التنفيذية أن للسلطة التشريعية؟ في فقه الدستور، المراسيم عادة تصدرها السلطة التنفيذية، والتشاريع أو التشريعات تصدرها السلطة التشريعية. فماذا عن القرارات؟
هذا الدمج داخل سلطة الزعامة للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وعدم وجود شرح كافي العلاقة بينهما، أدى بعد غياب الزعيم وفصل السلطتين وإناطتهما بالمجلس الأعلى ورئيس الحزب، الى كثير من اللغط والتداخل والتناحر بين السلطتين المفصولتين وصلاحية كل منها على مدى تاريخ الحزب، كما سنرى لاحقاً.
بالتالي، فإن الزعيم هو بحسب الدستور:
-
الشارع صاحب الدعوة إلى القومية السورية الاجتماعية
-
واضع أسس النهضة السورية القومية الاجتماعية
-
زعيم الحزب مدى حياته و قائد قواته الأعلى ومصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية
-
أحد طرفي التعاقد مع الأعضاء المقبلين على الدعوة
-
الأعضاء يؤيدون الزعيم تأييداً مطلقاً في كل تشريعاته وإدارته الدستورية
-
نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب والوظائف التي تنشأ بمراسيم يصدرها الزعيم
-
كل مراسيم الزعيم وقراراته وتشاريعه خطية وتنفّذ بطريقة التسلسل
ينشئ الزعيم:
-
إدارات تنفيذية
-
ومجالس استشارية تشريعية وتنفيذية
-
وهيئات اقتصادية
لتعاونه في إدارة الحزب وخدمة القضية القومية التي من أجلها نشأ الحزب السوري القومي. ويكون للزعيم حقّ ترؤسها والإشراف المباشر عليها ساعة يريد.
-
مستوى إضافي من الحوكمة
وبالإضافة الى المستويات المتعددة من تطبيق الحوكمة الشاملة، على مستوى المديريات والمنفذيات ومجلس العمد، فقد كفل الدستور في مادته الثامنة، لكل عضو في الحزب حقه في:
-
إبداء الرأي في الاجتماعات النظامية العامة والخاصة في كل ما يتعلق بغرض الاجتماع وحين يباح الكلام
-
إبداء الرأي لأي مرجع أعلى أو للزعيم في كل ما يتعلق بشؤون الحزب الإدارية بشرط أن يأتي إبداء الرأي رسمياً بواسطة التسلسل
-
إبداء الرأي في خطط الحزب السياسية والاقتصادية للمراجع والهيئات المختصة رأساً، له وحق الاتصال كتابة أو شخصياً بالمراجع العليا والزعيم
فقد ترك المجال لأي رفيق لديه ملاحظات أو شكاوى أو مقترحات ايصال رأيه، سواء في الاجتماعات العامة والخاصة، أو الى أي من مستويات النظام المركزي التسلسلي وصولاً الى الزعيم. وإن كان الرأي متعلقاً بشؤون الحزب الادارية، وجب ابداء الرأي عبر التسلسل الإداري، من أجل حفظ احترام المسؤولين الاداريين الذين يتولون مسؤليات ادارية، من الفرع الذي ينتظم فيه الرفيق، وصولاً الى المسؤول المرسل اليه الرأي، وإطلاعهم على هذا الرأي، حتى اذا تمّت أية متابعة أو مراجعة أو معالجة من قبل المسؤول الأعلى، يكون جميع هؤلاء المسؤولين على دراية بما يحصل، حتى لو كان الرأي هو شكاوى ضد أي منهم. أما إذا كان الرأي متعلقاً بخطط الحزب السياسية والاقتصادية، فترُك للرفيق حق الاتصال مباشرة بالمراجع والهيئات المختصة والمراجع العليا والزعيم.
وهذا شكل إضافي من أشكال تطبيق الحوكمة عبر المتابعة والتعبير عن أية مشكلات أو اعتراضات أو مخاطر محتملة من قبل أي عضو.
المجلس الأعلى: سلطة تشريع وتقرير
لم ينشئ الزعيم المجلس الأعلى بمرسوم دستوري، كما بقية المؤسسات الأخرى (المؤسسات التنفيذية: مؤسسات العمد ومجلسهم، مؤسسة المنفذيات، مؤسسة المديريات. المؤسسات ذات الصفة التشريعية: مجالس المنفذيات). مع أن المادة السادسة من الدستور تجيز للزعيم إنشاء “إدارات تنفيذية ومجالس إستشارية تشريعية وتنفيذية وهيئات اقتصادية لتعاونه في إدارة الحزب وخدمة القضية القومية الاجتماعية التي من أجلها نشأ الحزب السوري القومي الاجتماعي.”
بل نصت المادة العاشرة من الدستور: “للحزب السوري القومي الاجتماعي مجلس أعلى يجتمع بناءً على دعوة من الزعيم لإبداء الرأي وإعطاء المشورة في شؤون الحزب الخطيرة ولتقرير سياسة أو خطة فاصلة أو حل مشكل ذي نتائج خطيرة في حياة الحزب الداخلية ولتعديل الدستور الحالي”.
وهذه المادة أناطت بالمجلس الأعلى مهام:
-
إبداء الرأي وإعطاء المشورة في شؤون الحزب الخطيرة للزعيم
-
تقرير سياسة أو خطة فاصلة
-
حل مشكل ذي نتائج خطيرة في حياة الحزب الداخلية
-
تعديل الدستور
المهمة الأولى، هي معاونة الزعيم في شؤون الحزب الخطيرة، (أي المهمة وليس الخطرة). وهنا يمكن أن تكون هذه الشؤون لها علاقة بالخطط العامة للحزب التي يقرها الزعيم، ويرسلها الى مجلس العمد للتنفيذ عبر التسلسل الإداري. ويمكن أن تكون مسائل استراتيجية لها علاقة بسياسة الحزب العامة وتحالفاته وموقعه. ويمكن أن تكون حول مسائل تشريعية دستورية أو مسائل تتعلق بتطوير العمل الحزبي. لكن كل ذلك يبقى في إطار إبداء الرأي وإعطاء المشورة. وهذا ايضاً تطبيق راقِ من قبل الزعيم، يُخضع خططه وسياساته وتشاريعه للمتابعة من قبل المجلس الأعلى، مع أن الزعيم هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهنا نتحدث عن الحقوق الدستورية ولا نقيّم فيما اذا كان اعضاء المجلس الاعلى مؤهلين أن يعطوا رأياً مخالفاً أو نقدياً لخطط الزعيم أو سياسته او تشريعاته.
المهمة الثانية، تجعل من المجلس الأعلى سلطة تقرير. هناك فرق بين التقرير والإقرار. فالإقرار والمصادقة الذي يقوم به الزعيم هو لخطط أو موازنة تم وضعها والتوافق عليها في مجلس العمد، يقرّها الزعيم، أو موازنة أعدتها هيئة المنفذي يجري إقرارها في مجلس المنفذية. بينما التقرير هو وضع الخطة أو السياسة ومن ثم إقرارها. وبالمقارنة مع الخطط التي يدرسها مجلس العمد، ويتناقش بها ويعرضها على الزعيم للمصادقة أو الإقرار، فالدستور يعطي المجلس الاعلى حق تقرير الخطط والسياسات.
المهمة الثالثة، تجيز للمجلس الأعلى النظر في المشاكل الداخلية الخطيرة وحلّها. وعندما وُضع الدستور لأول مرة ثم صنف في 1937، لم يكن قد صدر بعد مرسوم المحكمة الحزبية، الذي صدر عام 1948. فكانت هذه المهمة ليكون المجلس الأعلى بمثابة مرجع تحكيمي لحل المشاكل الداخلية الخطيرة. ولا ندري إن كان الزعيم، لو بقي حياً لبضعة سنوات بعد 1949، سيقوم بإبقاء هذه المهمة بيد المجلس الأعلى أم كان سينقلها بالكامل الى المحكمة الحزبية.
المهمة الرابعة، هي تعديل “الدستور الحالي”. أي أن الزعيم، برغم صلاحياته المطلقة، قد أعطى للمجلس الأعلى مهاماً أساسية حتى بوجوده. وكونه أكد في أكثر من مقال أن سلطة الزعيم الفرد هي حصر على المؤسس شخصياً، وأن التوجه الديمقراطي في الدستور صريح ولا يرفضه عقل صحيح، يتبين من هذه المهام أن الهدف منها هو تدريب وتهيئة المجلس الأعلى على القيام بمهام تقريرية وتحكيمية وتشريعية دستورية خلال وجود الزعيم.
ومن الواضح هنا، وكما هو متعارف عليه في خصائص وماهية النظام المركزي التسلسلي، أن المؤسسة العليا تفوّض جزءاً من صلاحيتها لمؤسسة أدنى في سلّم النظام المركزي، ولكنها تستطيع ان تستردها وتصحح أي اعوجاجات او أخطاء. من هنا فإن الزعيم كمصدر للسلطة التشريعية مثلا، قد فوض عدداً من المهام للمجلس الأعلى في الدستور، مثل تقرير الخطط والسياسات وحل المشاكل وتعديل الدستور، لكنه يستطيع من خلال سلطة الزعامة، استرجاع التفويض وتصحيح الخطط والحلول والتعديلات عند اللزوم، أو حتى حل المجلس الأعلى برمته. وهذا ما حصل بعد عودته من مغتربه القسري، لتصحيح الخروج العقائدي المتمثل بالواقع اللبناني عند نعمة تابت وجنوح الاجتهادات الفلسفية عند فايز صايغ، وهما كانا من قيادات الحزب البارزة خلال فترة اغترابه القسري. وما يصح على السلطة التشريعية، لناحية ميزة تفويض السلطة من مؤسسة أعلى الى مؤسسة أدنى، يصح ايضاً على السلطة التنفيذية، بكافة مستوياتها. والتفويض هو إحد ميزات النظام المركزي التسلسلي، مقارنة مع أنظمة أخرى تقسم السلطة وتوزعها أفقياً أو عامودياً، وتنشيء توازناً بين السلطات الموزّعة.